Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

ترمب و"الفيدرالي"... صراع على الفائدة وسط الحرب التجارية

تقديرات خفض كلفة الدين نتيجة قرارات التعريفة الجمركية مبالغ فيها إلى حد كبير

محللون يرون أن "الفيدرالي" قد يتأنى في خفض الفائدة حتى سبتمبر 2025 (أ ف ب)

ملخص

لا تزال أخطار ارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي قائمة، خصوصاً الرئيس الأميركي يهدد بمضاعفة التعريفة الجمركية على أي بلد أو كيان يرد بإجراءات انتقامية بفرض تعريفة جمركية على الصادرات الأميركية، كما قال بالنسبة إلى الصين

بينما يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترمب حربه التجارية إثر إعلانه قرارات التعريفة الجمركية على شركاء بلاده التجاريين الأسبوع الماضي، بدأ يخوض معركة داخلية مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في شأن خفض أسعار الفائدة.

إلى ذلك طالب ترمب على مواقع التواصل رئيس "الفيدرالي" جيروم باول بسرعة خفض أسعار الفائدة قائلاً "ألا يتأخر كما يفعل دائماً".

ودفع ذلك بعض أصحاب "نظرية المؤامرة" على مواقع التواصل إلى ترويج أن "الهدف الخفي" للحرب التجارية التي يشنها ترمب هو خفض سعر الفائدة وإضعاف قوة الدولار لتقليل كلفة الدين العام الأميركي، إلا أن ذلك التفسير يتسم إلى حد كبير بالشطط في رأي اقتصاديين ومحللين في السوق.

فلا تزال أخطار ارتفاع معدلات التضخم والركود الاقتصادي قائمة، خصوصاً الرئيس الأميركي يهدد بمضاعفة التعريفة الجمركية على أي بلد أو كيان يرد بإجراءات انتقامية بفرض تعريفة جمركية على الصادرات الأميركية، كما قال بالنسبة إلى الصين. وفي ظل ردود الفعل المتوقعة وتصاعد الحرب التجارية التي بدأها ترمب تزيد احتمالات التضخم والركود في الاقتصاد الأميركي كما يجمع الاقتصاديون والمحللون ورؤساء الشركات.

وصباح أمس الثلاثاء، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً طولاً عن معضلة "الفيدرالي" بالنسبة إلى قرار سعر الفائدة ورجحت، استناداً إلى رأي مسؤولين حاليين وسابقين في البنك المركزي ورؤساء شركات استثمارية، ألا يسارع البنك بخفض الفائدة على عكس ما يطالب الرئيس ترمب.

معضلة البنك المركزي

منذ فترة رئاسته السابقة، وهناك توتر بين الرئيس ترمب ورئيس "الفيدرالي" في شأن سعر الفائدة على الدولار، لكن ذلك التوتر لم يصل إلى حد تدخل الإدارة الأميركية في السياسة النقدية بما يضر باستقلالية البنك المركزي، في الأقل حتى الآن.

جاءت تصريحات جيروم بأول، الجمعة الماضي، لتقلل من توقع المستثمرين والأسواق بأن البنك المركزي سيسارع بخفض الفائدة أكثر مما كان مقدراً سابقاً، إذ قال باول إن "قرارات فرض التعريفة الجمركية بتلك النسب الكبيرة، وبهذا النطاق واسع المدى سيكون لها تأثير مستمر في معدلات التضخم في الولايات المتحدة".

وأخذت الأسواق ذلك كإشارة إلى أن البنك المركزي يجد من الصعب العودة إلى خفض أسعار الفائدة الآن.

ولم يسلم باول من غمز ترمب الذي قال عنه، إنه "دائماً ما يتأخر" (يقصد خفض سعر الفائدة) لكن الآن فرصته لتغيير هذه الصورة عنه، وبسرعة" وأضاف ترمب بحروف كبيرة، "يا جيروم، خفض سعر الفائدة الآن وتوقف عن أن تلعب سياسة".

في الأثناء، لا يزال كثير من الاقتصاديين يرون أن تأثير قرارات التعريفة الجمركية لم تظهر بعد في الاقتصاد، ومن ثَم ليست صورة معدلات التضخم واضحة حتى الآن.

ويظل مؤشر تضخم إنفاق المستهلكين عند 2.5 في المئة، أي فوق المستوى المستهدف من قبل البنك المركزي، إضافة إلى أن موافقة الكونغرس على خطط خفض الضرائب التي اعتمدتها إدارة ترمب من شأنها أن تزيد الضغوط التضخمية في الاقتصاد.

من جانبها، قالت الاقتصادية في بنك "ويلز فارغو" سارة هاوس، إن "الفيدرالي في وضع في غاية الصعوبة حالياً"، متوقعة أن يبقي على سعر الفائدة عند 4.25 – 4.5 في المئة "لأطول مدة ممكنة". كذلك ترى المسؤولة في "الفيدرالي" أدريانا كوغلر أن "التركيز على معدلات التضخم يتعين أن يكون أولوية"، وقللت من مخاوف تباطؤ النمو التي قد تشكل ضغطاً على البنك المركزي لخفض سعر الفائدة.

لننتظر ونرى

في الوقت نفسه يرجح معظم المحللين والاقتصاديين أن "الفيدرالي" سيعتمد سياسة لننتظر ونرى، قبل اتخاذ أي قرار في شأن سعر الفائدة، وبعدما كانت الأسواق تتوقع أن يبدأ البنك المركزي خفض سعر الفائدة في يونيو (حزيران) المقبل، تراجعت تلك التوقعات الآن، لكن في ظل مخاوف الركود الاقتصادي، يعتقد البعض أن البنك قد يخفض نسبة الفائدة بمقدار ربع أو حتى نصف نقطة مئوية (0.25 أو 0.5 في المئة) في اجتماع يوليو (تموز) 2025، على أن يكون الخفض بما بين ثلاث أو أربع مرات قبل نهاية العام بدلاً من توقعات الخفض مرتين.

ربما الأرجح أن ينتظر "الفيدرالي" حتى سبتمبر (أيلول) المقبل ليرى تأثير قرارات التعريفة الجمركية وخفض الضرائب في الاقتصاد، قبل أن يقرر خفض سعر الفائدة، فإذا أخذ النمو الاقتصادي في التباطؤ الشديد باتجاه الركود، سيكون البنك المركزي مضطراً لخفض سعر الفائدة ربما بقوة وبصورة أسرع، أما إذا ارتفعت معدلات التضخم بصورة واضحة فسيحجم البنك عن تسريع خفض سعر الفائدة.

اقرأ المزيد

ويعتمد الأمر في قدر كبير منه على ما سيفعله ترمب، وإذا كان سيستمر في حربه التجارية وتصعيدها أم يستخدم التعريفة الجمركية سلاح تهديد للتوصل إلى اتفاقات تجارية مع الشركاء. تبدو الإشارات حتى الآن، من الرئيس وفريقه الاقتصادي، أن التوجه الحالي مستمر، رغم التشكيك في الأرقام التي يعلنها ترمب طوال الوقت، فقد سبق وقال إن قرارات التعريفة الجمركية جلبت لبلاده 6 تريليونات دولار، ثم عاد وقللها إلى 5 تريليونات دولار.

وتفاخر ترمب على موقع "إكس" (تويتر سابقاً)، أول من أمس الإثنين، مشيراً إلى أن أسعار النفط تنخفض، وأسعار الفائدة تنخفض، مطالباً الفيدرالي الذي وصفه ببطيء الحركة أن يسارع بخفض سعر الفائدة).

 لكن من الصعب أخذ تصريحات الرئيس على محمل الدقة، فتأثير التعريفة الجمركية وخفض الضرائب يأخذ وقتاً ليظهر في مؤشرات الاقتصاد الكلي.

وخلال الأيام المتبقية من هذا الأسبوع ستكون عين الأسواق والمحللين والاقتصاديين على أرقام مؤشرات أسعار المستهلكين التي ستصدر تباعاً، لكنها في النهاية لن تكون معبرة عن تأثير التعريفة الجمركية والضرائب، بل مجرد مؤشر للسوق.

الفائدة والدين العام

أما الحديث عن أن "حرب ترمب الجمركية هي وسيلة خداع لخفض قيمة الفائدة"، فالواقع أن العلاقة بين التعريفات الجمركية وأسعار الفائدة والدين العام معقدة.

وليس من الدقة القول، إن حرب التعريفات الجمركية هي استراتيجية مباشرة لخفض أسعار الفائدة ومن ثم خفض كلفة الدين، كما يرى بعض المحللين.

فيمكن أن تؤدي التعريفة الجمركية، وهي ضرائب على السلع المستوردة إلى زيادة كلفة تلك السلع، أي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين، مما يسهم في زيادة معدلات التضخم.

وفي تلك الحال يمكن أن يستجيب "الفيدرالي" برفع أسعار الفائدة، وليس خفضها لتهدئة الاقتصاد. ومعروف أن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الاقتراض أكثر كلفة، أي يزيد من أعباء خدمة الدين العام على الحكومة وأيضاً ديون الشركات والأفراد.

بالنسبة إلى الدين العام الأميركي الذي يرتفع باطراد وزادت نسبته عن حجم الاقتصاد (يعادل 127 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) فإن الحكومة تمول ديونها من طريق بيع سندات الخزانة. ويمثل سعر الفائدة على هذه السندات كلفة الاقتراض، وعندما ترتفع أسعار الفائدة في الاقتصاد الأوسع نطاقاً، قد تحتاج العائدات على سندات الخزانة الجديدة إلى الزيادة أيضاً لجذب المستثمرين، مما يجعل خدمة الدين الحكومي أكثر كلفة مع مرور الوقت، خصوصاً عند إعادة تمويل الديون القائمة.

هناك بالطبع من يرى، مثل مؤيدي فرض التعريفة الجمركية، أن زيادة التعرية الجمركية يمكن أن تعزز الإنتاج المحلي وتقلل الاعتماد على الواردات، ومن ثم تقل الضغوط على "الفيدرالي" لرفع أسعار الفائدة وهكذا يستمر في خفضها على المدى الطويل، لكن معظم الاقتصاديين يرون أن تلك الحجج غير مرجحة.

إذ يمكن أن تؤدي حرب التعريفات الجمركية إلى تعطيل التجارة الدولية، مع فرض تعريفات جمركية انتقامية من دول أخرى، وتضر بالصناعات الموجهة للتصدير ومن المحتمل أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي.

ويمكن أن يؤدي ضعف الاقتصاد إلى ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الإيرادات الضريبية، مما قد يؤدي إلى زيادة الدين الحكومي بدلاً من خفضه، ويمكن أن يخلق حالاً من عدم الاستقرار بحيث يطالب المستثمرون بعائدات أعلى على سندات للتعويض عن ذلك مما يزيد من أعباء كلفة خدمة الدين.