ملخص
تظل سوق النفط العالمية في وضع هش مع احتمال تراجع الأسعار أكثر
خفض بنك "غولدمان ساسكس" الاستثماري الأميركي توقعاته لمتوسط أسعار النفط هذا العام بنحو 4 دولارات للبرميل عن تقديراته السابقة، وذلك في ظل استمرار هبوط أسعار النفط منذ الأسبوع الماضي عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم تعريفة جمركية على شركاء بلاده التجاريين. وذلك هو الخفض الثاني من قبل البنك الاستثماري لتوقعات أسعار النفط للعام المقبل 2026 في غضون يومين.
وفجر اليوم الإثنين مع أول تعاملات الأسبوع في الأسواق الآسيوية أصدر البنك مذكرة لعملائه تضمنت خفض توقعات الأسعار، ليصبح تقديره لمتوسط أسعار النفط عند 58 دولاراً للبرميل من خام "برنت" القياسي و55 دولار للبرميل من الخام الأميركي (مزيج غرب تكساس). وكان البنك خفض توقعاته الجمعة إلى 62 دولاراً لبرميل "برنت" و59 دولاراً لبرميل الخام الأميركي.
لكن في تعاملات أول أيام الأسبوع واصلت أسعار النفط الهبوط الذي بدأته الأسبوع الماضي، وجرى تداول العقود الآجلة للخام الأميركي دون مستوى 60 دولاراً للبرميل وانخفاض سعر خام "برنت" عن حاجز 65 دولاراً للبرميل. وفقدت أسعار النفط في بداية التعاملات ما يزيد على نسبة 3 في المئة، ليقترب ما فقدته خلال أسبوع من نسبة 14 في المئة.
وفي جولات التداول الأولى اليوم فقد خام "برنت" القياسي نسبة 3.5 في المئة ليصل سعره إلى 63.30 دولار للبرميل، وتراجعت العقود الآجلة للخام الأميركي بنسبة 3.6 في المئة إلى 59.79 دولار للبرميل.
عوامل الضغط على الأسعار
كانت أسعار النفط أنهت الأسبوع الماضي على خسارة كبيرة لم تشهدها منذ أزمة وباء كورونا قبل نحو 5 سنوات، ومع فرض الصين تعريفة جمركية على الصادرات الأميركية بنسبة 34 في المئة كرد عقابي على قرارات ترمب هبطت أسعار النفط في تعاملات نهاية الأسبوع الجمعة بنسبة نحو 7 في المئة. وفي المتوسط الأسبوعي تراجع سعر خام "برنت" بنسبة 10.9 في المئة في حين هبط خام غرب تكساس بنسبة 10.6 في المئة.
يأتي الانخفاض المستمر في أسعار النفط مع اضطراب الأسواق وهبوط مؤشرات الأسهم، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار بنهاية الأسبوع الماضي. ونقلت وكالة "رويترز" عن محلل السلع الأولية لدى شركة "راكوتين" للأوراق المالية ساتورو يوشيدا قوله إن "الدافع الأساس لهذا الانخفاض هو القلق من أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى إضعاف الاقتصاد العالمي... علاوة على ذلك، تسهم الزيادة المقررة للإنتاج من قبل (أوبك+) في ضغوط البيع". وأشار المحلل إلى أن الرسوم الجمركية المضادة من دول أخرى غير الصين ستكون عاملاً رئيساً يجب متابعته. وتوقع يوشيدا أن ينخفض سعر خام غرب تكساس إلى 55 دولاراً للبرميل أو حتى 50 دولاراً إذا استمر انخفاض سوق الأسهم.
إضافة إلى اضطراب الأسواق وهبوط مؤشرات الأسهم وقوة الدولار، جاءت تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) الأميركي جيروم باول الجمعة لتضيف إلى المخاوف في شأن حدوث ركود اقتصادي نتيجة الحرب التجارية، إذ قال باول إن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترمب "أكبر من المتوقع"، وإنه من المرجح أن تكون التداعيات الاقتصادية، بما في ذلك ارتفاع التضخم وتباطؤ النمو، أكبر من المتوقع أيضاً.
تزامن كل ذلك مع قرار تحالف "أوبك+" زيادة إنتاج الدول الأعضاء بمقدار 411 ألف برميل يومياً بدءاً من مايو (أيار) المقبل، وهو معدل أكبر من الزيادة المقررة سابقاً عند 138 ألف برميل يومياً. وكان إنتاج دول التحالف في مارس (آذار) الماضي زاد بالفعل بأكثر من 180 ألف برميل يومياً. واستدعى ذلك دعوة التحالف الدول الأعضاء التي تتجاوز حصص سقف الإنتاج بالالتزام بالحصص وتقديم خطط في موعد أقصاه الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري في شأن تعويض تلك الزيادة.
مخاوف الركود والطلب
يذكر أن النفط من السلع المستثناة من قرارات التعريفة الجمركية التي بدأت بها الإدارة الأميركية حرباً تجارية عالمية، لكن مخاوف تأثير القرارات على النمو الاقتصادي هي التي تضغط أكثر على سوق النفط العالمية، فإذا أدت الحرب التجارية إلى ركود اقتصادي، أو حتى تباطؤ شديد في نمو اقتصاد الدول الأكثر استهلاكاً للطاقة مثل الصين فإن الطلب العالمي على النفط سيتراجع بشدة.
ومع تخفيف تحالف "أوبك+" لخفض الإنتاج الذي يطبقه منذ عام 2022 يصبح ميزان العرض والطلب لمصلحة العرض، مما يعني احتمال تخمة من فائض المعروض النفطي في السوق العالمية، بالتالي مزيد من هبوط الأسعار، مما زاد من تلك المخاوف تصريح رئيسة صندوق النقد الدولي كريتسالينا غورغيفا الذي اعتبرت فيه قرارات التعريفة الجمركية تهديداً للنمو الاقتصادي العالمي.
وقالت غورغيفا إنهم في الصندوق "ما زلنا نقيم ونقدر تبعات التعريفة الجمركية المعلنة على مؤشرات الاقتصاد الكلي، لكنها من الواضح تمثل خطراً كبيراً على النظرة المستقبلية (للاقتصاد العالمي) في وقت يتباطأ فيه النمو... إننا نطالب الولايات المتحدة وشركاءها التجاريين بالعمل معاً بصورة بناءة على خفض التوترات التجارية وتقليل حال الاضطراب وعدم اليقين".
وبانتظار بيانات وأرقام اقتصادية مهمة هذا الأسبوع وردود فعل الأسواق عليها، بخاصة أسواق الأسهم، تظل سوق النفط العالمية في وضع هش مع احتمال تراجع الأسعار أكثر. وربما تكون شركات الطاقة الأميركية الكبرى الأكثر قلقاً من هذا الوضع في أسواق الطاقة، إذ إن سعر الخام الأميركي يهبط سريعاً عن المعدل المستهدف من قبل تلك الشركات للتشغيل، فالسعر المناسب هو 65.4 دولار للبرميل، وأقل من هذا تتضرر عائدات الشركات وأرباحها، بل ربما تواجه الخسارة.