جسدت جلسة البرلمان العراقي اليوم الخميس، حال القطيعة بين النخبة السياسية والشارع، على الرغم من موجة احتجاجات شعبية غير مسبوقة، قوبلت بعنف حكومي مفرط، تسبب في سقوط آلاف الضحايا بين قتيل وجريح، فضلاً عن مئات المعتقلين.
البرلمان منشغل عن الاحتجاجات
عقد البرلمان مساء الخميس جلسة مخصصة لمناقشة جانب من مطالب المتظاهرين، بعد تأجيل موعدها لساعات، كشفت عن عمق الأزمة في السياسة العراقية. وبدلاً من أن ينشغل البرلمان فعلاً بمناقشة مطالب المحتجين، التي تبدأ من توفير فرص العمل، ولا تنتهي عند إسقاط النظام السياسي، خاضت الكتل النيابية مناقشات عقيمة بشأن ملء حقائب شاغرة في الحكومة العراقية، واستبدال وزراء متهمين بالفساد والتقصير وسوء الإدارة.
لم تسمح جميع الكتل السياسية لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي المساس بوزرائها في الحكومة، في إشارة صريحة إلى تمسك الأحزاب العراقية بنهج المحاصصة، الذي كان سبباً رئيساً في تفجر موجة الاحتجاج الأخيرة.
قدم عبد المهدي قائمة تضم مرشحين اثنين لشغل حقيبتي التربية والصحة الشاغرتين، وثلاثة مرشحين لحقائب أخرى يريد استبدال وزرائها. وبينما أعلنت معظم الكتل السياسية عبر مؤتمرات صحافية وبيانات استعدادها لتلبية مطالب المتظاهرين المشروعة، رفضت في الكواليس طلب عبد المهدي استبدال بعض الوزراء في كابينته.
ملء حقيبتي التربية والصحة
صوّت البرلمان العراقي على تسمية سها العلي وزيرة للتربية، وجعفر صادق علاوي وزيراً للصحة، وهما وزيران تبين لاحقاً أنهما حزبيان أيضاً، إذ تنتمي العلي إلى حزب رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وعلاوي إلى ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، ما اعتُبر في أوساط المراقبين تكريساً لنهج المحاصصة.
لم يكتف البرلمان بهذا القدر من التعاطي المصلحي مع ملف التغيير الوزاري، على حد وصف مراقبين، بل تجاوز إلى إخلال النصاب لدى عرض أسماء المرشحين للوزارات الثلاث، أي الاتصالات والهجرة والصناعة، لتُرفع الجلسة، وسط استغراب المتابعين.
في مواجهة الشارع
مثل هذا التطور، إشارة واضحة إلى عجز رئيس الوزراء عن اختيار أعضاء كابينته، لكنه مثّل أيضاً دليلاً على رفض الأحزاب السياسية التنازل عن حصصها في الحكومة، ما يضع عبد المهدي في مواجهة الشارع مجدداً، وينذر بتجدد التظاهرات.
في سياق متصل، اعتبر مراقبون أن موقف البرلمان في جلسة الخميس يعكس استهانة الطبقة السياسية بحركة الاحتجاج، التي يُتوقع أن تعيد نشاطها في أي وقت، بخاصة مع المناورات الحكومية الشكلية لاستيعاب غضب المحتجين.
وكانت الحكومة أصدرت حزمة واسعة من القرارات، التي تتعلق بتوفير الوظائف وتقديم تسهيلات للقطاع الخاص، لكن تنفيذها ليس مضموناً، بسبب الالتزامات المالية الكبيرة التي تتطلبها. ومع عجز الموازنة العراقية عن تغطية المتطلبات الأساسية المحددة سلفاً، يعتقد نواب في البرلمان العراقي وساسة أن الإجراءات الجديدة، ربما تبقى حبراً على ورق.
وتأتي هذه التطورات، بالتزامن مع تحذيرات تصدر من داخل الوسط السياسي، بشأن الخشية من ازدياد القطيعة بين الطبقة السياسية والجمهور، بسبب رفضها التخلي عن أي من مكاسبها القائمة على وجود الحكومة العراقية بصيغتها الحالية.
بدا رئيس الوزراء عاجزاً عن مواجهة تغول الأحزاب السياسية، بعد أيام من إشرافه شخصياً على قيادة مواجهة ناجحة، بحسابات الحكومة، مع المتظاهرين، أسفرت عن مقتل نحو 200 منهم، وجرح قرابة سبعة آلاف، إلى جانب مئات المعتقلين.
إيران... الحليف الوحيد
ولم تبد أي دولة تعاطفاً مع إجراءات الحكومة العراقية، باستثناء إيران، التي توصف الآن بأنها "الحليف الوحيد لرئيس الوزراء العراقي".
في المقابل، نشرت السفارة الأميركية في بغداد صيغة مختلفة، عن تلك التي نشرها عبد المهدي لتفاصيل مكالمة بين رئيس الوزراء العراقي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. وبينما ذكر مكتب عبد المهدي أن الوزير الأميركي قال إنه يثق بالقوات العراقية وهي تتعامل مع المتظاهرين، قالت السفارة الأميركية إن بومبيو طالب بمحاسبة الأطراف التي تورطت في انتهاك حقوق الإنسان، ما يعكس اضطراب العلاقة بين بغداد وواشنطن.
وتقول مصادر مطلعة لـ "اندبندنت عربية"، إن طهران ربما تتدخل عبر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني لدى الأطراف المقربة منها، لإقناعها بمنح عبد المهدي مساحة إضافية، تساعده في مواجهة الاحتجاجات، في ظل الضغط الكبير الذي يواجهه في الداخل، والحرج الواسع في الخارج نتيجة الاستخدام المفرط للعنف.