ملخص
يواجه نحو 300 ألف من سكان الفاشر العالقين صعوبات بالغة في الخروج من جحيم المعاناة بسبب التوترات الأمنية وأخطار القصف المدفعي المتبادل والمستمر بين طرفي الصراع. ويعيش الفارون من هذه المدينة، غالبيتهم من النساء والأطفال، أوضاعاً إنسانية مأسوية بسبب النقص الحاد في الغذاء ومياه الشرب والمأوى.
في وقت ساد الهدوء الحذر، أمس الجمعة، مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد صد الجيش السوداني هجوماً عنيفاً نفذته قوات "الدعم السريع" على المدينة من ثلاثة محاور، في محاولة للسيطرة عليها باعتبارها آخر معاقل الجيش في هذا الإقليم، استهدفت مسيرات "الدعم السريع"، بعيدة المدى، قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال أم درمان، والقيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم.
ويواجه نحو 300 ألف من سكان الفاشر العالقين صعوبات بالغة في الخروج من جحيم المعاناة بسبب التوترات الأمنية وأخطار القصف المدفعي المتبادل والمستمر بين طرفي الصراع. ويعيش الفارون من هذه المدينة، غالبيتهم من النساء والأطفال، أوضاعاً إنسانية مأسوية بسبب النقص الحاد في الغذاء ومياه الشرب والمأوى، إذ ينتشر آلاف النازحين في العراء على طول الطريق المؤدي إلى منطقة طويلة (تبعد 64 كيلومتراً جنوب الفاشر)، في حين تعاني الفاشر أزمة مياه خانقة بسبب تعطل شبكة الإمداد الرئيسة بعدما استولت "الدعم السريع" منذ أشهر عدة على خزاني قولو وشقرة غرب المدينة.
وبحسب الإدارة العامة لمياه المدن في مدينة الفاشر، فإن أربع محطات رئيسة لتوزيع المياه توقفت تماماً عن العمل بسبب الهجمات المتكررة التي استهدفت البنية التحتية للمياه، بخاصة في مناطق أولاد الريف، مما أدى إلى انقطاع كامل للمياه، مما يهدد بحدوث كارثة إنسانية، مشيرة إلى أن التدمير الذي لحق بالخزانات أدى إلى توقف المصارف والمحطة الرئيسة، في وقت تعاني فيه الآبار العاملة نقص الوقود، وتسببت هذه الأزمة في ارتفاع أسعار المياه بصورة كبيرة.
وتشهد الفاشر التي تعد مركزاً عسكرياً مهماً نظراً إلى موقعها الجغرافي وسط دارفور، إضافة إلى كونها بوابة حيوية لباقي ولايات الإقليم، منذ أكثر من 10 أيام، تصاعداً في القتال أدى إلى سقوط مئات القتلى والجرحى خلال الأيام الماضية.
قلق أممي
من جانبه أعرب مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك عن قلقه إزاء تدهور أوضاع حقوق الإنسان في الفاشر ومحيطها. وقال تورك، في بيان، "تزايدت خلال الأيام الأخيرة أعداد الضحايا المدنيين، كما تصاعدت الاعتداءات على العاملين في المجال الإنساني، فضلاً عن ارتفاع حالات العنف الجنسي، مع تكثيف قوات ’الدعم السريع‘ هجماتها على المدينة والمخيمات المجاورة للنازحين"، ووفقاً للبيان أيضاً "لقي ما لا يقل عن 129 مدنياً مصرعهم في مدينة الفاشر، ومنطقة أم كدادة، ومخيم أبو شوك للنازحين خلال الفترة من 20 إلى 24 أبريل (نيسان) الجاري، كما قتل ما لا يقل عن 481 مدنياً في شمال دارفور منذ 10 أبريل"، وتابع أن "الهجمات ذات الطابع العرقي التي تستهدف مجتمعات بعينها عادت إلى الواجهة في دارفور في تكرار لنمط الانتهاكات الواسعة التي شهدتها مناطق مثل الجنينة وأجزاء أخرى من غرب دارفور عام 2023 عندما سيطرت قوات ’الدعم السريع‘ وميليشيات متحالفة معها على تلك المناطق".
وأعرب تورك عن قلقه إزاء شهادات عن اختطاف أشخاص من مخيم زمزم للنازحين، "وتعرض نساء وفتيات وفتيان للاغتصاب الفردي والجماعي داخل المخيم أو أثناء محاولتهم الفرار من الهجمات"، مشيراً إلى أن مصير كثير من الأشخاص المحاصرين داخل المخيم ما زال مجهولاً. وشدد المفوض الأممي على ضرورة السماح للمدنيين بمغادرة الفاشر والمناطق المحيطة بها بصورة آمنة، وتوفير الحماية لهم عند وصولهم إلى مناطق أكثر أمناً، داعياً جميع الأطراف إلى وقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني فوراً، ووضع حد لهذه الحرب العبثية.
توتر بالخرطوم
في الأثناء، عاد التوتر، مجدداً، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، حيث قامت مسيرات استراتيجية بعيدة المدى تابعة لـ"الدعم السريع" بقصف قاعدة وادي سيدنا العسكرية، شمال أم درمان، التابعة للجيش، مما أدى إلى سماع دوي انفجارات قوية في نواحي القاعدة، كذلك تعرضت القيادة العامة للجيش وسط الخرطوم إلى قصف مدفعي نفذته "الدعم السريع" من منصاتها بجنوب أم درمان، حيث شوهدت أعمدة الدخان تتصاعد بكثافة في سماء المنطقة. ووفقاً لمصادر عسكرية، فإن المدفعية الثقيلة التابعة للجيش تعاملت مع أهداف لهذه القوات في منطقة صالحة جنوب أم درمان، وأجزاء من غرب أم درمان. وأشارت المصادر إلى تعرض نقاط ارتكاز عدة بجنوب أم درمان تابعة للجيش السوداني لهجوم من قبل "الدعم السريع"، لكن الجيش تمكن من التصدي لهذا الهجوم بنجاح موقعاً خسائر كبيرة في صفوف المهاجمين.
وفي ضوء هذه التهديدات قصف الجيش بالمدفعية الثقيلة مواقع "الدعم السريع" بمنطقة صالحة، حيث دارت لاحقاً مواجهات برية بين الطرفين. وتطوق متحركات للجيش آخر جيوب "الدعم السريع" الموجودة في غرب وجنوب أم درمان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استهداف نازحين
في غضون ذلك، لقى 11 شخصاً حتفهم وأصيب آخرون، الجمعة، إثر قصف شنته طائرة مسيرة تابعة لـ"الدعم السريع" استهدف مركزاً لإيواء النازحين ومحطة للتوليد الكهربائي بمدينة عطبرة بولاية نهر النيل (تبعد 310 كيلومترات شمال الخرطوم). وقال شهود إن طائرات مسيرة أطلقت أربعة صواريخ، مما أحدث انفجارات عنيفة وتصاعدت أعمدة دخان كثيفة فوق مركز الإيواء والمحطة التحويلية، وأكدت شبكة أطباء السودان أن القصف على مركز الإيواء أدى إلى مقتل 11 شخصاً وإصابة 22 آخرين.
ووقف النائب العام في السودان الفاتح طيفور على أوضاع المصابين بمستشفى "الشرطة" في عطبرة، كما زار المشرحة التي نقلت إليها جثامين الضحايا، ووجه بفتح دعوى جنائية عاجلة ضد مرتكبي هذه الجريمة "تشمل المحرضين والمشاركين في استهداف المدنيين والأعيان المدنية مع تأكيد تسريع إجراءات تقديم الجناة للعدالة".
وأعلن مجلس التنسيق الإعلامي بشركة كهرباء السودان أن محطة عطبرة التحويلية تعرضت لاعتداء بالمسيرات للمرة الرابعة خلال فترة وجيزة، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر.
وتأتي هذه الهجمات الجوية المكثفة بعد تهديدات أطلقها نائب قائد قوات "الدعم السريع" عبدالرحيم دقلو باجتياح ولايتي الشمالية ونهر النيل.
إسهالات مائية
إلى ذلك يعاني سكان أحياء جنوب الخرطوم حالات صحية عدة، ولا سيما الإسهال وحمى الضنك والملاريا، أسفرت عن وفاة ما لا يقل عن خمسة أشخاص خلال أسبوعين وسط تحذير من انهيار الوضع الصحي. وأوضح بيان صادر عن غرفة طوارئ جنوب الحزام أن منطقة جنوب الخرطوم تواجه أوضاعاً صحية متدهورة في ظل تزايد معدلات الإصابة بأمراض خطرة، تعزى مباشرة إلى تداعيات الحرب وما خلفته من ترد في الخدمات الصحية وتدهور في الأوضاع المعيشية. ونوه البيان بأن المرافق الصحية بالمنطقة سجلت 52 حال إصابة بإسهالات مائية حادة، وسط ضعف الاستجابة الصحية وانعدام البنى التحتية اللازمة لاحتواء الأوبئة، كما سُجلت 75 حال إصابة بالملاريا وسط انعدام تام للأدوية الوقائية، مما يزيد من احتمالات تفشي المرض على نطاق واسع، وأشار البيان إلى أنه تم تأكيد تسجيل ثلاث إصابات بحمى الضنك.
وكان الجيش استعاد أخيراً منطقة جنوب الحزام، التي تضم أحياء مايو والإنقاذ والأزهري والسلمة وغيرها، والتي ظلت منذ الأيام الأولى لبدء النزاع تحت سيطرة "الدعم السريع".
وقبيل استعادة الجيش المنطقة تعرضت المرافق الصحية والصيدليات للنهب الكامل والإتلاف مما أدى إلى توقفها عن العمل، ومن ثم زادت الأوضاع الصحية سوءاً.