ملخص
أصبحت القهوة طقساً يومياً لا غنى عنه لدى كثير من المواطنين الأردنيين، وقد تأثرت الطبقات الوسطى والعاملة بصورة مباشرة بارتفاع أسعار البن.
شهدت أسعار القهوة في الأردن في الفترة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً فاق التوقعات، فقد تجاوزت نسبة الزيادة في سعر كيلو البن 17 في المئة ليصل إلى 14.800 دينار للكيلو، بعدما كان سعره 12.600 دينار، مما أثار موجة استياء واسعة بين محبي هذا المشروب الذي أصبح طقساً يومياً في حياتهم.
ولم يكن هذا الارتفاع مفاجئاً وفق مراقبين، بل هو نتيجة ارتفاعات بدأت منذ عام 2022، وأصبحت تشكل تحدياً حقيقياً لقدرة المواطن الأردني الشرائية. وهو جزء من مشهد اقتصادي أوسع يعاني فيه المواطن الأردني من تضخم مستمر وزيادة في الأسعار، في ظل غياب البدائل المدعومة وتراجع الدور الرقابي على الأسواق.
ويعتقد آخرون أن القهوة أصبحت طقساً يومياً لا غنى عنه لدى كثير من المواطنين، وأن ارتفاع أسعارها يعكس الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الطبقات الوسطى والعاملة في الأردن، إذ تظهر أدوات الحماية الاجتماعية ضعيفة في وجه تقلبات الأسواق العالمية.
مقاطعة وبدائل
تربعت القهوة على قائمة استهلاك الأردنيين من المشروبات في العقدين الأخيرين منذ أن دخلت العولمة إلى المملكة جالبة معها مطاعم الوجبات السريعة والمقاهي العالمية الشهيرة، وأصبحت بلا منازع رفيقهم اليومي، إذ صنفت مجلة " فوربس" الأردن على أنه رابع دولة عربية من حيث الاستهلاك، وقدرت استهلاك الفرد سنوياً بنحو كيلوغرامين.
وتفاوتت ردود فعل الأردنيين تجاه هذا الارتفاع الكبير، إذ رفع البعض شعار مقاطعة منتجات القهوة التي ارتفع سعرها واستبدالها بأخرى أرخص، بينما فضل آخرون البدء بتحضير قهوتهم منزلياً، للحفاظ على نمط استهلاكهم اليومي البسيط.
كذلك انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي حملات إلكترونية تلقائية تدعو إلى مقاطعة القهوة، كنوع من الاحتجاج الرمزي.
بينما سجلت بعض المتاجر زيادة في مبيعات أدوات تحضير القهوة المنزلية، مما يشير إلى تحول تدريجي في عادات الشرب لدى المستهلك الأردني.
وتعد الهند والبرازيل وإثيوبيا من أبرز الدول المصدرة للبن إلى الأردن، وتشير تقديرات إلى أن حجم استهلاك القهوة في المنازل بالأردن سيصل إلى نحو 17.96 مليون كيلوغرام العام الحالي.
ويرصد مراقبون مقاطعة القهوة من بعض الفئات محدودة الدخل، بخاصة أولئك الذين اعتادوا على تناولها بصورة يومية في المقاهي، كما تراجع الطلب على الأنواع المستوردة الفاخرة لمصلحة الأنواع الأرخص أو القهوة السريعة.
غياب حكومي
يؤكد أصحاب بعض المقاهي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن زيادة كلف الاستيراد والشحن فضلاً عن التقلبات العالمية في أسعار البن، أثرتا بصورة مباشرة على الأسعار التي شهدت ارتفاعاً تلقائياً.
ورغم ذلك، يلفت مراقبون النظر إلى الهوامش الربحية الكبيرة التي تتجاوز الحدود المقبولة في ظل غياب رقابة حكومية واضحة على السوق.
ويوضح أحد العاملين في مقهى معروف وسط العاصمة عمان أن غياب التسعيرة الرسمية يفتح المجال للتنافس غير المنظم بين المقاهي، مما يستدعي وضع إطار تنظيمي يضمن حماية المستهلك من دون الإضرار بالمصالح التجارية.
تعد القهوة في الثقافة الأردنية رمزاً يومياً لمواجهة ضغوط الحياة لا سيما في مواجهة التحديات الاقتصادية المتزايدة، لكن حتى اللحظة لم تسجل أي إجراءات رقابية رسمية واضحة للحد من ارتفاع الأسعار أو فرض سقوف سعرية.
وباتت عديد من المقاهي الشعبية في مأزق خلال محاولتها المواءمة بين كلفة التشغيل المرتفعة والقدرة الشرائية المتراجعة للمواطن، مما دفع بعضها لاستخدام خلطات أقل جودة.
في موازاة ذلك دعت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك المواطنين إلى مقاطعة شراء واستهلاك جميع أصناف القهوة التي شهدت ارتفاعاً غير مبرر في الأسعار، والبحث عن بدائل أو تقليل الاستهلاك.
وقال رئيس الجمعية محمد عبيدات، إن الارتفاعات التي طرأت على أسعار القهوة في الأردن خلال الفترة الماضية تجاوزت 25 في المئة لبعض الأصناف، في حين سجلت أصناف أخرى ارتفاعات كبيرة مبالغ فيها.
يوضح عبيدات أن "الأردن يستورد 75 في المئة من حاجته من القهوة من الهند، والنسبة الباقية من البرازيل ودول أخرى، وهي منشآت لم تسجل فيها الأسعار ارتفاعات كبيرة كما يدعي بعض التجار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ارتفاع عالمي مبرر
يعلق فاضل الزعبي المتخصص في الأمن الغذائي بالقول إن الارتفاع في أسعار القهوة عالمياً مبرر، ولكن انعكاسها على الأسعار المحلية غير مبرر.
يضيف الزعبي "الارتفاع منذ ثلاثة أشهر لم يتجاوز نسبة الـخمسة و10 في المئة ولأسباب معروفة عالمياً، كقلة العرض والتغيرات المناخية وزيادة الطلب إضافة إلى الخدمات اللوجيستية والنقل وارتفاع التأمين والشحن، لكن الارتفاع في السوق المحلية مبالغ فيه".
يشير الزعبي إلى أن الارتفاع لدى أهم المستهلكين كأميركا وأوروبا لم يتخط الخمسة في المئة بينما بلغ الارتفاع محلياً أكثر من 25 في المئة.
لكن في المقابل تتوقع غرفة تجارة الأردن ارتفاعاً في أسعار القهوة خلال العام المقبل أيضاً وفقاً لقطاع المواد الغذائية الذي يقول إن سعر كيلو القهوة في السوق الأردنية يراوح ما بين ثمانية و16 ديناراً، ما يعادل 11.28 - 22.56 دولار أميركي.
يضيف ممثلون عن هذا القطاع أن بعض أنواع القهوة ذات الجودة العالية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في السوق المحلية، لكن هناك بعض الأنواع لا تزال أسعارها مستقرة، حيث يجري تداول أكثر من 170 صنفاً في الأسواق العالمية تختلف في جودتها وعلاماتها التجارية.
في سياق متصل، فإن ارتفاع أسعار القهوة في الأردن لم يؤثر في المستهلكين فحسب، بل امتد تأثيره إلى العمالة في قطاع المقاهي الذين باتوا مهددين بتخفيض رواتبهم أو تقليص الحماية الاجتماعية لهم كالتأمين الصحي.
ولا يشكل قطاع القهوة حصة وازنة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن له تأثيراً غير مباشر في عدد من المجالات الاقتصادية كقطاع التجارة والتجزئة وخدمات الضيافة والنقل والتوزيع والتعبئة.