ملخص
في حين تشكك أطراف في قدرة المجلس العسكري على إخراج البلاد من الفقر، أوضحت الحكومة في يناير الماضي أنها ستعمل على 4 محاور رئيسة في ما يتعلق بقطاع إنتاج الذهب.
فتحت وزارة المناجم في مالي أبواب التفاؤل بمستقل واعد على مصراعيها بعد إعلانها أن إنتاج الذهب سيرتفع إلى 54.7 طن في 2025. ورغم أن مناجم التنقيب عن هذا المعدن الثمين لم تتوقف ولم ترفع من مستوى معيشة الماليين وتحسين مستويات اقتصاد البلاد، فإن اهتمام باماكو في الأعوام الأخيرة يمنح مؤشرات إيجابية، فهل "يطرد" الذهب الفقر في مالي؟
توقعات إيجابية
وأوضحت وزارة المناجم المالية أن إنتاج الذهب الصناعي مرشح للارتفاع خلال عام 2025، إثر استئناف شركة "باريك غولد" الكندية، إحدى أكبر شركات تعدين الذهب في العالم، أنشطتها بعد توقف دام أشهراً عدة بسبب نزاع مع الحكومة المالية. وأضافت أن التوقعات تشير إلى إنتاج 54.7 طن من المعدن الأصفر خلال العام الحالي، بزيادة تقارب ستة في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ورغم أن إنتاج الذهب يشكل إحدى الركائز الأساسية لاقتصاد مالي التي تعد ثالث أكبر منتج لهذا المعدن في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا وغانا، بأكثر من 15 منجماً نشطاً، فإن الوضع الاجتماعي في البلاد يصنف في خانة "الفقر"، حيث تصنف الدولة الـ13 الأفقر في العالم.
إجراءات وقرارات وحملات
وفي سياق حماية الموارد الطبيعية وضمان أمن مواقع التعدين، قررت الحكومة في يناير (كانون الثاني) الماضي، الحرب على التنقيب غير القانوني عن الذهب في مناطق متعددة من البلاد. وقال وزير المعادن أمادو كيتا، إن مناطق التنقيب غير الشرعية تشكل مصدراً لمآس متكررة بين السكان المحليين الذين يبحثون عن الذهب بأي طريقة.
وألغت باماكو التراخيص التي منحتها السلطات الإدارية في بعض الولايات الداخلية لبعض الوافدين الأجانب الذين يعملون في مجال التنقيب عبر وسائل بدائية، بعد حوادث انهيار تربة وآبار في مناجم الذهب، وآخرها ما وقع يوم 15 فبراير (شباط) الماضي مع انهيار حصل في منطقة كايس أدى إلى مقتل 48 شخصاً، وقبلها في 29 يناير (كانون الأول) الماضي، حين لقي 13 شخصاً حتفهم بينهم نساء و3 أطفال في منطقة كينيبا جنوب غربي مالي، إثر انهيار نفق كانوا يعملون في داخله.
وشنت السلطات حملات متكررة ضد المنقبين في الأماكن غير المرخصة، وصادرت 286 حفاراً و83 مركبة وأغلقت 61 موقعاً للتنقيب المحلي.
خطر الإرهاب
ليست المآسي وحدها ما دفع الحكومة المالية إلى مواجهة التنقيب غير القانوني، بل الأمر أكبر من ذلك، إذ قال وزير المعادن أمادو كيتا، إن عائدات الذهب من عمليات التنقيب غير الشرعي تسهم بصورة كبيرة في تمويل حركات الإرهاب والتمرد التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار.
وقدرت وزارة التعدين أن مالي تمتلك 881 طناً من رواسب الذهب في نحو 300 موقع تعدين تقليدي، كما أشارت إلى أن مليونين من عمال المناجم، أي أكثر من 10 في المئة من السكان، يعتمدون على هذا القطاع في كسب قوت يومهم.
نقمة وليست نعمة
ويترقب الشعب المالي أن تتحسن أوضاعه مع التوقعات الإيجابية التي أشارت إليها وزارة المناجم في البلاد، لكن المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بسكرة، نور الصباح عكنوش، يقول إن موضوع الذهب في مالي يرتبط منهجياً بما يحدث في دول أفريقية تمتلك المعدن الأصفر، حيث تعاني حروباً داخلية بسبب هذه الثروة التي أصبحت نقمة بدلاً من أن تكون نعمة، مشيراً إلى أن قوى داخلية وخارجية تتصارع على استغلال الذهب وسرقته وتحويله لدول كبرى من أجل دعم اقتصادها ومخزونها الاستراتيجي من هذا المعدن النفيس.
وتابع عكنوش أن مالي ضحية مصالح دولية متضاربة للسيطرة على باطن الأرض بعد تقسيم الجغرافيا، مبرزاً أن موضوع الذهب يخفي حقائق أخرى عما يحدث بعيداً من الأضواء في هذا البلد الذي يتجه إلى مرحلة انتقالية مفتوحة، ومن دون معايير حوكمة تضمن المراقبة والمساءلة والمشاركة الشعبية. وحذر أن الوضعين السياسي والأمني في مالي يشجعان على الاستغلال غير الشرعي لثروات البلاد من خلال صفقات وعمليات نهب ممنهجة، مما يهدد مستقبل الماليين، لأن أي تقدم يتطلب الاستقرار.
تأميم حكومي للمناجم
ومنذ أن تولى المجلس العسكري الحاكم في مالي مقاليد السلطة عام 2021، قرر مراجعة العقود مع الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، وأصدر في 2023 قانوناً جديداً من نتائجه رفع نسبة مردود الحكومة لتصل إلى 30 المئة في كل عمليات استخراج الذهب، لكن الخطوة أفرزت أزمة علقت بموجبها بعض الشركات عمليات الإنتاج، مما تسبب في تراجع إنتاج البلاد العام الماضي بنسبة 23 في المئة، حيث توقف عند عتبة 51 طناً بدلاً من 66.5 عام 2023.
وسبق للحكومة المالية أن قامت في بداية عام 2024 بتأميم منجم "ياتيلا" في منطقة كايس الغربية، الذي كانت تديره شركتان من جنوب أفريقيا وكندا.
توجس من تحرك "الفيلق الأفريقي"
التحرك الحكومي يعكس رغبتها في استعادة زمام أمور قطاع الذهب، لكن ما تقوم به مجموعة "فاغنر" التي تحولت إلى "الفيلق الأفريقي" يعيد حسابات المتابعين. إذ ذكرت تقارير عدة أهمها ما جاء في مجلة "أفريكا ريبورت" التي تصدر في باريس، أن مسؤولين روساً وصلوا يوم التاسع من فبراير الماضي إلى قرية إنتهاقا بمنطقة غاو واستولوا على أكبر منجم ذهب تقليدي، في وقت شهد تنافساً مسلحاً بين موالين لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" والقوات الحكومية.
كما استولت جماعة "فاغنر" مطلع عام 2023 على ثلاثة مناجم في الأقل جنوب العاصمة باماكو، وهي منجم "بلاندوغو" الواقع على بعد نحو 20 كيلومتراً من الحدود مع غينيا ومنجم "كويوكو" وأيضاً موقع ثالث قرب "يانفوليلا".
وكشف تقرير "بلود غولد ريبورت" الذي نشر في ديسمبر (كانون الأول) 2023، أن روسيا حققت أكثر من 2.5 مليار دولار من تجارة الذهب الأفريقي منذ بدء الحرب على أوكرانيا عام 2022.
4 محاور
وفي حين تشكك أطراف في قدرة المجلس العسكري على إخراج البلاد من الفقر، أوضحت الحكومة في يناير الماضي أنها ستعمل على أربعة محاور رئيسة في ما يتعلق بقطاع إنتاج الذهب، أولاً تعزيز الرقابة من خلال تكثيف دوريات الجيش وقوات الأمن في مناطق التعدين، ثم الاعتماد على التعاون الأمني من خلال تعزيز التنسيق بين مختلف أجهزة الأمن، وخصوصاً ما بين الشرطة والدرك لمكافحة التعدين غير القانوني.
وشملت الخطة في ثالث نقاطها، التوعية المجتمعية عبر إطلاق حملات تحذير السكان من أخطار هذه الأنشطة، إذ إن هذه المناجم غير الشرعية تغذي النزاعات المحلية بين السكان، التي تأخذ في كثير من الأحيان طابعاً قبلياً وعرقياً، وفي المحور الأخير يأتي تحسين الحوكمة في قطاع التعدين من خلال تنفيذ إصلاحات لتعزيز الشفافية والمساءلة.
أمل وتفاؤل
من جانبه يبعث الباحث في الشؤون الأفريقية عبدالله سوهين، إشارات أمل وتفاؤل في مستقبل مزدهر ينتظر الماليين في حال حسن تدبير وتسيير قطاع الذهب. وقال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن إصدار قانون يسمح للدولة بالحصول على حصص تصل إلى 30 في المئة في مشاريع التعدين الجديدة، يكشف عن نيات حسنة باتجاه وضع حد لسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، مضيفاً أن بلوغ الناتج المحلي الإجمالي 20.90 مليار دولار أميركي عام 2023، يؤكد قدرة البلاد على التطور.
ويواصل سوهين أنه رغم الهشاشة السياسية والتهديدات الإرهابية المستمرة، لا تزال التوقعات الاقتصادية طويلة الأجل واعدة، بفضل الموارد الطبيعية الهائلة وفرص الطاقة والإمكانات الزراعية الكبيرة، مشيراً إلى أن 80 في المئة من سكان مالي يعملون في الزراعة وتربية الماشية أو صيد الأسماك، إذ تمثل الأنشطة الزراعية ما يقارب ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مما يجعل قطاع الذهب مصدر تحريك قطاع الزراعة من خلال دعمه بالإمكانات التكنولوجية. وشدد على أن تخصيص ما يقارب 15 في المئة من الموازنة لتنمية القطاع الزراعي وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في هذا القطاع، يبقى غير كاف.