بين مرحلة الإشارة إليه بـ "ذاك المرض" أو "ذاك الخبيث" التي شهدنا فيها حرصاً على إخفاء معالمه وآثاره في المظهر، والمرحلة الحالية في التعاطي مع السرطان التي تغلب عليها الجرأة والتحدي والإيجابية، تطورات بارزة لا يمكن التغاضي عنها.
اعتدنا منذ سنوات مضت في مجتمعنا على التعاطي مع السرطان من موقف ضعف وخوف في محاولة لإخفاء وجوده أمام المجتمع أو حتى أمام أنفسنا. أما اليوم فيبدو واضحاً أن تغييرات كثيرة حصلت فانعكست بشكل واضح على الأرض بالحديث علناً عن تجربة المرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الإعلام سواء على صعيد المشاهير أو الناس بعامة. كما تبرز اليوم الجرأة في إطلالة السيدات اللواتي يتحدين المرض من دون شعر مستعار فتظهرن واثقات بجاذبيتهنّ التي تعكس كل معاني التحدي والإيجابية.
ازدياد الجرأة
لم يعد اليوم من مبرر لإخفاء الإصابة بالسرطان. كما لم يعد وارداً التحدث عنه من موقع ضعف. فالمشكلة لم تكن يوماً في المريض نفسه، بل في المجتمع الذي لعب دوراً في مرحلة ما، في إضعاف المريض بوسائل مختلفة بزيادة الضغوط عليه من خلال التخوّف الزائد من المرض أو التهرب من الاعتراف بوجوده أو بنظرة الشفقة أو التعامل معه بضعف وقلق.
فيما نشهد رواجاً لإطلالات مريضات السرطان من دون شعر مستعار بعد تساقط شعرهنّ، وهو ما لم يكن وارداً ومقبولاً قبل سنوات. من النجمات والمشاهير من كنّ السباقات في إطلالة لافتة من دون شعر مستعار في فترة صراعهنّ مع المرض، ومنهنّ زهرة الخرجي التي حلقت شعرها خلال برنامج تلفزيوني وريم البنا ودينيز أوغور وغيرهنّ حتى كثرت الحالات التي برز فيها التحدي الواضح للمرض أو ربما للمجتمع أيضاً.
ريتا عيد: أشاد الكل بإطلالتي
بعد أن تساقط شعر السيدة ريتا عيد بعد خضوعها للجلسة الرابعة من العلاج الكيماوي جراء إصابتها بسرطان الثدي، لم تتردد في حلاقته لانزعاجها الشديد من تساقطه في كل مكان بشكل مزعج. تقول "عندما حلقت شعري لعب المزين دوراً في جعلي أتقبّل شكلي. فقد عبّر عن إعجابه بشكل رأسي وبإطلالتي بهذا الشكل فزادني جرأة لأطل من دون شعر مستعار على الرغم من أنني كنت قد اشتريته مسبقاً. كما رآني زوجي بعدها وأعجب بشكلي فأسعدني ذلك ووثقت بنفسي فتعاطيت مع الموضوع بمزيد من الجرأة ومعنويات مرتفعة. عبّر كل من كان يراني عن إعجابه بمظهري الذي بدا جذاباً ولافتاً بعكس ما كنت أتصور. كنت أضع الماكياج وأتزين وأخرج سعيدة بما أنا عليه".
قد تتحلّى المريضة بالجرأة والعزم في تحدّي المرض، لكن لا يمكن أن ننكر أن المجتمع يلعب دوراً سلبياً أحياناً فيسهم في إضعافها من خلال تعليق أو نظرة ربما. أما السيدة عيد فلم تسمح لأمور سلبية من هذا النوع أن تؤثر فيها. فقد قبلت التحدي من البداية بإيجابية وأمل وقررت المتابعة به حتى النهاية.
وتوضح "كنت أحرص على رسم حاجبي لكن بالنسبة إلى التعليقات وردود الفعل والنظرات كانت كلّها إيجابية. لم أنزعج يوماً من مظهري أو تساقط شعري بل كنت سعيدة بمظهري هذا. لم أخشَ يوماً نظرات الناس أو تعليقاتهنّ، بل كنت أخرج إلى عملي بشكل طبيعي، خصوصاً أن هذا أصبح طبيعياً وكثيرات يطللنَ بهذا الشكل ولم تعد مسألة الشعر تشكل هاجساً".
جينا معربس
أما السيدة جينا معربس فقد أصيبت بسرطان الغدد اللمفاوية عام 2003. في ذاك الوقت، كما في أي وقت كان، كان من الطبيعي أن تتأثر بتساقط شعرها لما لذلك من وقع على أي امرأة ولما لمظهرها من أهمية بالنسبة إليها. وقد يكون تساقط شعر المرأة من أكثر الأمور التي تمس بالمرأة.
وتقول "كانت اللحظة التي تساقط فيها شعري من أصعب اللحظات التي مررت بها. لم يكن سهلاً عليّ تقبل ذلك. ولأنني كنت أعرف أن شعري سيتساقط، كنت قد حضّرت مسبقاً الشعر المستعار الذي وضعته في كل لحظة طوال مرحلة العلاج. في ذلك الوقت لم يكن رائجاً أن أطل من دون الشعر المستعار، بخاصة أن نظرات الناس القاسية بما تحمله من شفقه هي أصعب ما يمكن تحمّله. اليوم تبدو لي الأمور مختلفة تماماً".
الشعر المستعار من أجل أمي
أما لمى التي أصيبت بسرطان الثدي وهي في العشرينات ومعها شُخّصت إصابة والدتها في الوقت نفسه، لم تكن تحبذ فكرة وضع الشعر المستعار بل كانت تفضل إطلالتها من دونها وتتمتع بثقة زائدة بالنفس لتفعل.
منذ اللحظة الأولى نظرَت إلى المرض بإيجابية وأمل. لكن بحسب قولها "وضعت الشعر المستعار فقط من أجل أمي، فلم تتقبل يوماً رؤيتي من دونه. تفهمت إحساسها كأم وتقبّلت ذلك من أجلها. لكن بالنسبة إليّ لم أشعر يوماً بالضعف، كان همي الأكبر تحدي المرض مع أمي وأن نشفى فتصبح هذه المرحلة خلفنا".
تغيير النظرة إلى السرطان
أسباب عدة بدّلت طريقة التعاطي مع المرض والنظرة إليها في أيامنا هذه، بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية نور واكيم ومنها حملات التوعية التي تزايدت بشكل ملحوظ، خصوصاً بوجود وسائل التواصل الاجتماعي التي أسهمت في تعزيز دورها وانتشارها.
وتوضح "كما أن ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان لعبت دوراً في تسهيل عملية التحدث عنه علناً وبجرأة كبرى، بخاصة في ما يتعلّق بسرطان الثدي الذي زادت معدلات الإصابة به وأيضاً حملات التوعية حوله. هذا إضافة إلى وجود مجموعات دعم تعمل على مساندة المريض فيشارك كل بتجربته".
وتشير واكيم إلى أن انتشار عمليات التجميل أو الترميم للثدي في حال الإصابة بالسرطان، سهّل الأمور على المريضة التي كانت تجد صعوبة في تقبّل نتائج المرض على مظهرها. أما بوجود هذه الجراحات اليوم فأصبح وقع المرض أخف لجهة تأثيره في مظهرها كونه يمسّ بأنوثتها بشكل أساسي.