كان أول ظهور للتصوير الفوتوغرافي في مصر أواخر القرن التاسع عشر على يد الخواجة المجري "بيلا"، الذي كان يتقن أمراً عدّه المصريون آنذاك درباً من دروب السحر، إذ كيف يمكن أن يجد الإنسان صورته في ورقة يمسكها بيده بعد أن يجلس أمام تلك الآلة الساحرة، التي لم يشاهد لها مثيلاً من قبل، ومع مرور الوقت تقبّل المصريون الفكرة وأقبلوا عليها، بل أصبح البعض عاشقاً للتصوير الفوتوغرافي، وتعاقبت الأجيال ومرت السنوات وبقي "استوديو بيلا" قائماً، تشهد على أصالته ألبومات الصور العائلية المصرية، والتي حفظتها الذاكرة والتاريخ أبّاً عن جدّ، لتتيح لنا فرصة استعادة الحنين للتقليب فيها. (مرفق غاليري لصور نادرة ومميزة)
الحنين إلى الصورة القديمة
وعلى الرغم من التقنيات الحديثة في التصوير فإن "استديو بيلا" لا يزال يقدم لرواده فرصة دخول آلة الزمن، والحصول على صورة فوتوغرافية بتلك الكاميرا القديمة، التي أبهرت المصريين منذ 130 عاما، ولا تزال تترك بهم الأثر ذاته تحت أثر الحنين.
أشرف محيي الدين، الشهير بأشرف بيلا، يقول لـ"اندبندنت عربية"، "أنشئ المكان عام 1890 على يد الخواجة المجري بيلا، وهو أول استوديو تصوير في مصر والوطن العربي، وكان حدثا غريبا على الناس لعدم معرفة التصوير الفوتوغرافي آنذاك إلى أن هاجر الخواجة بيلا من مصر عام 1940 بعد إخراج الإنجليز للمجريين من مصر، وترك الاستديو لشخص لبناني، ظل يديره، وشاركه جدي فهمي باشا علام، الذي كان مهتماً بالفن".
يتابع محيي الدين "بعد فترة باع الشريك اللبناني حصته لتؤول ملكيته بالكامل إلى عائلتي وتتوارثها الأجيال من وقتها وإلى الآن، وظل المكان الوحيد للتصوير في القاهرة لسنوات طويلة، وبعدها ظهرت استوديوهات التصوير تباعاً، وكان معظم ملاكها من الأرمن في هذا الوقت، لكن لم يبق منها سوى استوديو بيلا".
أهل الفن والسياسة
يضيف، "استوديو بيلا كان المكان المفضل للتصوير لأهل الفن والسياسة حتى من قبل أن يؤول إلى عائلتي، فمعظم الفنانين مروا عليه منذ أيام علي الكسار وإسماعيل ياسين مروراً بكبار المخرجين الذين كانوا يرسلون إلينا الوجوه الجديدة، الذين أصبحوا أشهر نجوم مصر، لعمل (اختبار الكاميرا)".
يتابع محيي الدين، "نستطيع القول أننا صوّرنا معظم نجوم مصر من كل الأجيال، وعلى المستوى السياسي صورنا جميع أفراد العائلة المالكة والحاشية الملكية والملك فاروق، كان يتم الذهاب لتصويره في القصر كما صوّر والدي الرئيس عبد الناصر وأبرز السياسيين في مرحلة ما بعد ثورة يوليو 1952، والرئيس السادات وزوجته السيدة جيهان".
عادة مصرية
مع سهولة التصوير الآن، وعدم احتياجه لإجراءات معقدة، ووجود كاميرا في هاتف كل شخص، واعتماد الناس على أنفسهم بشكل كبير على التقاط صور توثق ذكرياتهم وأحداثهم المختلفة، فهل لا يزال الجلوس في استوديو وسط أجهزة ومعدات وإضاءة، والتقاط صورة بعين مصور محترف تَخرج لصاحبها على هيئة كارت يحمل توقيع المصور تستهوي الناس؟
يقول محيي الدين، "في مراحل سابقة كان التصوير جزءاً من ثقافة الشعب المصري بكل مستوياته، وكان الحضور إلى ستوديو التصوير حدثاً مهماً للشخص، يهتم بأن يقوم كل فترة بالذهاب لالتقاط صورة له وهو في كامل أناقته، كما كانت صورة العائلة طقساً مهماً لدى كثير من العائلات المصرية، بداية من صورة الزفاف ومن بعدها الأولاد والأحفاد وأحفاد الأحفاد فتظل تكبر مع السنوات حتى تصل إلى عدد كبير من الأشخاص، وهذا يحتاج إلى مساحة كبيرة ومصور فنان ليظهر كل هذا العدد بصورة جيدة، وصورة العائلة كانت تتم بشكل دوري كل عام، أو كل أشهر عدة عند كثير من العائلات المصرية وإلى الآن، وحتى مع وجود كاميرا في هاتف كل شخص لا يزال هناك بعض الناس يدرك قيمة الصورة في استديو التصوير بعدسة مصور محترف، فطبيعة التجربة ككل مختلفة، وبالتالي النتيجة والجودة مختلفتان".
يضيف "الكاميرا القديمة لـ(استديو بيلا) لا تزال موجودة، وهي كاميرا (لينهوف)، ألمانية المنشأ، عمرها 120 سنة، وتعمل حتى الآن، نأتي بأفلامها من الخارج والأحماض نصنعها بأنفسنا، والمعمل موجود بالكامل إضافة إلى الإضاءات والكشافات الخاصة بها، وكل مستلزمات التصوير، فالمكان عبارة عن متحف للتصوير، وحتى الآن هناك من يطلب التصوير بها، ويأتينا أجانب أثناء زيارتهم لمصر للتصوير بهذه الكاميرا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح "بشكل عام أي مصور محترف لابد أن يلم بالقديم، لأنه الأساس فالإضاءة والتصوير الأبيض والأسود هو فن تُعبّر من خلاله عن شخصية من يتم تصويره، وكل حالة لها إضاءة معينة وزاوية معينة والرتوش التي تتم باليد على الصورة تحتاج لخبرة ومهارة عالية تُكسِب المصور حرفية كبيرة، حتى لو اعتمد بعد ذلك على برامج معالجة الصور مثل الفوتوشوب لتخرج الصورة في النهاية بعين المصور، وكأنها لوحة فنية مكتملة".
شهاب محــيي الدين، الابن الأصغر، الذي يمثل الجيل الرابع للعائلة يـــقول، "كانت لنا الريادة في دخول التصوير الفوتوغرافي إلى مصر، ومع التطور وظهور التكنولوجيا الحديثة في التصوير كنا من بين الأوائل الذين أدخلوا الكاميرات الديجيتال في مصر، وإلى جانب التكنيك القديم أصبحنا نوفر أحدث الكاميرات والمعدات المتعلقة بالتصوير، ولنا الآن أعمال في كل مجالات التصوير، إذ نصور بوسترات الأفلام والمسلسلات وبرامج القنوات الفضائية، إضافة إلى المنتجات والإعلانات، فأهم ما يميزنا هو الجمع بين الخبرة والتكنيك القديم الذي اكتسبناه وتعلمناه وتوارثته العائلة، ووجودنا الدائم منذ الطفولة بين معدات التصوير، والجديد الذي نسعى دائماً لمواكبته لنحقق المعادلة الشاملة، ليبقى ستوديو بيلا رمزا من رموز التصوير الفوتوغرافي في مصر".