ملخص
تتصاعد داخل الحزب الجمهوري معارضة متزايدة لسياسات ترمب التجارية، مع بروز شخصيات بارزة تحذر من عواقبها الاقتصادية وتدعو إلى مواجهته، في مؤشر على تحرك داخلي محتمل للحد من نفوذه.
يتساءل عدد من الناس -منهم بعض الجمهوريين البارزين- وليس للمرة الأولى: "من القادر على إنقاذنا من دونالد ترمب؟"، فهذا الرجل الذي قضى حياته في ازدراء أعراف الولايات المتحدة وقوانينها وصولاً إلى دستورها حتى، بغية تكديس الثروات والسلطة، يقف الآن ضد بقية العالم برمته. ومن خلال حربه التجارية غير المبررة وغير المنطقية -التي أقحم نفسه خلالها في لعبة خطرة وغير عقلانية مع الرئيس الصيني شي- أصبح زعيم العصابة ذا بعدٍ عالمي.
وقد خاطب الرئيس أولئك المحقين بقلقهم من الضرر الذي يطاول اقتصاد الولايات المتحدة والعالم، مدلياً بتصريح من تصاريحه الرصينة المعهودة باعتباره رجل دولة حصيف "لدى الولايات المتحدة فرصة للقيام بأمر كان من الواجب فعله منذ عقود طويلة، لا تكونوا ضعفاء! لا تكونوا أغبياء! لا تكونوا مذعورين! [بانيكان PANICAN على وزن اسم الحزب الجمهوري بالإنكليزية "ريبابليكان"] (هذا حزب جديد يقوم على أشخاص ضعفاء وأغبياء!). تحلْوا بالقوة والشجاعة والصبر وسوف تكون العظمة هي النتيجة!".
لا يبدو الوضع بهذه العظمة حتى الآن لكن ترمب بحديثه ربما أطلق من حيث لا يدري حركة مقاومة جديدة: حزب المذعورين (بانيكان).
فحزب المذعورين، البعيدين تماماً عن الضعف والغباء، هم الذين يغلبون مصلحة البلاد على مصلحة الحزب- ولديهم الشجاعة الكافية كي يتصدوا لمتنمر واهم يحطم معايير المعيشة للعمال الأميركيين، هؤلاء الأميركيون هم الأقوياء والشجعان والصبورون الذين يعون أن أميركا ليست ملكية ترمب الخاصة.
على "المذعورين" أن يحملوا هذا اللقب بفخر ويطبعوه على قمصانهم ويلصقوه على سياراتهم وعلى قبعات البيسبول الحمراء كذلك.
أخفقت حواجز الحماية التقليدية التي تمنع إساءة استخدام السلطة إلى الآن بصورة شبه تامة، وقد جرى العمل على تفكيكها في الأماكن التي كانت تهدد فيها بأن تُحدث بعض الأثر الحقيقي- لا سيما من خلال بعض الوكالات الفيدرالية وحرية وسائل الإعلام في الحركة.
لكن فيما تزداد احتمالات أن تفضي تعرفة ترمب الجمركية إلى ركود ترمب الاقتصادي، بدأ الحزب الجمهوري، الذي كان غارقاً في سبات، يستفيق ويتحرك، وهو ما يحدث لبعض أصحاب الأعمال كذلك، إنها التعبئة في صفوف المذعورين.
ولعل إيلون ماسك أكثر وأقل شخص في الآن معاً يثير انضمامه إلى صفوف المذعورين الدهشة، أما ما يثير الدهشة في ذلك، فهو شدة تقاربه إلى ترمب في الأوان الأخيرة، بينما لا يعود في الأمر غرابة إن نظرنا إلى أن سياسات ترمب سوف تدمر شركة سيارات "تسلا" التي يملكها، فيما محت بالفعل مليارات الدولارات من صافي ثروته، لا داعي للقلق، لا يزال يملك ما يكفيه ليتدبر أموره.
اقرأ المزيد
- الجمهوريون يسعون إلى تخطي خلافاتهم في شأن اقتطاعات ترمب الضريبية
- هكذا حولت "ماغا" و"أميركا أولا" الحزب الجمهوري إلى "ذراع للكرملين"
- "فن الحرب" يعيد صياغة المعركة التجارية بين ترمب وبكين
- ازدراء ترمب لأجهزة الأمن يثير البلبلة بأوساط التجسس العالمية
- أقطاب التكنولوجيا الداعمون لترمب يخسرون المليارات بسبب حربه التجارية
أعاد ماسك نشر فيديو قديم لطيف لمتخصص اقتصاد السوق الحرة العظيم ميلتون فريدمان، استخدم فيه صناعة قلم الرصاص مثالاً لكي يشرح من خلاله مزايا التجارة الحرة، كما هاجم ماسك بيتر نافارو، مستشار ترمب الذكي لكن المضلل في شؤون التجارة، وقال "إن شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد شيء سيئ وليس جيداً. فهي تتسبب بتقلص الذكاء".
ويُضاف إلى المذعورين ملياردير آخر موالٍ لترمب هو بيل آكمان، الذي استقطب اهتماماً كبيراً بقوله "نتوجه نحو شتاء نووي اقتصادي جلبناه على أنفسنا، وعلينا البدء بالاستعداد له".
ويشهد الكونغرس أيضاً أصوات معارضة لا تنحصر بصفوف الديمقراطيين وحدهم، فإن أخذنا مثالاً تيد كروز، الذي لا يعتبره أحد نموذجاً لليبرالية المناصرة للعولمة، نجد أنه يحذر قائلاً "إن الرسوم الجمركية ضريبة على المستهلكين وأنا لا أحب رفع الضرائب على المستهلكين الأميركيين لذلك آمل في أن تكون هذه التعرفة قصيرة الأمد وأن تستخدم كوسيلة ضغط من أجل خفض الرسوم الجمركية في كافة أنحاء العالم"، ويتوقع السيناتور أن تكون الانتخابات النصفية في الكونغرس العام المقبل "دموية".
ويميل زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ سابقاً ميتش ماكونيل، والسيناتور راند بول وغيرهما إلى تأييد هذه الفكرة: فرسوم ترمب غير منطقية إلى حد بعيد، أو بتاتاً حتى، من الناحية المالية.
فهل يقدر هؤلاء وحلفاؤهم على وقف ترمب؟ والإجابة هي أنه إن لم ينكسر المذعورون، من ناحية شعورهم بالتهديد من ترمب نفسه، وإن عملوا مع خصومهم السياسيين، فسيقدرون على ذلك.
تكمن السخرية الكبرى في هذه المسألة في أن السياسات التجارية، والرسوم الجمركية ضمناً، رهن قرار الكونغرس وفقاً للدستور، وتحديداً الفقرة الثامنة من المادة الأولى. ومن المفترض أن يمتلك الكونغرس القدرة على استعادة السيطرة على السياسة التجارية إن سمحت له المحكمة العليا بذلك طبعاً، تجري بعض المحاولات لتحقيق هذا الموضوع لكن يبدو في الوقت الحالي أن إحكام ترمب سيطرته على مجلس النواب سيعوق هذه التحركات.
والأمر الأكثر واقعية هو الضغط السياسي العادي من داخل صفوف الحزب الجمهوري نفسه، أقله من الأفراد الذين لم يقعوا بعد ضحية فيروس "ماغا" العقلي.
إذ من يقف خلف أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب هم ملايين الأميركيين- من عمال ومستهلكين ومدخرين... وناخبين، وعندما يُسرحون من وظائفهم في شركات تصارع بعد انهيار سلاسل الإمداد ويواجهون ارتفاعاً هائلاً في أسعار السلع المستوردة، ويشهدون انهيار قيمة صناديق التقاعد، سوف يصبون جام غضبهم على الحزب الذي يحملونه مسؤولية ما حدث لهم.
فإما أن يغير ترمب مساره بسرعة لمعرفته بالكارثة التي تنتظره عندما يستعيد الديمقراطيون السيطرة على الكونغرس، أو أن يتحدى المذعورين ويدخل تلك الانتخابات "الدموية" التي ذكرها كروز.
باستخدامه للقبضة التي يفرضها تيار "ماغا" على عملية اختيار المرشحين الجمهوريين، يستطيع ترمب دائماً أن يهدد المعارضين بأنهم سيتعرضون لـ"منافسة أولية" – أي الإطاحة بهم عبر مرشح موالٍ له. وليس توماس ماسي، النائب عن ولاية كنتاكي، سوى آخر شخصية تتعرض للتخويف بهذه الطريقة على خلفية مشروع قانون الموازنة. لذا، فإن الولايات المتحدة متجهة نحو اختبار إضافي لمدى مرونة نظام حكمها ونحو أزمة دستورية- تُضاف إلى أزمات الأمن الدولية التي أثارها ترمب.
لكن لو استعرنا أسلوب ترمب نفسه، نقول إنه في حال لم يواجه الجمهوريون الرجل، سوف يفقدون بلدهم، فما بالك بحزبهم.
يا مذعوري أميركا (بانيكانز)، استعدوا للقتال!
© The Independent