ملخص
حرب السودان مستمرة في وقت وجهت فيه خمس منظمات دولية غير حكومية غربية نداءً حملت فيه الدول الغربية والمجتمع الدولي المسؤولية المباشرة عن معاناة ملايين ضحايا الحرب في السودان، لعدم تلبية الجهات الغربية المانحة سوى 10 في المئة فقط من نداءات مساعدة المدنيين السودانيين.
في وقت يسود فيه هدوء حذر مناطق غرب وجنوب أم درمان بالعاصمة السودانية الخرطوم بعد التقدم الذي أحرزه الجيش خلال الأيام الماضية، صعدت قوات "الدعم السريع" سلسلة هجماتها في محوري كردفان والصحراء بدارفور، وعلى عدد من المواقع الاستراتيجية في محيط مدينة الفاشر، مما يمهد الطريق نحو إسقاط المدينة. وكشفت مصادر ميدانية عن بوادر انسحاب مجموعات كبيرة من "الدعم السريع" من عدد من مناطق قندهار والعامرية ودار السلام والعامرية غرب أم درمان باتجاه ولاية شمال كردفان.
تعزيزات للفاشر
أكدت المصادر نفسها أن طلائع من الجيش بدأت في الوصول إلى إقليم دارفور بطريقها لفك حصار الفاشر وتحريرها، مؤكدة وصول فرق من قوات "فيلق البراء بن مالك" المساندة للجيش إلى داخل الفاشر. وبعد ساعات من إعلان "الدعم السريع" سيطرتها على عاصمة محلية أم كدادة بشمال دارفور، أعلنت الفرقة السادسة - مشاة بمدينة الفاشر، أن المقاومة الشعبية بالمحلية تمكنت من التصدي لهجوم شنته "الدعم السريع" وأجبرتها على التراجع وكبدتها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد. وتبعد محلية أم كدادة نحو 167 كيلومتراً شرق مدينة الفاشر على الطريق القومي الغربي المعروف بطريق الصادرات.
وبث المدير التنفيذي للمحلية بالإنابة عبدالغفار دودو أحمد مقطع فيديو أكد فيه أن المحلية تحت السيطرة الكاملة بعد فرار المهاجمين. وذكرت "تنسيقية لجان مقاومة الفاشر" أن "الدعم السريع" ارتكبت انتهاكات واسعة "من قتل وسرقة ونهب ممتلكات ومصادرة أجهزة الإنترنت الفضائي". وكشفت اللجان عن ارتفاع ضحايا القصف الذي نفذته "الدعم السريع" على معسكر أبو شوك وأحياء مدينة الفاشر إلى 24 قتيلاً أمس الخميس.
غارات وتصدٍّ
وأكد تعميم صحافي للفرقة السادسة تصدي الطيران الحربي لإمدادات بشرية لـ"الدعم السريع" آتية من جنوب دارفور في طريقها إلى مدينة الفاشر، مؤكدة تكبيدها خسائر في الأرواح والعتاد. وكشف الموجز الصحافي اليومي للفرقة عن اختطاف أربعة من شيوخ خلاوي وفتاة من ضواحي مدينة الفاشر، ما زال مصيرهم مجهولاً حتى اللحظة.
في محور كردفان أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش العميد الركن نبيل عبدالله تمكن قوات الفرقة العاشرة بمنطقة أبو جبيهة من تطهير منطقة خور الدليب.
في المقابل أعلنت "الدعم السريع" تصديها لهجوم شنته قوات الجيش على منطقة أم عدارة غرب كرفان انتهى بدحر القوة المهاجمة بالكامل. وأوضح بيان للناطق الرسمي باسمها أن المعركة أسفرت عن تكبيد الجيش خسائر بشرية ومادية فادحة والاستيلاء على عدد كبير من العربات القتالية بكامل عتادها.
انتقادات إنسانية
في الأثناء وجهت خمس منظمات دولية غير حكومية غربية نداء حملت فيه الدول الغربية والمجتمع الدولي المسؤولية المباشرة عن معاناة ملايين ضحايا الحرب في السودان لعدم تلبية الجهات الغربية المانحة سوى 10 في المئة فقط من نداءات مساعدة المدنيين السودانيين. وانتقد بيان أصدرته خمس منظمات دولية بمناسبة مرور عامين على حرب السودان، هي منظمات "المجلس الدنماركي للاجئين" و"لجنة الإنقاذ الدولية" و"المجلس النرويجي للاجئين" و"كير إنترناشيونال" و"ميرسي كوربس"، "وقوف العالم متفرجاً من دون تحرك إزاء معاناة المدنيين السودانيين الذين تعرضوا للاغتصاب والاعتداء الجنسي والمجاعة والقصف". وأشار البيان أيضاً، إلى أن حرب السودان خلقت كارثة إنسانية لا مثيل لها بالهجمات التي لا هوادة فيها على المدنيين استخدم فيها الاغتصاب كسلاح حرب، في إحدى أحلك صور الصراع، لافتاً إلى أن تأخر العالم عن اتخاذ إجراءات قد أودى بحياة عدد لا يحصى من الناس، ومنعت فيه المساعدات المنقذة للحياة من الوصول بصورة تدفع مجتمعات بأكملها نحو المجاعة.
كما دانت منظمة "أطباء بلا حدود"، "الدعم السريع"، وطالبت في بيان بوقف الهجمات فوراً كونها تعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني وتعرض الأرواح للخطر، إذ تشل الانقطاعات المتكررة للكهرباء الخدمات الصحية الحيوية المنقذة للحياة.
دولي
على نحو متصل أبدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قلقها من تزايد استخدام طرفي الحرب في السودان طائرات مسيرة لشن هجمات على المستشفيات والبنية التحتية للكهرباء والمياه في البلاد، مما يسهم في زيادة انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة على نطاق واسع. وأضافت اللجنة أن العمل توقف في ما يراوح ما بين 70 و80 في المئة من مستشفيات السودان وسط مخاوف من ارتفاع حالات الإصابة بالكوليرا بسبب أضرار ألحقتها الحرب بالبنية التحتية للمياه. ولفت المدير الإقليمي للصليب الأحمر في أفريقيا باتريك يوسف إلى أن الهجوم بالطائرات المسيرة تسبب في انقطاع التيار الكهربائي والحق أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، محذراً من "الزيادة الواضحة في استخدام في تقنيات الطائرات المسيرة، لتكون في أيدي الجميع ما يزيد من تبعاتها على السكان"، مضيفاً "شهدنا مخالفات للقانون على كل الصعد، وعلى طرفي الحرب السماح للصليب الأحمر للوصول للمناطق المتضررة لتقديم الدعم الإنساني وتوثيق ما ارتكب من فظائع".
مؤتمر دولي
دولياً تشهد العاصمة البريطانية لندن بمناسبة الذكرى الثانية لاندلاع الحرب، الثلاثاء الـ15 من أبريل (نيسان) الجاري، مؤتمراً دولياً رفيع المستوى لبحث سبل إنهاء الأزمة السودانية بمشاركة وزراء خارجية نحو 20 دولة ومنظمة دولية، في محاولة لتشكيل تحالف للضغط على الأطراف المتحاربة لوقف إطلاق النار والدخول في مسار سلمي لإنهاء الحرب. وقررت كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا الدول المنظمة للمؤتمر، استبعاد ممثلي أي من طرفي الصراع الرئيسين (الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع")، من المشاركة في المؤتمر بدعوى أن الظروف غير مهيأة بعد لمفاوضات مباشرة بين الطرفين.
وكانت الحكومة السودانية قد احتجت لدى بريطانيا ووصفت استبعادها عن المؤتمر بأنه يقوض جهود السلام، منتقدة دعوة دول تعدها أطرافاً غير محايدة في الصراع.
ومن المنتظر أن يناقش المؤتمر آليات لوقف إطلاق النار والضغط على الدول الداعمة للأطراف المتحاربة، ومعالجة الكارثة الإنسانية التي تفاقمت بعد تخفيض المساعدات الأميركية والأوروبية، إلى جانب ملف جرائم الحرب والمجاعة على ضوء التقارير الأممية في شأن استخدام الغذاء كسلاح (للتجويع) في الحرب.
تنديد حكومي
دبلوماسياً دعت حكومة السودان العالم أجمع إلى الخروج من دائرة الصمت والتحرك العاجل من أجل تقديم الجناة إلى العدالة. واستناداً إلى ما جاء في تقرير "منظمة العفو الدولية" الصادر في الـ10 من أبريل 2025، تحت عنوان "لقد اغتصبونا جميعاً"، أوضح بيان لوزارة الخارجية السودانية أن التقرير كشف عن أعمال عنف جنسي مروعة ارتكبتها "الدعم السريع" في البلاد، "وهي أفعال تشكل جرائم حرب وضد الإنسانية تستدعي المحاسبة".
من جهته دعا رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال لقائه المبعوث الخاص للمملكة المتحدة إلى السودان ريتشارد كراودر بريطانيا إلى تصويب مواقفها انطلاقاً من الروابط التاريخية التي تربطها بالسودان، وأكد ترحيب السودان بأي جهد دولي يخاطب القضايا الحقيقية للسودانيين.
تنوير بريطاني
وشدد البرهان على أن الشعب السوداني في حاجة إلى أن ينظر المجتمع الدولي لمعاناته من الانتهاكات التي ترتكبها "الدعم السريع" المتمردة وداعميها، "ووقف الانتهاكات في مدينة الفاشر ومعسكرات النازحين أكثر من حاجته إلى عقد مؤتمرات هنا وهناك"، مشيراً إلى الاستهداف الذي تتعرض لها المنشآت المدنية والخدمية ومشروعات البنى التحتية.
وأوضح وكيل الخارجية السودانية حسين الأمين في تصريحات صحافية أن المبعوث البريطاني قدم تنويراً إضافياً للبرهان حول المؤتمر الذي ستستضيفه لندن في شأن السودان منتصف أبريل الجاري، مؤكداً حرص بلاده على أن تكون كل الأطراف المشاركة في المؤتمر من المجتمع الدولي من دون أن تكون هناك مشاركة من أي جهات سودانية ويهدف لتحقيق السلام وليس فرض حلول خارجية على السودان. وأوضح الأمين أن البرهان شدد، خلال اللقاء على ضرورة أن يركز المجتمع الدولي على وقف الانتهاكات التي ترتكبها "الدعم السريع"، بخاصة في الفاشر ومعسكرات النازحين، بدلاً من الاكتفاء بعقد المؤتمرات، مشيراً إلى أنها لم تحترم قرار مجلس الأمن الدولي في شأن فك حصار الفاشر، من دون أن يتخذ المجلس أي إجراء تجاه ذلك.
من جانبه أكد كراودر أهمية اللقاء في تعزيز الحوار بين البلدين، مشيراً بحسب وكيل الخارجية إلى أن التقدم الذي أحرزه الجيش السوداني خلال الأيام الماضية قد يفتح باباً، لافتاً إلى أن هناك حاجة ماسة في الفاشر لحماية المدنيين مشيراً إلى الدلائل الواضحة للعنف ضد المواطنين الأبرياء فضلاً عن استهداف المنشآت المدنية، ودعا قادة السودان إلى تحمل مسؤولياتهم في رفع المعاناة عن كاهل الشعب، فضلاً عن إعادة بناء المجتمع والنظام السياسي لمنع الانزلاق للحرب مرة أخرى.
دعم إريتري
وكان البرهان اختتم زيارة إلى العاصمة الإريترية أسمرة، حيث عقد جلسة محادثات ثنائية مع الرئيس الإريتري أسياس أفورقي تناولت مسار العلاقات الثنائية بين البلدين. وذكر بيان لمجلس السيادة الانتقالي أن المحادثات تطرقت إلى تطورات الأوضاع في السودان والجهود المبذولة لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في البلاد إلى جانب القضايا الإقليمية والدولية. وأوضح البيان أن البرهان أطلع القيادة الإريترية على مجريات الأوضاع، وثمن مواقفها الداعمة للسودان والحفاظ على وحدته واستقراره، مشيراً إلى تجديد أفورقي موقف بلاده الثابت بالوقوف إلى جانب الشعب السوداني لتحقيق الأمن والاستقرار.