ملخص
منذ اندلاع الحرب الراهنة لم تتوقف محاولات قوات "الحركة الشعبية - جناح الحلو" عن استغلال انشغال الجيش بالحرب مع "الدعم السريع" لتمديد سيطرتها على مزيد من أراضي جبال النوبة في هجمات متقطعة على حاميات الجيش بجنوب كردفان.
ظلت "الحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو المتمركزة في جنوب كردفان متخذة من مدينة كاودا عاصمة لما تسميه بالمناطق المحررة هناك، في موقف الحياد حيال الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ اندلاعها منتصف أبريل (نيسان) 2023، غير أنها وفي أعقاب التوقيع على ما عرف بميثاق "تأسيس" السودان الجديد بالعاصمة الكينية نيروبي في فبراير (شباط) الماضي، دشن الطرفان أخيراً تحالفهما بصورة فعلية من خلال تحركات قوات "الدعم السريع" في أطراف إقليم النيل الأزرق وبعض مناطق جنوب كردفان، فما التأثيرات المتوقعة لهذا التحالف على المشهد العسكري ومسار الحرب ومستقبل الأزمة بالسودان؟
تنسيق ميداني
ومنذ اندلاع الحرب الراهنة لم تتوقف محاولات قوات "الحركة الشعبية - جناح الحلو" عن استغلال انشغال الجيش بالحرب مع "الدعم السريع" لتمديد سيطرتها على مزيد من أراضي جبال النوبة في هجمات متقطعة على حاميات الجيش بجنوب كردفان.
وخلال فبراير الماضي وقع 21 كياناً سياسياً ومدنياً وحركة مسلحة من بينها قوات "الدعم السريع" و"الحركة الشعبية – شمال" بقيادة الحلو، ما سمي "ميثاق السودان التأسيسي" والدستور الموقت، معلنة ميلاد تحالف "تأسيس" الذي أعلن عزمه تشكيل حكومة موازية لحكومة الأمر الواقع التي يديرها الجيش في العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان.
وفي إطار تعزيز التنسيق المشترك بين الحركة و"الدعم السريع" زارت قوة من الأخيرة بقيادة العقيد صالح الفوتي والعقيد التاج التجاني مناطق سيطرة الحركة الشعبية، وأكد القادة الميدانيون في الجانبين العمل المشترك من أجل التحرر من سطوة المركز والتهميش الذي تتعرض له المنطقة.
وأكدت القيادات العسكرية الميدانية للطرفين في منطقة أم عدارة أهمية تنسيق العمل العسكري الميداني وتعيين قوة مشتركة من الجانبين من أجل تأمين الطرق وفتح الأسواق.
وتمثل "الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو، أحد أبرز الفصائل السودانية المسلحة المطالبة بحقوق السكان في مناطق جبال النوبة بجنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق جنوب شرقي البلاد، والإصلاح الهيكلي الشامل للدولة السودانية القائم على أساس المواطنة المتساوية وعلمانية الدولة.
توزيع الأدوار
في السياق يقول المحلل السياسي مدثر عبدالعزيز إنه على رغم أن الفكرة المحورية لتحالف "تأسيس" هي اعتبار المنظومة العسكرية لقوات "الدعم السريع" والحركات المسلحة الأخرى الموقعة عليه هي نواة لما عرف بالجيش الوطني، لكن الملاحظ أن "الدعم السريع" وكأنها تتعامل مع تحالفها، وتحديداً جيش "الحركة الشعبية" بصورة منفصلة، حيث لا تركز عليها كثيراً في بياناتها الإعلامية عن قوات "تحالف التأسيس" وتقصرها في كثير من الأحيان على قواتها وقوات الطاهر حجر والهادي إدريس فقط.
ويشير عبدالعزيز إلى أن كل من قوات "الحركة الشعبية" و"الدعم السريع" لا تعملان حتى الآن بصورة تشاركية منظم بقيادة موحدة في تحركاتهما وعملياتهما الحربية، فكل منهما لا يزال يعمل منفرداً على الأرض في صورة أقرب إلى توزيع الأدوار لتحقيق مكاسب عسكرية خاصة بكل قوات وحدها، بعيداً من الأهداف المشتركة.
يعتبر المحلل السياسي أن ما حدث هو في حقيقته استغلال تكتيكي مرحلي من جانب قوات "الدعم السريع" لجيش "الحركة الشعبية" في توسيع وتمديد عملياتها الحربية في إقليم النيل الأزرق وجنوب كردفان لا أكثر.
أهداف عسكرية
وعلى رغم من تسمية تحالف "تأسيس" للحكومة الموازية المنتظرة بـ"حكومة السلام"، لكن الواقع يشير، وفق عبدالعزيز، إلى أن الأهداف العسكرية لتلك الحكومة لا تزال أكبر من السياسية، ما يعد تناقضاً ربما فرضته ظروف الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها قوات "الدعم السريع" وتسعى جاهدة إلى تعويضها من خلال مزيد من التمدد العسكري خارج الخرطوم، بخاصة في النيل الأزرق من خلال استغلال القوات التابعة للحركة في جنوب كردفان، وقوات جوزيف توكا التابعة لها أيضاً في النيل الأزرق.
يتابع "وفي ظل الهجمات التي ظل يشنها الجيش السوداني على قوات الحركة، قد يرى الحلو في هذه التحالفات فرصة لبناء قدرات الجيش الشعبي بالاستفادة من الدعم اللوجيستي من سلاح وذخيرة المتوافرة الذي يمكن أن توفره له قوات ’الدعم السريع‘، إلى جانب الاستفادة من القوة العسكرية الكبيرة واسعة الانتشار لحليفه الجديد في تعزيز موقفه العسكري وحمايته من هجمات الجيش السوداني".
ويتوقع المحلل السياسي أن تنفجر الخلافات والتناقضات المسكوت عنها حالياً فور تكوين الحكومة الموازية والشروع في إنشاء وزارة دفاع الخاصة بها، وربما نشهد صراعاً مبكراً بين جيش الحركة الشعبي (الجيش الشعبي) وقوات "الدعم السريع" بخصوص تفاصيل تكوين وإنشاء الجيش الوطني الموحد المشار إليه في الميثاق ونسب استيعاب وعلاقة القوات المكونة له بعضها بعضاً.
مصدر إزعاج
من جانبه يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية مبارك أردول، وهو أحد قيادات منطقة جبال النوبة، إن التحالف العسكري والتنسيق الأمني بين "الحركة الشعبية" بقيادة الحلو وميليشيات "الدعم السريع" تحت ما سموه بـ"قوات التحالف" لا يشكل تهديداً كبيراً مقارنة بالنفوذ العسكري والأمني الذي كانت تتمتع به قوات "الدعم السريع" في بداية القتال ضد الجيش في بداية الحرب والأعوام التي تلت ذلك.
وأضاف أردول في تغريدة على حسابه بمنصة "إكس" أن درجة الاستعداد العسكري والتحضير اللوجيستي عند بدء الحرب كانت تفوق الوضع الحالي بصورة كبيرة، لكنها ومع ذلك لم تتمكن تلك القوات من إحداث اختراق سياسي أو فرض تغيير في تركيبة الحكم، وتحول الأمر بدلاً من ذلك إلى حالات نهب وسلب، واتسعت دائرة الفظائع والانتهاكات، لافتاً إلى أن "التحالف الجديد قد يشكل مصدراً للإزعاج الأمني والعسكري، لكنه سيكون محدوداً وغير مستدام".
وأوضح القيادي أن استمرار هذا التحالف يعتمد على مدى انفتاح الجيش تجاه المناطق الجديدة، وحشد المواطنين في مسارح القتال الجديدة التي لجأت إليها الميليشيات بعدما تم دحرها من المناطق الاستراتيجية ذات الأهمية السياسية والاقتصادية والأمنية، مشيراً إلى أن الحلو وفر ملاذاً للقوات الهاربة، لكنه لم يقدر الثمن السياسي والأمني الذي سيدفعه نتيجة لهذا التصرف.
أغراض تكتيكية
على صعيد متصل يرى القيادي في حركة "جيش تحرير السودان - قيادة مني أركو مناوي" محمد حارن أن تحالف "الدعم السريع" و"الحركة الشعبية" يقوم على مصالح آنية وأغراض تكتيكية من دون أن يحمل أي بعد استراتيجي، إذ إن الطرفين مختلفان في كل شيء، فإلى جانب أن كلا الطرفين يعيش وضعاً حرجاً الآن، نجد أن هوة واسعة في طرح ورؤى الطرفين فبينما يتحدث "الدعم السريع" عن دولة عرب العطاوة، يطرح عبدالعزيز الحلو قضية تحرير السودان بمواصفاته هو.
لا يتوقع حارن أن يكون لهذا التحالف أثر ملموس على المسرح العسكري الميداني أو حتى السياسي، بخاصة بعدما فقدت قيادة "الدعم السريع" السيطرة على قواتها التي كانت تحارب داخل العاصمة الخرطوم وباتت الآن تقاتل بعيداً منها، في وقت تبدو فيه قيادة "الحركة الشعبية" غارقة في صراعها مع أهالي جبال النوبة الرافضين لدخول قوات "الدعم السريع" إلى مناطقهم.
أضرار سياسية
على المنحى ذاته يعتقد المحاضر في الدراسات الاستراتيجية مجتبى الأمين أنه على رغم ما تتوقعه "الحركة الشعبية" من هذا التحالف في تقوية موقفها العسكري، لكنه قد يضر بها على الصعيد السياسي، بخاصة في ظل استمرار المواقف الإقليمية والدولية والمحلية المنددة بانتهاكات تلك القوات.
يرى الأمين أن تحالف "الحركة الشعبية" يقتصر حتى الآن على تعاون وعمل عسكري مشترك محدود في مناطق النيل الأزرق وبعض أجزاء جنوب كردفان، إذ بخلاف توفير الحركة معسكرات تدريب لـ"الدعم السريع" في جنوب غربي إقليم النيل الأزرق وجنوب كردفان الذي لا يبدو عملاً عسكرياً مؤثراً وعلى صعيد ضيق بتلك المناطق، لم تظهر قوات الحركة مع "الدعم السريع" في عمليات مشتركة بأي من المناطق الأخرى، وهو ما يؤكد محدودية التعاون العسكري بينهما.
ويشير أستاذ الدراسات الاستراتيجية إلى وجود تحديات كبيرة في مواجهة هذا التحالف الناشئ تجعل من الصعب على القائد عبدالعزيز الحلو التوفيق والموازنة بين تحقيق ما يطمح إليه من مكاسب عسكرية من خلال هذا الحلف وتحدي الحفاظ على سنده الشعبي في مناطق سيطرته بجبال النوبة، فضلاً عن المخاطرة بفقدان بعض حلفاء الداخل السابقين، وربما مواجهة ضغوط دولية وإقليمية قد تؤثر سلباً في موفقه حال حدوث أي تسوية سياسية مستقبلاً.
وكان اتحاد عام جبال النوبة من أول الرافضين لهذا التحالف خوفاً من أن يجعل من أراضي جبال النوبة مسرحاً لنشاط قوات "الدعم السريع" المتهمة بالسعي إلى ممارسة التطهير العرقي الأطماع القديمة تلك المناطق الغنية بالنفط والذهب والمعادن.
وطالب الاتحاد أبناء النوبة في "الحركة الشعبية" اتخاذ مواقف وطنية واضحة تتسق مع مصالح شعب جبال النوبة وعدم تمرير مشروع لا علاقة له بأهل الإقليم ومصالحه الحيوية والاستراتيجية والأمنية.
النشأة والانشقاق
وعقب استفتاء جنوب السودان وإعلان استقلاله كدولة مستقلة أسس عبدالعزيز آدم الحلو الذي كان قيادياً في "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق حركة قطاع الشمال برئاسته، بينما تولى كل من مالك عقار منصب نائب الرئيس وياسر عرمان رئاسة الأمانة العامة، قبل أن تنقسم الحركة إلى جناحين أحدهما في مناطق جبال النوبة، والآخر في منطقة النيل الأزرق برئاسة عقار.
لاحقاً وعقب إطاحة حكم الرئيس عمر البشير في ثورة ديسمبر (كانون الأول) الشعبية في 2018، وقع الحلو على إعلان قوى الحرية والتغيير بحكم عضوية حركته بالجبهة الثورية السودانية، أحد مكونات الحرية والتغيير، وفي عام 2019 التقى الحلو رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك في مدينة كاودا معقل "الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال" للتشاور حول سبل إحلال السلام في السودان.
وتمتد المنطقة التي يسيطر عليها الحلو إلى تخوم منطقة أبيي الغنية بالنفط المتنازع عليها بين دولتي السودان وجنوب السودان منذ الانفصال في 2011.