ملخص
وفق ناشطين ومتطوعين، يعيش النازحون داخل معسكري زمزم وأبو شوك في مخابئ تحت الأرض عبارة عن جحور حفروها بأيديهم ومعاولهم التقليدية هرباً من الموت الذي يلاحقهم إلى هناك أيضاً، في ظل معاناة لا تنقطع تحت القصف العشوائي تضطرهم إلى قضاء معظم أوقاتهم داخل تلك المخابئ، بينما يعتمد معظم السكان، بخاصة الأطفال، بالمعسكرات في غذائهم على وجبة مخلفات الفول السوداني بعد عصره واستخلاص الزيت منه أو ما يعرف محلياً بـ"الأمباز".
بينما تتواصل المعارك ويحتدم الصراع بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" للسيطرة على مدينة الفاشر، تتفاقم مأساة ومعاناة سكان المدينة ومعاناتهم بسبب الحصار والقصف، ويتفشى الجوع والمرض وانعدام الغذاء والماء والدواء بصورة لا تطاق، بخاصة بالنسبة إلى الأطفال والنساء الذين باتوا يعيشون فصولاً رهيبة من حكايات الجوع وهم مختبئون داخل حفر كملاجئ تحت الأرض، ووصل بهم الأمر إلى درجة أكل "الأمباز" الذي هو عبارة عن علف للحيوانات من مخلفات الفول السوداني بعد عصره واستخلاص الزيت منه كوجبة رئيسة للأطفال.
الفرار و"الأمباز"
وفق ناشطين ومتطوعين، يعيش النازحون داخل معسكري زمزم وأبو شوك في مخابئ تحت الأرض عبارة عن جحور حفروها بأيديهم ومعاولهم التقليدية هرباً من الموت الذي يلاحقهم إلى هناك أيضاً، في ظل معاناة لا تنقطع تحت القصف العشوائي تضطرهم إلى قضاء معظم أوقاتهم داخل تلك المخابئ، بينما يعتمد معظم السكان، بخاصة الأطفال، بالمعسكرات في غذائهم على وجبة مخلفات الفول السوداني بعد عصره واستخلاص الزيت منه أو ما يعرف محلياً بـ"الأمباز"، وهي مخلفات صلبة غالباً ما يضطر الجوعى إلى إضافة بعض الماء لها لتليينها حتى تصبح طرية وقابلة للمضغ والبلع، فضلاً عن أن "الأمباز" كان سابقاً يخصص في الأصل كغذاء للحيوانات الأليفة. وهرباً من الموت والجوع يتواصل النزوح من الفاشر ومعسكراتها إلى منطقة الطويلة، الخاضعة لسيطرة حركة "جيش تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد النور.
وكشف المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن نزوح أكثر من 4 آلاف شخص، خلال الأسبوع الماضي وحده، في ولاية شمال دارفور، بسبب تصاعد العنف في الفاشر، بما في ذلك مخيم زمزم للنازحين. وأشار دوجاريك إلى أن أكثر من 400 ألف شخص نزحوا داخل أو خارج محلية الفاشر منذ اندلاع الحرب الراهنة منتصف أبريل (نيسان) 2023، بمن فيهم عدد من النساء والأطفال، وجميعهم بحاجة ماسة إلى المأوى والغذاء والماء والإمدادات الطبية بصورة عاجلة، في وقت تعوق فيه فجوات التمويل الحادة والتحديات اللوجستية قدرة منظمات الإغاثة على الاستجابة. وجدد المتحدث الأممي الدعوة إلى وقف فوري للأعمال العدائية، وإتاحة وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق في مختلف أنحاء السودان.
حكايات الجوع
بمعاونة المنسقية العامة للنازحين، تحدث عدد من النازحين في رحلة نزوحهم الجديدة هرباً من نيران القصف والجوع بمعسكرات الفاشر إلى مناطق طويلة بجبل مرة. ويقول أحد هؤلاء النازحين "وصلنا إلى مرحلة أكل الأمباز بعد خلطه بقليل من الطحين، وتقديمه للأطفال كطعام، أما الكبار فلا يجدون حتى الماء ليشربوا. للأسف حتى ’الأمباز‘ بدا ينعدم وجوده نتيجة زيادة الإقبال عليه"، وتوقع المتحدث أن "تزداد حالات الموت جوعاً، في الفترة المقبلة، ما لم يجر السماح بدخول المساعدات الإنسانية لعشرات آلاف النازحين، بخاصة في ظل الانهيار الكامل للوضع الصحي والانعدام التام للأدوية والمحاليل الوريدية وانتشار أمراض الإسهال والملاريا والالتهابات الرئوية القاتلة".
الطفل إبراهيم علي أحمد (12 سنة)، من معسكر زمزم بالفاشر، وصل قبل يومين إلى منطقة طويلة، فاراً من القصف والجوع، كشف عن معاناته الرهيبة هو وأسرته جراء العطش والجوع طوال أيام الرحلة. وبعد الرحلة المضنية التي استغرقت ثلاثة أيام كاملة سيراً على الأقدام وصل أحمد وأسرته أخيراً إلى منطقة طويلة، لكنه كان دخل في حالة من الإعياء التام استدعت نقله فوراً إلى مستشفى "أطباء بلا حدود" الفرنسي في محلية طويلة لتلقي الإسعافات والعلاج.
رحلة مروعة
أما فطينة التوم عبدالله، التي فرت مع أطفالها الثلاثة هرباً من الجوع والموت فتبدو مأساتها أكثر عمقاً، إذ فقدت جميع أطفالها في الطريق إلى المنطقة عبر رحلة مروعة على طول الطريق، وتقول إنها لا تعرف، حتى الآن، مكانهم وما إن كانوا أحياء أم أمواتاً.
بعد تعرض مخيمي زمزم وأبو شوك لقصف مدفعي من قوات "الدعم السريع" أخيراً، فرت نسبية عيسى إلى المنطقة ذاتها مع أطفالها الأيتام، وتعرضت في الطريق لنهب ممتلكاتها البسيطة ولم تعد تملك شيئاً بينما صغارها بحاجة ماسة إلى الطعام والأغطية والدواء.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، إذ قتل أكثر من 70 طفلاً في شمال دارفور منذ بداية العام الحالي 2025، بينما تحاصر المعارك نحو 825 ألف طفل في تلك المنطقة الملتهبة غرب السودان.
مئات الوفيات
وأوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور آدم رجال أن سوء التغذية يتفشى بصورة مخيفة لدى أطفال مخيمات زمزم أبو شوك وأبوجا للنازحين في الفاشر وغيرها من مراكز الإيواء الأخرى، بسبب الحصار على المدينة ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين الذين يعانون الجوع والفقر والمرض.
وبحسب غرفة الطوارئ الإنسانية بمعسكر زمزم للنازحين، 15 كيلومتراً جنوب مدينة الفاشر، توفي نحو 100 شخص خلال الشهرين الماضيين بسبب الجوع والمرض، في وقت تحاصر قوات "الدعم السريع" المخيم من كل جوانبه، ودعت الغرفة "الدعم السريع" للسماح بدخول المساعدات الإنسانية لعشرات آلاف النازحين الذي يتضورون جوعاً داخل المعسكر الذي يعتبر أكبر وأقدم المعسكرات في البلاد ويؤوي نحو 500 ألف من النازحين.
وكانت منظمة "أطباء بلا حدود" بالسودان، كشفت عن موت نحو 13 طفل يومياً بمعسكرات النزوح في شمال دارفور، بينما يواجه آخرون يعانون من سوء التغذية الحاد، المصير نفسه، في غضون ثلاثة إلى ستة أسابيع إذا لم يحصلوا على علاج.
أوضاع مأسوية
وأشارت مديرة شؤون الطوارئ بالمنظمة كلير لنيكويه إلى أن نحو ربع الأطفال الذين خضعوا لفحوص يعانون سوء تغذية حاداً، في وقت يعاني نحو 40 في المئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين من سوء التغذية. وأضافت " قبل بدء الحرب كان سكان المخيم يعتمدون، بصورة كبيرة، على المساعدات الدولية للحصول على الغذاء والرعاية الصحية ومياه الشرب، واليوم جرى التخلي عنهم بصورة شبه كاملة"، مشيرة إلى توقف برنامج الأغذية العالمي عن توزيع المواد الغذائية وأن العائلات باتت تضطر إلى الشرب من مياه المستنقعات.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان إن الأوضاع في مخيم زمزم للنازحين ما تزال مأسوية، إذ تواجه عائلات الجوع والعطش في ظل معاناة تتفاقم يومياً.
ووصفت كليمنتاين نكويتا سلامي مسؤولة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في السودان الوضع في مخيم زمزم بشمال دارفور بأنه ما يزال مأسوياً، وأن سكان المعسكر بحاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية عاجلة مع ضرورة ضمان الوصول الآمن والمستدام.
إقرار أممي
وأقر المكتب الأممي أن الجوع يجبر الناس في المعسكر على أكل بقايا الحبوب المسحوقة لإنتاج الزيت "الأمباز" الذي يستخدم عادة لإطعام الحيوانات، أما منظمة "أطباء بلا حدود" فتؤكد أن 40 في المئة من الأطفال بين عمر ستة أشهر إلى سنتين يعانون سوء التغذية في معسكر زمزم.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" تحاصر المعارك الدائرة في شمال دارفور أكثر من 800 ألف طفل عالقين مع أسرهم وسط الاشتباكات والقصف المدفعي.
ويقع مخيم زمزم على بعد 15 كيلومتراً جنوب مدينة الفاشر، ويوفر المأوى لأكثر من نصف مليون نازح فر معظمهم من مناطقهم الأصلية في إقليم دارفور بعد اندلاع النزاع المسلح عام 2003.
أخطار أخرى
ويكابد مئات الآلاف من النازحين في مخيم زمزم بولاية شمال دارفور غرب السودان ظروفاً إنسانية مأساوية تنذر بحدوث مجاعة قاتلة، في ظل نقص حاد في الغذاء والماء والدواء.
وفي السياق قال الناشط في مجال العمل الطوعي الإنساني بدرالدين مزمل إن أطفال معسكرات النزوح بدارفور يواجهون، إلى جانب الجوع القاتل، عدد من الأخطار والظروف القاسية مثل نقص الخدمات الأساسية وعلى رأسها التعليم والرعاية الصحية والمياه النظيفة، والتعرض للعنف والاستغلال بكل أنواعه، فضلاً عن التجنيد في الجماعات المسلحة.
ونوه مزمل إلى أن البيئة والظروف المأسوية التي يعيشها أولئك الأطفال، تجعلهم، في حال نجاتهم من الموت، عرضة لعدد من الصدمات والمشكلات النفسية المرتبطة بمستوى العنف وحياة الحرمان والفقر التي يعيشونها، مما سيحطم مستقبلهم ويدفع بهم إلى مصير مظلم.
بشاعة الأزمة
وتابع أيضاً "على رغم التحديات الكبيرة، لكن تبقى الحكومة هي المسؤولة الأولى عن حماية المواطنين وتوفير حقوقهم الأساسية، وتوفير بيئة آمنة ومستقرة للأطفال بخاصة، بما في ذلك الغذاء والرعاية الصحية والتعليم وتوفير الدعم اللازم للنازحين في معسكرات دارفور، كما يتطلب الوضع استجابة عاجلة من المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية لتوفير الغذاء والرعاية الصحية لأولئك الأطفال ومنحهم، في الأقل، الفرصة للبقاء على قيد حياة". واعتبر الناشط أيضاً أن وصول أولئك الأطفال إلى درجة من الجوع والفقر دفعتهم إلى تناول علف الحيوانات يعد مثالاً صارخاً على مدى حدة وبشاعة الأزمة الإنسانية التي يعيشونها في تلك المعسكرات، وعلى أن تفاقم نقص الغذاء وانعدامه في مدينة الفاشر ومعسكرات النزوح، على وجه الخصوص يشير إلى مدى قسوة الوضع هناك، مما يستدعي تدخلاً إنسانياً عاجلاً لإنقاذ الأطفال في معسكرات النزوح بدارفور.
ومنذ منتصف مايو (أيار) العام الماضي، تدور مواجهات عنيفة بين الجيش والقوات المشتركة المتحالفة معه ضد "الدعم السريع" بمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، آخر المعاقل التي لا يزال الجيش السوداني يسيطر عليها في الإقليم، بينما تسعى "الدعم السريع" جاهدة إلى السيطرة عليها بعد أن وضعت يدها على عواصم ولايات الإقليم الأربع الأخرى في شرق وغرب ووسط وجنوب دارفور.