ملخص
استثنى قرار الرئيس الفلسطيني العفو عن المفصولين في حركة "فتح" "من ارتكب جريمة أو متهماً بها وعنده ملف في القضاء"، وفق أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، في إشارة إلى محمد دحلان.
بكثير من التجاهل واللامبالاة، استقبل الأعضاء المفصولون من حركة "فتح" قرار الرئيس الفلسطيني رئيس الحركة محمود عباس العفو عنهم، وفتح الباب أمام تقديم طلبات عودتهم إلى قيادة الحركة لدراستها قبل البت فيها. واشترطت قيادة الحركة أن تكون طلبات الراغبين بالعودة إلى صفوفها "فردية من العضو المفصول، وبأن يبدي خلالها الاستعداد لالتزام أنظمة وقوانين وأحكام حركة ’فتح‘"، ومنحت اللجنة المركزية للحركة مهلة شهر لتقديم طلبات العودة، إذ ستنظر اللجنة في كل طلب بشكل مستقل بعد ذلك، بعد "وضع آلية مركزية لمتابعة هذه الطلبات والبت فيها".
"المرجعية الوحيدة"
وبحسب عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" دلال سلامة فإن اللجنة هي "المرجعية الوحيدة في الرد على تلك الطلبات، إذ سيناقش كل طلب على حدة" ورفضت سلامة الخوض في تفاصيل البت في طلبات عودة المفصولين، مشيرة إلى وجود اتفاق بين قيادة الحركة على عدم الحديث حول هذه القضية في الإعلام.
ورداً على سؤال في شأن عودة العضو المفصول إلى منصبه في الحركة قبل فصله أم لا؟ رفضت سلامة الإجابة، معتبرة أن الأمر "يعود للجنة المركزية لحركة فتح لتحديده".
القمة العربية
وكان الرئيس عباس أعلن أمام القمة العربية في القاهرة في الرابع من شهر مارس (آذار) الماضي "إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من الحركة، واتخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك، حرصاً منا على وحدة حركة فتح".
وفي الـ16 من مارس الماضي أكدت مركزية "فتح" "دعمها الكامل لما جاء في كلمة الرئيس محمود عباس خلال القمة، وما طرحه من إصلاحات تهدف إلى تمتين البيت الداخلي الفلسطيني".
وبعد أكثر من شهر على ذلك أصدرت اللجنة المركزية للحركة تعميماً رسمياً تعلن فيه فتح الباب أمام "تقديم طلبات فردية من المفصولين لطلب العودة إليها".
"تيار الإصلاح الديمقراطي"
وكانت "اندبندنت عربية" نشرت في أغسطس (آب) 2024 تقريراً كشفت فيها عن اتصالات بين قيادة حركة "فتح" و"تيار الإصلاح الديمقراطي".
وكانت موجة فصل المئات من قادة وأعضاء الحركة بدأت عام 2011 بفصل عضو لجنتها المركزية محمد دحلان، وإحالته إلى القضاء على "خلفية قضايا مالية وجنائية"، وشكل دحلان إثر ذلك "التيار الإصلاحي الديمقراطي" الذي يضم مئات المفصولين من حركة "فتح"، ويحظى بنفوذ وشعبية كبيرين بخاصة في قطاع غزة.
قائمة انتخابية
وعام 2021 وخلال التحضير للانتخابات التشريعية فصلت اللجنة المركزية لحركة "فتح" عضو لجنتها ناصر القدوة "من عضويتها ومن الحركة بسبب تجاوزه النظام الداخلي للحركة وقراراتها والمس بوحدتها"، وجاء قرار اللجنة بعد تشكيل القدوة قائمة انتخابية للانتخابات التشريعية منفصلة عن القائمة الرسمية للحركة بالتعاون مع القيادي في الحركة مروان البرغوثي.
واعتبر المتحدث باسم "التيار الإصلاحي الديمقراطي" ديمتري دلياني فتح باب تقديم الطلبات للعودة إلى حركة فتح "أمراً لا يستحق التعليق"، في إشارة إلى رفض التعاطي معه من التيار وتجاهله، ورفض دلياني الإجابة عن أسباب رفض التعاطي مع مبادرة الرئيس عباس.
كذلك رفض تيسير أبو سنينة رئيس بلدية الخليل وأحد المفصولين من الحركة التعاطي مع تعميم قيادة حركة "فتح"، واصفاً إياه بأنه "استخفاف، وإهدار لكرامتهم"، وفصلت قيادة "فتح" أبو سنينة من الحركة عام 2022 إثر ترشحه للانتخابات البلدية في قائمة منفصلة عن قائمة الحركة.
وهاجم أبو سنينة فكرة تقديم طلب لإعادته إلى الحركة، قائلاً "لم أعبئ طلباً للانضمام إلى الحركة، ولن أعبئ طلباً للعودة إليها، هذا إن صح أنني خرجت منها"، وبحسب أبو سنينة فإنه لا يعترف بقرار فصله، وبأن "من أصدره ليست له الصلاحية بذلك، وبأنه لم تصله حتى الآن ورقة رسمية بقرار فصله"، ولفت إلى أن طريقة إعادة المفصولين في الحركة "استخفاف بالناس، فمن يريد كرامة الناس لا يتعامل معهم بهذه الطريقة، نحن لدينا كرامة، ولا نعتبر أنفسنا فصلنا من الحركة، فنحن أصحاب الحركة، وأصحاب التضحية والنضال".
"من ارتكب جريمة أو متهم بها وعنده ملف في القضاء"
واستثنى قرار الرئيس الفلسطيني العفو عن المفصولين في حركة "فتح" "من ارتكب جريمة أو متهماً بها وعنده ملف في القضاء"، وفق أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" جبريل الرجوب، في إشارة إلى محمد دحلان. ومن بين المستثنين أيضاً بحسب الرجوب "كل من أساء استخدام موقعه في حركة ’فتح‘ أو في السلطة، ومن استقوى علينا من الخارج، فلن يعود إلا بمراجعة من قبله مع الاستعداد لالتزام نظام الحركة"، وأوضح أن القضاء هو الباب لعودة المفصولين من حركة "فتح" الذين توجد ضدهم قضايا في المحاكم الفلسطينية، وأشار إلى أن عودة المفصولين "ستكون فردية، وليست جماعية وعبر تيارات خارج حركة فتح".
وفي تلميح لدفع السلطات المصرية إلى توحيد الحركة، قال الرجوب إن الدولة المصرية "مهتمة بتقوية ووحدة فتح بسبب إدراكها دور فتح وأهميتها".
حال من الغضب
لكن الباحث السياسي جهاد حرب اعتبر أن إعلان الرئيس عباس في شأن العفو عن المفصولين من الحركة "سبب حالاً من الغضب في صفوفهم، بسبب استخدام مصطلح العفو، وكأنهم ارتكبوا جريمة وليست مخالفة حزبية"، وأشار حرب إلى أن من أسباب الغضب "قرار اللجنة المركزية لـ’فتح‘ النظر بمسألة عودة المفصولين كأفراد، مع وجود سلطة تقديرية للجنة بقبول أو رفض تلك الطلبات"، وبحسب حرب فإن تنفيذ قرار الرئيس بعودة المفصولين من الحركة "يحتاج إلى مسألتين، الأولى معالجة تنظيمية، والأخرى معالجة قضائية لمن لديه قضايا أمام المحاكم مثل دحلان"، ورأى حرب أن المفصولين من الحركة اعتبروا أن "إجراءات الرئيس عباس لعودتهم تعكس عدم وجود إرادة حقيقية بإنهاء الملف. هؤلاء المفصولون يرغبون بالعودة إلى مراكزهم السابقة، وتسوية القضايا الناشئة بعد فصلهم من وقف للرواتب، وتقاعد لأعضاء المجلس التشريعي المنحل". ووفق حرب فإن معظم المفصولين من الحركة انضموا إلى "التيار الإصلاحي الديمقراطي أو حسبوا عليه"، مضيفاً أن "الأمر يحتاج إلى معالجة شاملة لا توجد إرادة سياسية لها في الوقت الحالي"، وتابع أن عملية الفصل "جاءت نتيجة خلافات داخل حركة ’فتح‘ حول مسائل سياسية وتنظيمية وحتى شخصية".
ولدت ميتة
واعتبر المحلل السياسي أكرم عطا الله أن مبادرة الرئيس عباس الذي يتزعم حركة "فتح" لعودة المفصولين من الحركة "ولدت ميتة، لأنها لم تخرج من المسار الطبيعي في هيئات حركة ’فتح‘"، وبحسب عطا الله فإن أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" "فوجئوا بقرار الرئيس عباس أمام القمة العربية، الذي جاء استجابة لطلبات عربية"، وأوضح عطا الله أن "شكل إخراج المبادرة مهين للمفصولين أنفسهم لأنها تتعاطى معهم وكأنهم ارتكبوا أفعالاً إجرامية على رغم أن اعتراضهم كان تنظيمياً داخلياً حول بعض السياسات الداخلية، وكيفية إدارة الحركة"، ولفت إلى أن الاتصالات التي أجريت خلال الفترة الماضية بين قيادة "فتح" و"التيار الإصلاحي" "كان يفترض أن تنتهي بالإعلان عن قرار بعودة جماعية للمفصولين، وليس تقديم طلبات فردية من أجل العودة تُدرس"، وأضاف عطا الله أن تلك الطريقة "أحدثت حال غضب لدى التيار"، مشيراً إلى أن طريقة التعامل مع الملف لا توحي بوجود رغبة حقيقية لإنهاء ملف المفصولين من الحركة، موضحاً، في الوقت عينه، أن استثناء محمد دحلان من العودة إلى الحركة "لا يساعد على إنهاء الانقسام في حركة ’فتح‘، فهو يتزعم التيار الإصلاحي وهو محركه الرئيس".