ملخص
سجلت أحزاب معارضة تونسية فشلاً ضمن أكثر من مناسبة في تعبئة الشارع، على رغم تململ التونسيين من سياسات الحكومة في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية داخل البلاد.
تعكس الاحتجاجات التي نظمتها أحزاب المعارضة في تونس خلال التاسع من أبريل (نيسان) الجاري، وهو تاريخ يحمل في طياته رمزية كبيرة داخل البلاد، حال الوهن الذي باتت تئن تحت وطأتها تلك الأحزاب، إذ لم تنجح في تعبئة سوى المئات.
وبخلاف تراجعها ميدانياً، تكثف المعارضة التونسية حضورها على شبكات التواصل الاجتماعي في ما بدا وكأنه سياسة فرضت عليها، خصوصاً بعد سجن قيادات بارزة منها على غرار الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي والقيادي بحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، ورئيس حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، وغيرهم.
لكن مراقبين وباحثين سياسيين يعتقدون أن هذه الأحزاب أيضاً باتت تدفع ثمن امتناعها عن القيام بمراجعات لسياساتها التي أدت إلى نفور الشارع منها، وجعلها عاجزة عن تعبئته بالصورة التي كان سائدة في السابق.
استدراج للجانب الحقوقي
وخلال التاسع من أبريل (نيسان) كل عام، يحتفل التونسيون بعيد "الشهداء" الذين قضوا على يد القوات الفرنسية عام 1938، لذلك عادة ما تختار الأحزاب والنقابات هذه الذكرى للاحتجاج أو تنظيم فعاليات محددة.
وحاولت قوى المعارضة الرئيسة متمثلة في "الحزب الدستوري الحر" و"جبهة الخلاص الوطني" تعبئة الشارع أول من أمس الأربعاء، لكن المئات فقط استجابوا لدعواتهما للاحتجاج على سياسات الرئيس قيس سعيد والدفاع عن "الحريات"، مما يسلط الضوء على عمق الأزمة التي تعانيها المعارضة.
القيادي بحزب "التيار الديمقراطي" المعارض هشام العجبوني أرجع لجوء المعارضة التونسية إلى العالم الافتراضي بدل التعبئة ميدانياً، إلى "مناخ الخوف الذي بات يشعر به كثر جراء سياسات السلطة".
وقال العجبوني في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" إنه "لا يمكن الحديث عن قوى معارضة زمن الاستبداد، بل قوى مقاومة. المسألة هنا مبدئية ولا تقيم بعدد المحتجين، إذ هناك تركيز تدريجي لمنظومة استبدادية شعبوية لا تؤمن بالحوار كإحدى آليات إدارة الخلافات والعيش المشترك داخل البلاد".
وتابع أنه "لا يجب أن ننسى أن هناك نحو سبعة رؤساء أحزاب مهمة في البلاد يقبعون داخل السجن، فضلاً عن أن هناك نشطاء بالمجتمع المدني وسياسيين وإعلاميين ونقابيين وإطارات في إدارة المنشآت العمومية محبوسين، وهذا يؤثر طبعاً على مستوى التعبئة، إضافة إلى عودة عامل الخوف لأن أية منظومة استبدادية تتغذى من الخوف". وذكر أنه "للأسف، السلطة في تونس نجحت نسبياً في استدراجنا إلى الجانب الحقوقي على حساب الجانب السياسي، وقيس سعيد نجح ظرفياً منذ ’الانقلاب‘ في قتل السياسة داخل تونس، من ثم تراجعت قدرة الأحزاب على التعبئة".
وتتهم الأحزاب المعارضة في تونس الرئيس سعيد بالقيام بـ"انقلاب" عندما فعّل المادة 80 من الدستور، وأطاح من خلال ذلك البرلمان والحكومة المنتخبين ديمقراطياً، لكنه يرفض تلك الاتهامات ويقول إنه بصدد "تصحيح مسار الثورة" التي حدثت ضد نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي عام 2011.
لجوء للجانب الافتراضي
ولم يشارك في احتجاج الحزب الدستوري الحر سوى 1000 شخص، بينما حشدت "جبهة الخلاص الوطني" نحو 100 شخص في خطوات تكشف عن حجم الهوة بين قوى المعارضة والشارع، الذي أيد بصورة كبيرة إجراءات الرئيس سعيد في البداية، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية تراجع ذلك التأييد وهو أمر لم تستغله المعارضة على الأرجح.
ويعتقد العجبوني أنه "فضلاً على التضييقات التي تعرفها الأحزاب والجمعيات –إذ أُغلقت على سبيل المثال مقار حركة النهضة بقرار إداري وجُمدت أموال جمعيات عدة– لم تعد الأحزاب تجد فضاءات لتنظيم ندوات وحتى اجتماعات هياكلها بسبب الخوف المستشري". وأضاف "دون أن ننسى أيضاً غلق الإعلام العمومي في وجه المعارضة وتفادي غالب المنابر الإعلامية الخاصة البرامج السياسية، مما فاقم حصار المعارضة والتضييق في مجالات حضورها".
وخلص العجبوني إلى أن "هذا أثر بطبيعة الحال على العمل الميداني ودفع الأحزاب المعارضة لتحويل وجهتها إلى المجال الافتراضي".
أسيرة أفكار قديمة
وخلال الأعوام الماضية شهدت تونس إقرار دستور جديد وأُعيد انتخاب سعيد لولاية ثانية مدتها خمسة أعوام، وكذلك انتخاب برلمان جديد مقيد الصلاحيات بصورة كبيرة. وقاطعت قوى المعارضة هذه الاستحقاقات.
وقال الباحث السياسي بوبكر الصغير إنه "في ظل التحولات التي نشهدها هناك حديث عن موت السياسة في تونس، وهناك سلطات وقوة جديدة أصبحت مؤثرة بصورة كبيرة، وما حصل خلال الأعوام الماضية أن النخب السياسية أصابتها خيبة أمل كبيرة جراء إخفاق تام في إدارة الحكم طوال أكثر من عقد من الزمن تلى الثورة". وأضاف الصغير أن "هذه الخيبة أدت إلى عزوف المواطنين عن السياسة والاهتمام بالشأن العام أو معارضة السلطة. والمعارضة في تونس لا تزال أسيرة أفكار قديمة وأحلام لا يمكن أن تتحقق في الواقع، وهي لم تقم بنقد ذاتي ولم تقم كذلك بتجديد قياداتها ونخبها وبقيت نفس الرموز والشخصيات التي تزعمتها طوال الأعوام الماضية تتصدر المشهد داخلها الآن، وهو أمر يزيد من إضعافها".
وفي رأيه، فإن "أزمة المعارضة داخل تونس من أزمة الحياة السياسية وأزمة نخب البلاد التي اصطدمت بمخلفات حكم الإخوان طوال 10 أعوام. وما يجب قوله أنه ليس الطرف المقابل -أي السلطة- هو القوي، بل إن المعارضة ضعيفة في تونس".