ملخص
أعاد ريال مدريد تعريف الهيمنة في كرة القدم الأوروبية بخطة انتقالات ذكية تجمع بين استثمار المواهب الشابة وجذب النجوم عبر صفقات الانتقال الحر، بينما يستعد أرسنال لمواجهتهم في دوري الأبطال، يبرز سحر النادي الملكي وقدرته على جذب النجوم في عصر الإمبراطورية الذهبية.
عندما كان ترينت ألكسندر أرنولد يفكر للمرة الأولى في الانتقال إلى ريال مدريد الإسباني- وكان ذلك منذ بعض الوقت- وصلته رسالة محددة. وكانت نفس الرسالة التي تلقاها جود بيلينغهام أثناء جولته في ملعب "سانتياغو برنابيو" برفقة رئيس قسم التوظيف جوني كالافات، وهي يمكنك الذهاب إلى أي نادٍ آخر وتصبح أسطورة، هذا مؤكد. لكن أن تصبح أسطورة في مدريد، فهذا شيء لا يشبه أي شيء آخر في عالم كرة القدم.
هذه التعليقات هي السبب وراء قول الرئيس التنفيذي لأحد الأندية المنافسة الكبرى ذات مرة "الغطرسة مذهلة".
لكن ريال مدريد لا يهتم بمثل هذه التصريحات، لأنه في الأساس لا يكترث لما يعتقده الآخرون، أو كما يردد كبار مسؤولي النادي والجماهير الثرية بينما ينفثون دخان السيجار "نحن ريال مدريد".
إنهم يشعرون بأنهم فوق الجميع، وينشرون هذه الروح في كل مكان. وهذه الروح- أو هذه الهالة كما يصفها الكثيرون- هي ما سيتعين على أرسنال التغلب عليه أكثر من أي شيء آخر في مواجهة ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.
قد يشعر فريق ميكيل أرتيتا بهذا الضغط أقل من الآخرين، نظراً لأن الناديين التقيا مرة واحدة فقط في دور الـ16 من موسم (2005 - 2006)، ويعد أرسنال أحد سبعة أندية فقط واجهت ريال مدريد في أوروبا ولم تتعرض للإقصاء أبداً على يديه، وواحداً من ثلاثة فقط في كأس الأبطال أو دوري أبطال أوروبا- إلى جانب موناكو الفرنسي وهامبورغ الألماني.
ركز الطاقم الفني المعاون لأرتيتا بشكل كبير على نقاط ضعف مدريد وعيوبه، لمحاولة تقديم خريطة طريق للنصر يمكن للفريق تصورها. هذا جزئياً لجعل النادي الذي غالباً ما يصور ككيان خارق يبدو بشرياً وعرضة للهزيمة ويمكن إيقافه في هذه البطولة.
ومع ذلك، قد يظل أرسنال يشعر بالثقل الهائل لمدريد حتى قبل المباراة. فلطالما دارت تكهنات حول اهتمام النادي الملكي بضم ويليام ساليبا، كما بدأت بالفعل حملة إعلامية حول مارتن زوبيميندي، وبينما يظل أرسنال واثقاً من وجود اتفاق مبدئي مع لاعب وسط ريال سوسييداد، فقد أعلن ريال مدريد رغبته في التعاقد مع اللاعب.
كما أعلنوا أن تشابي ألونسو قد ينضم إلى ريال مدريد هذا الصيف- في ما قد يشكل ضربة أخرى مدوية- نظراً لأن مدرب باير ليفركوزن الألماني الحالي هو أيضاً أسطورة أخرى لريال سوسييداد، والفكرة هنا هي التأثير في تفكير زوبيميندي.
كل هذا يحدث بينما يستعد ألكسندر أرنولد للتوقيع في ريال مدريد مستغلاً قانون بوسمان، ويراجع ريال مدريد خيار التقدم أمام ليفربول وتشيلسي للتعاقد مع دين هايسن من بورنموث.
قد يكون هذا الصيف بمثابة عرض واضح للتفوق على الدوري الإنجليزي الممتاز، بعد موسم آخر ينهي فيه ريال مدريد أحلام مانشستر سيتي الأوروبية.
الأمر الجدير بالملاحظة حقاً هو أن كل هذا يأتي بعد سنوات قليلة فقط من مخاوف رئيس النادي فلورنتينو بيريز من أن ريال مدريد قد تأخر بشكل لا رجعة فيه عن الدوري الإنجليزي، وأنه يتخلف عن الأندية المملوكة للدول، وكانت للملياردير الإسباني واحدة من أكثر الهواجس وضوحاً في كرة القدم حول هذه الملكيات، لكن فقط بسبب ما يعنيه ذلك لناديه.
في تلك المرحلة، كان اليأس والذعر- وليس الجشع وحده- هو ما دفع باتجاه إقامة دوري السوبر الأوروبي، إذ تراكمت على ريال مدريد ديون تقارب مليار يورو (1.09 مليار دولار)، ولم يعد يرى طريقاً للعودة إلى المكانة التي يعتقد أنه يستحقها.
واليوم يمكن القول إنه تجاوز تلك الأزمة، بل لم يعد مجرد نادٍ ينافس فحسب، بل عاد إلى حقبة الهيمنة الإمبراطورية.
لقد تخطى بكل تأكيد النهج الأكثر ذكاءً الذي بدأ به رحلة العودة هذه، إذ أشاد الكثيرون بالطريقة التي قدم بها كالافات استراتيجية توظيف ذكية، حيث تعاقد ريال مدريد مع خمسة من عناصره الأساسيين الحاليين وهم في سن المراهقة، على أمل أن يتطوروا.
كان هذا- في نظرهم- الطريقة الوحيدة لمجاراة الأندية العملاقة الأكثر ثراءً في سوق الانتقالات، وجعل هذا النادي أكثر مرونة، في نفس الوقت الذي وافقت فيه الإدارة بشكل مفاجئ على بعض صفقات الأسهم الخاصة لتهدئة المخاوف المالية، وتم إبرام صفقة بقيمة 380 مليون يورو (415.62 مليون دولار) مع مجموعة "سيكست ستريت" مقابل بيع حقوق 30 في المئة من عمليات الملعب الجديد.
في الوقت نفسه، احتدمت الأندية الكبرى الأخرى غضباً مما وصفته بـ"المساعدات الحكومية غير القانونية" التي يحصل عليها ريال مدريد، مستفيداً من امتيازات ضريبية غير عادلة بموجب قوانين إسبانيا بسبب نظام الملكية الجماعية للنادي، وفقاً لما قضت به محكمة العدل الأوروبية. وقد صدر حكم مماثل في شأن برشلونة.
وقد سبق أن أفيد بأن بيريز أخبر أحد السياسيين أن "ريال مدريد هو علامة إسبانية تجاوزت مكانة الحكومة نفسها".
والآن أصبح الفريق يمتلك تشكيلة تعلو عادةً على بقية عالم كرة القدم. إنها تشكيلة متراصة بلا شك، تتفوق حتى على أقوى حقبات "الغلاكتيكوس" (مجرة النجوم).
لم تعد هناك حاجة لأي تنازلات، فقد أثبتت حسابات كالافات نجاحها بامتياز، فلاعبون مثل فينيسيوس جونيور وبيلينغهام، الذين تم التعاقد معهم وهم مراهقون، وسرعان ما أصبحوا من أفضل اللاعبين في العالم. وحتى اللاعبون الأقل بروزاً مثل فيديريكو فالفيردي، أصبحوا موضع حسد معظم الأندية، بينما قد تضطر مواهب واعدة مثل إندريك وأردا غولر للبحث عن فرص لعب في أندية أخرى.
الآن يتمثل السر في أن هذه المجموعة قد اكتملت بصفقات من الطراز الذي ارتبط به ريال مدريد تاريخياً، عبر التعاقد مع نجوم في قمة أدائهم وذروة مسارهم المهني، لكن هناك فارقاً عن الماضي هو أن ريال مدريد الآن ينفق بكثافة على الشباب فقط.
في المقابل، يرفض النادي دفع رسوم انتقال ضخمة مقابل هؤلاء النجوم في ذروتهم، وبدلاً من ذلك، يوجه هذا الجزء من الموازنة نحو الرواتب، والأهم من ذلك، مكافآت التوقيع، وسيصبح ألكسندر أرنولد رابع صفقة انتقال حر كبيرة في أربع سنوات، بعد ديفيد ألابا وأنطونيو روديغر وبالطبع كيليان مبابي.
أتقن ريال مدريد فن الاستفادة القصوى من قانون بوسمان، بطريقة لم يسبقه لها أي فريق آخر منذ تطبيق القانون، وقد تحقق ذلك بالاعتماد على النفوذ الهائل للنادي وبكلمات أخرى: بتلك الهالة الأسطورية.
وتقريباً لا يوجد أي نادٍ آخر يستطيع إقناع هذا العدد الكبير من اللاعبين بعدم تجديد عقودهم والثبات في مفاوضاتهم مع أنديتهم السابقة، ففي حالة مبابي، تطلب الأمر مواجهة دولة قطر بأكملها. وهذه القوة الإقناعية تجعل عملية التعاقدات أسهل بكثير.
الأندية التي تفقد نجومها تحتج على هذه الاستراتيجية، بخاصة الحملات الإعلامية المصاحبة لها، لكن معظمها يتمنى لو يستطيع فعل ذلك بالمستوى الذي يفعله ريال مدريد.
يشرف بيريز على هذا الأمر بشعور بالرضا بأن هذا هو النظام الطبيعي للأمور. وهذه هي كرة القدم كما يجب أن تكون. وهذا هو ريال مدريد.
لذا، كان على أرتيتا التركيز على حقيقة أن هذا مجرد فريق كرة قدم، حتى في دوري أبطال أوروبا. ولا يزال عليهم الالتزام بنفس قوانين التكتيك والفيزياء التي يخضع لها الجميع، ما سيترك ثغرات.
وأشار مدرب أرسنال إلى كيفية حب ريال مدريد لإعطاء الخصم الكرة، معتقدين أنهم سيرتكبون أخطاءً يمكنهم الاستفادة منها في الهجمات المرتدة.
هذا النهج نفسه يجعلهم يبدون وكأنهم تحت الضغط في كل مباراة تقريباً، فقط ليتخطوا الموقف وينتصروا في النهاية. لكن هذا ليس أمراً خارقاً للطبيعة، إنه منطق بحت. إنهم ببساطة يعتمدون على امتلاك لاعبين يمكنهم استغلال أي خطأ، بغض النظر عن ندرته.
سيكون التحدي أمام أرسنال هو تحقيق الدقة المطلقة في حساباتهم. وهذا ليس سهلاً، بغض النظر عن كيفية تحليلك للأمر. هذا هو ريال مدريد، وقد عادوا إلى حقبة الهيمنة الإمبراطورية.
© The Independent