ملخص
في تناقض صارخ لزيارته الأولى إلى البيت الأبيض في فبراير (شباط) الماضي التي حقق فيها انتصاراً لم يكن يتصوره بإعلان ترمب أفكاره للاستيلاء على قطاع غزة وإقصاء الفلسطينيين منه، غادر نتنياهو اجتماع القمة الإثنين خالي الوفاض إلى حد كبير، فخلال ظهوره الذي استمر ما يقارب ساعة في المكتب البيضاوي، بدا أن ترمب الذي وجه إليه دعوة دافئة للحضور بصورة عاجلة، صفعه فجأة حينما رفض جميع مطالبه تقريباً في الملفات التي طرحت للنقاش.
في موقف محرج للغاية، وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه مثل قطعة ديكور في البيت الأبيض خلال القمة التي جمعته مع دونالد ترمب يوم الإثنين، فبعدما رحب بدعوة الرئيس الأميركي لزيارة واشنطن وحزم حقائبه على عجل، وجد نفسه في وضع لم يتوقعه أبداً، إذ ظل صامتاً معظم الوقت وأظهر ضعفه السياسي، وصعوبة تأثيره في سياسات ترمب في قضايا حساسة مثل البرنامج النووي الإيراني والتعريفات الجمركية ونشاط تركيا في سوريا والحرب في قطاع غزة، فما سبب دعوة نتنياهو إلى اجتماع خرج منه خالي الوفاض؟ ولماذا أحرجه ترمب بعدم تلبيته أياً من مطالبه؟
تناقض صارخ
في تناقض صارخ لزيارته الأولى إلى البيت الأبيض في فبراير (شباط) الماضي التي حقق فيها انتصاراً لم يكن يتصوره بإعلان ترمب أفكاره للاستيلاء على قطاع غزة وإقصاء الفلسطينيين منه، غادر نتنياهو اجتماع القمة الإثنين خالي الوفاض إلى حد كبير، فخلال ظهوره الذي استمر ما يقارب ساعة في المكتب البيضاوي، بدا أن ترمب الذي وجه إليه دعوة دافئة للحضور بصورة عاجلة، صفعه فجأة حينما رفض جميع مطالبه تقريباً في الملفات التي طرحت للنقاش، وشعر الوفد الإسرائيلي معها بالإحباط لأنه لم يسمع ما كان يتوقع سماعه.
وعلى رغم أن نتنياهو تفاخر بأنه كان أول زعيم أجنبي يدعى إلى البيت الأبيض بعد أن أعلن ترمب حربه التجارية وفرض رسوماً جمركية على دول العالم بما فيها إسرائيل، إلا أنه أصيب بإحباط شديد حين رفض ترمب مبدئياً طلبه إزالة الرسوم الجمركية التي فرضها على تل أبيب بنسبة 17 في المئة أو في الأقل خفضها، وبدا الأمر وكأن اللقاء يستهدف بالأساس تمهيد الطريق لكيفية تعامل قادة العالم الآخرين مع الرسوم الجمركية، وإظهار صلابة ترمب مع شركائه التجاريين بمن فيهم أقرب حلفاء الولايات المتحدة، مما يوحي لبقية دول العالم أن عليهم تقديم تنازلات قادرة على إقناع ترمب بالتراجع.
ولعل أكبر دليل على ذلك، أن الرئيس الأميركي الأكثر دعماً لإسرائيل في التاريخ، لم يظهر أي قدر من علامات الرضا أو الإعجاب عندما تعهد نتنياهو أمام الصحافيين بالقضاء على العجز التجاري مع الولايات المتحدة الذي يميل بشدة لصالح إسرائيل، بل إنه عندما سئل عما إذا كان سيزيل الرسوم الجمركية على إسرائيل، وبخ بسرعة نتنياهو في شأن المساعدات العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة للدولة العبرية، وأشار إلى 4 مليارات دولار تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لإسرائيل كمساعدات، منوهاً بأن إسرائيل تحصل بالفعل على ما يكفي من الولايات المتحدة، ولهذا هنأ نتنياهو على هذا الإنجاز.
لا حرب مع إيران الآن
كثيراً ما سعى نتنياهو إلى الضغط العسكري على إيران، ففي عام 2018 وبتشجيع قوي منه، انسحب ترمب منفرداً من الاتفاق الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما بين القوى العالمية وإيران في شأن برنامجها النووي، الذي وضع قيوداً على البرنامج، لكن نتنياهو انتقد الاتفاق بشدة لأنه لم يشمل احتواء إيران أو معالجة دعمها للجماعات المسلحة الإقليمية.
وبينما أكد نتنياهو أن الضغط العسكري هو أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، أعلن ترمب أول من أمس الإثنين إجراء أول محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان يوم السبت الـ12 من أبريل (نيسان) الجاري، مخالفاً بذلك آراء نتنياهو التي تدفع باتجاه توجيه ضربة عسكرية أميركية، أو أميركية - إسرائيلية مشتركة، لتدمير المواقع النووية الإيرانية، نظراً إلى أن إسرائيل لن تستطيع وحدها إحداث الضرر المطلوب لهذه المنشآت التي تتطلب قنابل ثقيلة خارقة للتحصينات تحت الأرض.
ويخشى نتنياهو من أن ترمب كسابقيه، قد يستدرج إلى مسرحية دبلوماسية مع طهران تعرض المنطقة للخطر، كهدف رئيس لأي برنامج نووي تنجح إيران في تطويره، خصوصاً وأن إدارة أوباما سمحت لإيران من خلال المفاوضات المتشعبة التي لا نهاية لها بكسب الوقت والاقتراب من القدرة النووية، مما منحها نفوذاً أكبر.
كما يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي أن ترمب الذي نسف الاتفاق النووي السابق خلال ولايته الأولى يفخر بعقد الصفقات، وقد يميل إلى إظهار براعته من خلال جولة جديدة جريئة ظاهرياً من المحادثات، مما يعني أن الحرب التي يريدها لن تكون وشيكة، بل على بعد أشهر عدة في الأقل، في وقت يعتقد فيه أن إيران ضعيفة الآن بعد تدمير دفاعاتها الجوية ومكونات صاروخية أساسية في ضربات إسرائيلية سابقة، وأن شراء الإيرانيين للوقت، سيتيح لها تعزيز دفاعاتها الجوية من جديد، وإعادة شراء مكونات الصواريخ الباليستية الصلبة التي تحتاج إليها من الصين.
تأييد فاتر
وفي ظل إعلان ترمب الحاسم، لم يستطع نتنياهو سوى الإعراب عن تأييد فاتر، مشيراً إلى الاتفاق مع ترمب على أن إيران لا ينبغي لها تطوير سلاح نووي، وأنه يفضل اتفاقاً دبلوماسياً مشابهاً لاتفاق ليبيا عام 2003 لتفكيك منشآتها النووية والسماح للمفتشين بالوصول من دون قيود، ومع ذلك ليس من الواضح ما إذا كان ترمب سيضع مثل هذه الشروط الصارمة.
غير أنه في مقابلة بودكاست لمؤثر مؤيد لترمب مع مذيع قناة "فوكس نيوز" السابق تاكر كارلسون، قال مبعوث ترمب ستيف ويتكوف الذي سيقود المحادثات مع الإيرانيين في عمان، إن هدفه هو برنامج تحقق حتى لا يقلق أحد في شأن التسلح النووي الإيراني، مما يعني أن هدف ترمب سيكون أقرب إلى خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية، التي وضعت حداً أقصى لمخزون اليورانيوم الإيراني وفرضت رقابة صارمة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وعلى رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو تحدى رؤساء أميركيين آخرين علناً حينما ألقى محاضرة على أوباما في المكتب البيضاوي أو ذلك الخطاب في الكونغرس ضد الاتفاق النووي، مما أكسبه شعبية في الداخل الإسرائيلي، إلا أنه ابتلع لسانه هذه المرة وأصبح من الصعب عليه رفض طلب ترمب بعدما قيد السياسة الخارجية الإسرائيلية به، خصوصاً وأن إعلان ترمب بدء المحادثات مع إيران بينما كان نتنياهو يجلس إلى جانبه، كان يهدف إلى إظهار الشفافية بين قيادتي البلدين حيال الملف النووي الإيراني، ولم يكن باستطاعته حينئذ إبداء أي اعتراض.
إخفاق في التأثير
وفي حين أعرب نتنياهو خلال اللقاء مع ترمب عن قلقه الكبير إزاء النشاط التركي في سوريا، وطلب من الرئيس الأميركي الضغط على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فقد فشل أيضاً في تحقيق أي تأثير من شأنه أن يجلب الإدارة الأميركية إلى دعم مخاوف إسرائيل من منافسة تركيا التي أصبحت لاعباً رئيساً في سوريا، وبدأت في إنشاء قواعد لها هناك لدعم القيادة السورية الجديدة ذات الخلفية الإسلامية، وهو ما جعل إسرائيل تدعي وجود تهديد جديد على طول حدودها، مما دفعها إلى احتلال أراض سورية وتشكيل منطقة عازلة فيها، وإعلان البقاء هناك إلى أجل غير مسمى حتى يجري وضع ترتيبات أمنية جديدة.
وبدل نيل تأييد ترمب باعتباره حليفاً استراتيجياً جلب في إدارته مجموعة واسعة من مؤيدي إسرائيل المخلصين، فوجئ نتنياهو بترمب يروي حواراً هاتفياً جرى بينه وبين أردوغان، الذي أشاد بعلاقته الرائعة به، ولهذا حث نتنياهو على الإقرار بنجاح الرئيس التركي، الذي ينتقد إسرائيل كثيراً، في السيطرة على سوريا، وأن عليه التصرف بعقلانية وإذا كانت لديه مشكلة مع تركيا فسيكون ترمب قادراً على حلها ما دام أنه يتصرف بعقلانية، وهو نوع من التوبيخ الذي لم يكن يتصوره نتنياهو على الإطلاق خصوصاً أمام الكاميرات والصحافة العالمية، لأنه وضع شروطاً على حالة الود في العلاقة الاستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب.
إنهاء الحرب في غزة
وإذا كان ترمب فاجأ العالم بخطته حول إنشاء ريفييرا في غزة خلال المؤتمر الصحافي مع نتنياهو في أوائل فبراير (شباط) الماضي، وخروج نتنياهو من المؤتمر الصحافي في حالة من النشوة، ولم يتوقف عن الابتسام لأيام عدة، إلا أن الموضوع تراجع إلى مرتبة ثانوية هذه المرة مقارنة بالقضايا الأخرى.
والأهم من ذلك ما تكشف من خلاف بين الطرفين، إذ أوضح ترمب رغبته في إنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن، قائلاً إن الحرب ستتوقف في وقت ما، ولن يكون ذلك في المستقبل البعيد، في حين أن نتنياهو الذي انتهك وقف إطلاق النار الشهر الماضي، ويتعرض لضغوط كبيرة من حلفائه في الحكومة لمواصلة القتال حتى سحق "حماس"، يبدو أنه ليس في عجلة من أمره لإنهاء الحرب أو إعادة الرهائن المتبقين.
فشل كامل
وحتى بعد الاجتماع، لم يتضح تماماً سبب وجود رئيس الوزراء الإسرائيلي، إذ بدا الأمر للوهلة الأولى وكأنه فشل كامل في تحقيق أهدافه بعدما غادر واشنطن خالي الوفاض، وإذا لم تظهر في الأيام المقبلة أي تفاصيل إضافية تلقي ضوءاً مختلفاً على الأمر، فسيكون من الممكن الاستنتاج أن نتنياهو وإسرائيل لم يحققا منه شيئاً، وأن الرئيس ترمب تمكن هذه المرة من إيقاع نتنياهو في فخ يخدم أغراضه هو في وقت يتعرض فيه لحملة واسعة من الانتقاد داخل الولايات المتحدة وحول العالم.