Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

الاقتصاد العالمي بين تعريفة ترمب وتعاريف اللغة

كلمة الجمارك أتت من التركية، إذ أرهق العثمانيون مستعمراتهم العربية بالضرائب على كل البضائع إلا ما ندر مثل الملح

النحات السريلانكي أوبالي دياس يضع اللمسات الأخيرة على تمثال نصفي من الطين للرئيس دونالد ترمب (أ ف ب)

ملخص

العارفون ببواطن الأمور يقولون إن "تعريفات" ترمب ما هي إلا "ذر للرماد في العيون"، وأن كل ما يجري للخارج هو لمحاولة تشتيت الداخل عن التحولات الجذرية التي يجريها، وهي باختصار - كما يدعي خصومه - تقويض لمبادئ الديمقراطية والحرية في بلد يدعي أنه حامي الحرية وحقوق الإنسان في كل مكان.

لا أنصح بقراءة هذه المقالة لمن يريد معلومات اقتصادية عما يجري من حرب "تعريفات" عالمية أشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فهي ليست مقالة اقتصادية لسبب بسيط، هو أن كاتبها ليس باقتصادي ولا يفقه في الاقتصاد أو الحسابات المالية الكبرى للدول العظمى، ولكنها مقالة يكتبها لغوي يتطرق إلى لغة هذه الحرب الكونية الجديدة ومفرداتها وتاريخها، فلعل فهم هذه اللغة والغوص في أعماقها ومكنوناتها ومدلولاتها ومعانيها يعين على فهمها اقتصادياً.

 يمكن القول إن كلمة (TARIFF) هي أكثر كلمة رددها الرئيس ترمب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي ويلفظها "تارِف"، وهي كلمة أصلها عربي من "تعريف" وتؤنث على "تعريفة"، وانتقلت من الإسبانية إلى اللغات الأوروبية ومنها إلى العالمية. والتعريفة في مصر تساوي خمسة مليمات، وهي القيمة التي فرضها الإنجليز كـ"تعريفة" للبضائع الواردة إلى البلاد أثناء احتلالها.

أصل التعريفة العربي يعكس مدى النشاط الاقتصادي للعرب وأهمية موقعهم الإستراتيجي وتوسطهم طرق التجارة العالمية في أزمان غابرة، والتعريفة - يبدو أن الياء تلاشت لفظاً وكتابة - كانت القائمة التي تحوي أنواع وأعداد وكميات البضائع الواردة أو المصدرة، أي إنها لم تكن تتعلق بالرسوم أو الضرائب أو الجمارك.

وكلمة الجمارك بدورها أتت من التركية، إذ أرهق العثمانيون مستعمراتهم العربية بالضرائب/ الجمارك على كل البضائع إلا ما ندر مثل الملح، والملح هو "توز" بالتركية، وكان التجار العرب يدّعون أن بضاعتهم ما هي إلا "توز" - أي ملح - كي يتهربوا من الضرائب الظالمة، ومنها أتت كلمة "طز" أي "لا يهم" أو غير ذي قيمة وهكذا.

والتعريفة تعني التعريف بمحتوى البضاعة وأصنافها (INVENTORY)، أو تسمى (MANIFEST)، والغريب لغوياً أن "مانيفيست" أصلها لاتيني، وتتكون من جزأين، وتعني صناعة يدوية فقط لا أي نوع آخر من البضائع ("ماني" أي يدوي، و"فيستوس" بمعنى مصنوع)، أي إنه لا علاقة للتعريفة بفرض ضريبة على إدخالها أو تصديرها، لكن معناها تغيّر لتعني الرسم أو الضريبة على البضائع، وأصلها من "عرف"، والتعريفة تُعَرِّف المفتش بنوع البضاعة، والمُعَرِّف بشؤون الجنسية بالكويت كان من يتعرف إلى المتقدم للحصول على الجنسية وأصله وفصله وأهله وعائلته وقبيلته، وهو يختلف عن العارفة، فالعارفة هو الرجل المسن أو المرأة العجوز اللذان يلجأ إليهما الناس لأخذ الرأي والمشورة، ويقابلها بالإنجليزية (WISEMAN).

والتعريفة تختلف تاريخياً عن الضريبة التي باتت أنواعاً: ضريبة دخل، وضريبة مضافة، وضريبة الدولة، وضريبة الولاية، وضريبة المدينة، وأحياناً ضريبة المقاطعة. وحاولت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة الشهيرة مارغريت تاتشر فرض "ضريبة الرأس"، أي أن يدفع كل شخص ضريبة للدولة بصرف النظر عن حاله المادية، ويقال إن تلك المحاولة الفاشلة كانت وراء أفول نجمها ونهايتها السياسية. والضريبة أو التعريفة اليوم في كل الأحوال تعني باختصار إضافة قيمة على القيمة الأصلية لأية بضاعة.

يقال إن "المعروف لا يُعرَّف". بعضهم يدعي المعرفة وهو "أفهم من اللي (التي) تلحس منخرها"، فيهزأون به بوصفه "أبو العرّيف"، وقديماً قيل "من قال إنه عالم، فقد جهل"، ويصدق فيه أيضاً بيت أبي نواس "قل لمن يدّعي في العلم فلسفة/ حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء".

العارفون ببواطن الأمور يقولون إن "تعريفات" ترمب ما هي إلا "ذر للرماد في العيون"، وأن القصد من وراء هذه الحرب الكلامية ضد كندا وغرينلاند وبنما وغيرها، وفرضه تعريفات بلغت 125 في المئة ضد الصين توحي بأن "وراء الأكمة ما وراءها"، وأن كل ما يجري للخارج هو لمحاولة تشتيت الداخل عن التحولات الجذرية التي يجريها. ويطول شرح هذه التحولات لكنها باختصار - كما يدعي خصوم ترمب - تقويض لمبادئ الديمقراطية والحرية في بلد يدعي أنه حامي الحرية وحقوق الإنسان في كل مكان.

المزيد من آراء