ملخص
بدأت وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى تعديل توقعاتها للعام المقبل في ضوء تلك الاحتمالات، وتوقعت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني أن تصل نسبة التخلف عن سداد الديون (إعلان الإفلاس) عالمياً هذا العام إلى 8 في المئة نتيجة قرارات إدارة ترمب التي قد تؤدي إلى ركود
أصدرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" تحديثاً للنظرة المستقبلية للوضع الائتماني العالمي رفعت فيه أيضاً من توقعات التخلف عن سداد الديون نتيجة فترة الاضطراب الحالية.
ولا تقتصر تبعات الحرب التجارية العالمية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض تعريفة جمركية على صادرات شركاء أميركا على نظام التجارة العالمية فحسب، بل يمكن في حال تصاعد الحرب أن تضر بالتصنيف الائتماني للدول والشركات حول العالم، خصوصاً مع احتمال رد الشركاء بإجراءات انتقامية وفرض تعريفة جمركية مضادة على الصادرات الأميركية، بالتالي زيادة فرص حدوث ركود اقتصادي.
وبدأت وكالات التصنيف الائتماني العالمية الكبرى تعديل توقعاتها للعام المقبل في ضوء تلك الاحتمالات، وتوقعت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني أن تصل نسبة التخلف عن سداد الديون (إعلان الإفلاس) عالمياً هذا العام إلى 8 في المئة نتيجة قرارات إدارة ترمب التي قد تؤدي إلى ركود، ويشمل هذا التقدير الشركات والكيانات التي تصنفها المؤسسة حول العالم.
وأصدرت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" تحديثاً للنظرة المستقبلية للوضع الائتماني العالمي رفعت فيه أيضاً من توقعات التخلف عن سداد الديون نتيجة فترة الاضطراب الحالية وزيادة احتمالات الركود.
وقدرت المؤسسة أن تكون نسبة التخلف عن سداد الديون في الولايات المتحدة عند 6 في المئة وفي الاتحاد الأوروبي بنسبة 6.25 في المئة مع نهاية هذا العام، ويقترب ذلك من ضعف توقعات الحد الأدنى للتخلف عن سداد الديون بنسبة 3.5 في المئة لأميركا و3.75 في المئة لأوروبا.
ضغوط ائتمانية
غالباً ما تزيد معدلات التخلف عن سداد الديون (الإفلاس) في فترات الأزمات الاقتصادية ومع حدوث الركود الاقتصادي، مع ذلك تعتبر مؤسسة "موديز" أن توقعات هذا العام وإن كانت بنسبة كبيرة إلا أنها تظل أقل من نسبة الإفلاس غير المسبوقة عام 2000 مع انهيار شركات التكنولوجيا والمعروفة بأزمة "دوت كوم" حين وصلت إلى 9.7 في المئة.
ويقول المدير في "موديز" ورئيس إدارة الأصول ديفيد هاميلتون إن "التعريفة الجمركية التي أعلنها البيت الأبيض تزيد من أخطار ائتمان الشركات مما يزيد من احتمالات التخلف عن سداد الديون وارتفاع معدلات العائد على السندات، وهي توجهات بدأت تظهر بالفعل".
أما مسؤولة الائتمان ونائبة الرئيس في "موديز راتينغس" شارون وو، فترى أنه "على رغم أن الظروف الاقتصادية كانت ترجح تراجع معدلات التخلف عن سداد الديون هذا العام، إلا أن صدمة سلبية يمكن أن تجعل الإفلاس بالنسبة إلى الائتمان الخاضع للمضاربة نسبة عالية عالمياً، ففي ظل سيناريو تشاؤمي حيث يستمر ارتفاع العائد على سندات الدين يمكن أن تتجاوز نسبة التخلف عن سداد الديون 8 في المئة في غضون عام، مقابل نسبة 5 في المئة حالياً".
يعكس تقرير مؤسسة "ستاندرد أند بورز" وجهة نظر مشابهة في ما يتعلق بضغط قرارات التعريفة الجمركية على الوضع الائتماني العالمي، ويضيف أن "تصاعد التوترات التجارية وتوقعات الركود الاقتصادي العالمي وزيادة الأخطار لدى المستثمرين سيؤثر في توقعاتنا (السابقة) بتراجع معدلات التخلف عن سداد الديون، ويعني ذلك أن معدلات الإفلاس قد تكون عند السيناريو الأسوأ".
وبحسب تقرير المؤسسة ستكون المعدلات الأعلى للتخلف عن سداد الديون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومع أن الأوضاع في دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ تبدو أفضل نسبياً، إلا أن تعرض بعض الدول في آسيا للتعريفة الجمركية بنسب عالية سيضر بوضعها الائتماني.
الاقتصادات الصاعدة والديون
ويرى واضعو التقرير من محللي مؤسسة التصنيف الائتماني الكبرى أن "الاستثمار في الأسواق الصاعدة سيتباطأ، بل وربما يسير باتجاه عكسي، حتى تظهر بوضوح تأثيرات السياسات الحمائية في النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم وأسعار الفائدة". ويتوقعون أن تتردد البنوك المركزية في دول الاقتصادات الصاعدة بالنسبة لسياسة التيسير النقدي (خفض سعر الفائدة) مع بقاء أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مرتفعة، إذ إن زيادة الفارق في سعر الفائدة يمكن أن يؤدي إلى هرب رؤوس الأموال المفاجئ مما سيضعف سعر الصرف ويزيد الضغوط التضخمية.
حتى الآن لا يبدو تأثير فرض التعريفة الجمركية التي أعلنها الرئيس الأميركي وتهديدات الشركاء التجاريين بتعريفة جمركية انتقامية واضحاً في سوق السندات، وهو المؤشر الأهم بالنسبة إلى التصنيف الائتماني واحتمالات التخلف عن سداد الدين، إلا أن استمرار حالة الاضطراب وعدم وضوح الرؤية لفترة طويلة يمكن أن يضر بوضع الدين العالمي كله، خصوصاً بعد أن وصل إلى مستويات غير قابلة للاستقرار مما يزيد احتمالات الإفلاس.
وهناك مخاوف من ألا تقتصر الحرب التجارية التي أعلنها ترمب على مسألة التعريفة الجمركية بل أن تمتد إلى جوانب مالية أخرى، ففي نهاية فبراير (شباط) الماضي بدأت الأسواق تتحسب لخطر تركيز إدارة ترمب على خفض العائد على سندات الخزانة الأميركية والتي يمكن اعتبارها حرباً على الديون.
وفي منتصف الشهر قبل الماضي صرح الرئيس الأميركي بأن ادارته تعمل على بحث "الفساد في موضوع الديون"، ما أثار القلق في أسواق السندات وفي القطاع المالي كله خوفاً من لجوء الإدارة الأميركية إلى ما يسمى "التخلف الانتقائي عن السداد" (أي إفلاس جزئي محدد).
وتأتي خطورة ذلك من حقيقة أن سندات الخزانة هي أحد أهم أعمدة النظام المالي العالمي، كما أن سوق السندات هي مؤشر مهم على النمو الاقتصادي وأيضاً على حالة سوق الدين العالمي كله.
كان تصريح الرئيس واضحاً حين قال إننا "نبحث في شأن سندات الخزانة، وربما تكون هناك مشكلة قد تكون مهمة، وربما تكون معظم هذه الأشياء (مدفوعات الخزانة) غير محسوبة، بمعنى آخر فالكثير مما نكتشفه ربما يكون تزويراً بالتالي فربما لا تكون علينا ديون كثيرة كما هو معلن".
مع أن ذلك القلق هدأ بعد ما توالى من إعلان عن وقف الهدر في جوانب الموازنة الفيدرالية، مع اعتبار أن تصريح ترمب ربما كان يقصد ذلك الهدر، لكن التوجه الحالي للإدارة الأميركية يجعل من الصعب على الأسواق توقع الخطوة التالية.
وبما أن سوق الائتمان الأميركي من أكبر الأسواق في العالم فإن أي هزة فيه سيتردد صداها في سوق الدين العالمي كله، سواء كان ديناً عاماً حكومياً أو ديون شركات، لذا، فإن أعين المستثمرين والمحللين الآن على أسواق السندات بانتظار إشارة منها على تأثير قرارات التعريفة الجمركية في سوق الدين.