ملخص
الجيش السوداني و"الدعم السريع" يتبادلان قصف المدن في إقليمي كردفان ودارفور، وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان يريد إخلاء الخرطوم من المظاهر المسلحة غير المنضبطة.
وصل رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس، إلى مصر اليوم الخميس في زيارة رسمية، يجري خلالها مباحثات مع نظيره المصري مصطفى مدبولي، تتعلق بتعزيز العلاقات بين البلدين. ورافق إدريس في الزيارة وزير الثقافة والإعلام والسياحة، ووزير الدولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي، وعدد من المسؤولين بحسب وكالة الأنباء السودانية الرسمية (سونا).
وتبادل الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" أمس الأربعاء القصف الجوي والمدفعي العنيف على مدينة الأبيض، عاصمة شمال كردفان، ومدينة نيالا، حاضرة ولاية جنوب دارفور، التي تتخذ منها حكومة "تأسيس" الموازية مقراً وعاصمة إدارية لها.
وشنت "الدعم السريع" الأربعاء هجوماً عنيفاً بالمدفعية الثقيلة على الأبيض، قصفت خلاله عشوائياً الأحياء السكنية وبعض المواقع الخدمية، بينما ردت الفرقة الخامسة مشاة للجيش بقصف مضاد على مصادر النيران بالاتجاهين الشمالي والغربي للمدينة.
كما ذكر شهود أن طائرات مسيرة حلقت فجر أمس في سماء الأبيض، وتصدت لها المضادات الأرضية للجيش.
في المقابل نفذت مقاتلات الجيش ثلاث غارات على مدينة نيالا، شملت المطار ومبنى الاستخبارات التابع لـ"الدعم السريع" بالمدينة. كما هاجم طيران الجيش مناطق المزروب وأبو قعود في محيط مدينتي الأبيض وبارا بشمال كردفان، وأحدثت الغارات خسائر كبيرة بمطار نيالا وحيدت عشرات من عناصر الميليشيات، بجانب تدمير مجموعة كبيرة من المركبات القتالية، بحسب مصادر عسكرية.
غارات متتالية
وأوضحت المصادر أن الغارات الجوية المتتالية تأتي ضمن عمليات الجيش المتواصلة بهدف استعادة السيطرة على مواقع حيوية بكردفان، وشل المطارات والمهابط لتجفيف منابع الإمداد الجوي للميليشيات بدارفور.
ويخوض الجيش وحلفاؤه معارك شرسة ضمن عملية عسكرية واسعة بشمال كردفان، لتأمين مدينة الأبيض من هجوم كبير محتمل هددت به "الدعم السريع"، وحشدت قواتها له على بعد نحو 50 كيلومتراً غرب المدينة.
وقالت قوات "الدعم السريع" بمنصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، إن قواتها تقدمت نحو قرية "أم رماد"، وباتت تحاصرها من ثلاثة اتجاهات (الغرب والشمال والجنوب).
وكانت قوات "الدعم السريع" أعلنت قبل أيام سيطرتها على منطقتي "أبو قعود" و"أبو حراز"، غرب عاصمة شمال كردفان.
مذبحة "أم البدري"
في غرب كردفان اتهمت غرف طوارئ دار حمر "الدعم السريع" بقتل 30 شخصاً في الأقل، في مدينة النهود وسوق أم البدري.
وأوضح تعميم للغرفة أن الميليشيات قتلت 27 من المعتقلين لديها داخل مزارع "أبو خريطيش" ومحيط مصنع الثلج وسط مدينة النهود، بسبب عدم تمكن أهاليهم من دفع الفدية التي طالبت بها للإفراج عنهم. كما قتلت في حادثة منفصلة ثلاثة مواطنين رمياً بالرصاص في سوق "أم البدري"، 35 كيلومتراً شرق المدينة، بسبب رفضهم التوقف في إحدى نقاط ارتكازها.
وتشهد مناطق بغرب كردفان وشمالها توتراً متصاعداً وهجمات متكررة من "الدعم السريع" على القرى والأرياف، بخاصة بعد خسارتها العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وسنار والنيل الأبيض، وتراجعها وتموضع قواتها في إقليمي كردفان ودارفور بغرب البلاد.
نداء استغاثة
في محور دارفور، وإزاء التدهور المطرد للأوضاع الإنسانية، وتسارع تفشي وباء الكوليرا بالإقليم، أطلقت "شبكة أطباء السودان" نداء استغاثة عاجلاً للسلطات المحلية والمنظمات الدولية لإنقاذ سكان الفاشر عاصمة شمال دارفور، إثر وصول الجوع للمرحلة الثالثة.
وتعيش الفاشر حصاراً خانقاً وقصفاً مدفعياً وهجمات متتالية منذ أكثر من عام، أدى إلى شح غير مسبوق في السلع والخدمات الأساسية، وارتفاع أسعارها بنسبة 460 في المئة مقارنة ببقية ولايات السودان، وفق برنامج الغذاء العالمي.
وأوضح بيان للشبكة أن مستويات الجوع بالمدينة بلغت المرحلة الثالثة (الطوارئ)، بحسب التصنيفات الدولية لانعدام الأمن الغذائي، مما يعرض آلاف الأطفال والنساء إلى خطر الموت بالجوع.
وأكد البيان أن "آلاف الأسر في الفاشر تعاني نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، في ظل انعدام انقطاع الإمداد نتيجة للحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية من الدعم السريع".
وناشدت الشبكة "الضمير العالمي التدخل العاجل لرفع الحصار عن المدينة، وفتح ممرات آمنة لإدخال مساعدات الغذاء والدواء والمياه".
وحذر نائب حاكم الإقليم مصطفى تمبور من تفاقم الكارثة الإنسانية في الفاشر، بسبب حصار "الدعم السريع" المستمر لأكثر من عام، مما هدد حياة آلاف المدنيين بصورة مباشرة في ظل انعدام الخدمات الأساسية وارتفاع الأسعار واستمرار القصف العشوائي.
وكشف تمبور عن تنسيق بين الحكومة الإقليمية والقوات النظامية، بهدف تنفيذ خطة شاملة لكسر الحصار على المدينة، وتأمين الطرق المؤدية إليها لضمان إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة وحماية المدنيين. وأضاف أن "العمليات العسكرية تسير وفق ما هو مخطط له، والجيش يحرز تقدماً ملموساً على محاور عدة في دارفور وكردفان".
أرواح على المحك
على نحو متصل حذر "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة من أن "العائلات المحاصرة داخل مدينة الفاشر تواجه خطر المجاعة، نتيجة إغلاق جميع الطرق المؤدية إليها جراء الحصار، وانعزالها التام عن المساعدات الإنسانية".
وأقر بيان البرنامج بعدم التمكن من إيصال المساعدات الغذائية براً إلى المدينة منذ أكثر من عام، مبيناً أنه يواصل تقديم مساعدات نقدية رقمية إلى نحو 250 ألف شخص داخل المدينة، لكنها لا تفي بالاحتياجات الهائلة في المدينة المحاصرة.
وأوضح المدير الإقليمي بالبرنامج لشرق أفريقيا وجنوبها إريك بيردسون، أن "الجميع في الفاشر يكافح يومياً من أجل البقاء"، مشيراً إلى أنه "بعد استنفاد جميع وسائل التكيف فإن أرواحاً كثيرة ستفقد من دون وصول فوري ومستدام للمساعدات".
في ولاية جنوب كردفان تتضاعف معاناة مدينتي الدلنج وكادوقلي (عاصمة الولاية) نتيجة الأوضاع الإنسانية الكارثية المتفاقمة، بسبب الحصار المتواصل عليهما منذ يوليو (تموز) 2023 حتى الآن، بسبب إغلاق الطريق الحيوي الرابط بينها وشمال كردفان بواسطة "الدعم السريع" وحليفتها "الحركة الشعبية - شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو، مما أدى إلى توقف تدفق المواد التموينية والمساعدات الإنسانية.
من جانبها اتهمت "الحركة الشعبية - شمال" الجيش وحكومة ولاية جنوب كردفان بدفع سكان مدينتي كادوقلي والدلنج إلى النزوح بعد مصادرة المساعدات الغذائية، وفرض التجنيد والاستنفار بصورة قسرية عليهم.
وأفاد بيان للحركة بنزوح 290 أسرة من المدينتين خلال الفترة الماضية إلى منطقة "كاتشا" غرب مدينة كادقلي، عاصمة جنوب كردفان.
البرهان لإخلاء الخرطوم من المظاهر المسلحة
وفي إطار مساعي وترتيبات تهيئة البيئة لعودة المواطنين لمنازلهم بولاية الخرطوم، شدد رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش الفريق عبدالفتاح البرهان على عزم الحكومة على إخلاء الخرطوم من جميع المظاهر المسلحة، وضبط حمل النظاميين للسلاح والتجوال في شوارع العاصمة، إلى جانب حظر تحرك العربات من دون لوحات.
وأكد البرهان، في مداخلة أثناء مؤتمر تنويري لوزير الداخلية أمس الأربعاء، أن "معارك حرب الكرامة ستستمر حتى النصر بتحرير كل أرض البلاد"، مشيراً إلى "التضحيات الكبيرة التي تمت من أجل تحرير العاصمة الخرطوم، فضلاً عن حجم الدمار الواسع الذي يكشف عن طبيعة وشراسة المعارك التي دارت داخلها".
ووجه البرهان، لدى مخاطبته اجتماع لجنة الطوارئ بولاية الخرطوم، باتخاذ كل ما يلزم من "إجراءات حاسمة لمنع حمل السلاح خارج الأطر النظامية وحصره داخل الوحدات العسكرية، بما يضمن ضبط الانفلات الأمني وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن الوطن والمواطن".
وأكد "مضي الجيش في أداء واجبه الوطني في حماية البلاد ووحدتها وسلامة أراضيها من دون أي تهاون"، مشيداً بدور الشرطة بوصفها "شريكاً أساسياً في معركة الكرامة".
مأساة في تشاد
في الأثناء، كشف والي ولاية غرب دارفور بحر الدين آدم كرامة عن أوضاع مأسوية للأعداد الضخمة للاجئين السودانيين في شرق تشاد، ووصفها بـ"المؤلمة للغاية"، نظراً إلى محدودية الخدمات المتاحة.
وأشار كرامة إلى أن "اللاجئين يواجهون تحديات إنسانية جسيمة في السكن والصحة ونقص الغذاء والدواء والتعليم والأمن، إلى جانب غياب الوثائق الثبوتية، وضعف الدعم الدولي مقارنة بحجم الكارثة التي يواجهونها"، مطالباً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه هذه الأزمة الإنسانية الكبرى.
ونوه الوالي بأن مدينة الجنينة عاصمة الولاية "تواجه أيضاً ظروفاً إنسانية وأمنية صعبة للغاية نتيجة الحرب والممارسات الإجرامية التي قامت بها الميليشيات المتمردة"، مؤكداً العمل مع الشركاء الدوليين والإقليميين لإيجاد ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تصعيد دبلوماسي
من جهة أخرى وفي تصعيد جديد بين الخرطوم وأبوظبي، منعت السلطات الإماراتية أمس الأربعاء شركات الطيران السودانية من استخدام أجوائها، ومنعت طائرة تابعة لإحدى الشركات السودانية من الإقلاع من مطار أبو ظبي.
وأصدرت سلطة الطيران المدني السودانية أمس بياناً أكدت فيه متابعتها لتطورات القرارات الإماراتية الأخيرة المفاجئة، بالتعاون مع الجهات المختصة داخل السودان، وشروعها في إعادة جدولة رحلات الركاب المتأثرين بالقرار، بالتنسيق مع شركات الطيران المحلية.
ويأتي التصعيد الجديد في سياق أزمة دبلوماسية ممتدة بين البلدين، أججها إعلان الخارجية السودانية ضبط مجموعة من المرتزقة الكولومبيين يقاتلون إلى جانب "الدعم السريع" في الفاشر، قالت إنه بدعم مباشر من دولة الإمارات، الأمر الذي سارعت أبو ظبي إلى نفيه.
ضياع جيل
أممياً، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أن السودان على أعتاب كارثة وشيكة تهدد بالقضاء على جيل كامل من الأطفال، في ظل تفاقم الأزمة المعيشية والإنسانية وانتشار المجاعة، وغياب الخدمات الأساسية وارتفاع معدلات سوء التغذية، وتراجع التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية.
وقال ممثل المنظمة بالسودان شيلدون ييت "بعد عام في السودان، رأيت أسوأ ما يمكن أن تتسبب فيه الحرب، وأفضل ما يمكن أن تقدمه البشرية للرد على ذلك، أطفال صامدون تحملوا الحرب لأكثر من عامين، لكنهم لا يستطيعون البقاء على قيد الحياة من دون مساعدة".
وأوضح ييت أن مدينتي الخرطوم وجبل أولياء وحدهما تتحملان 37 في المئة من عبء سوء التغذية في ولاية الخرطوم، بوصفهما من أكثر المناطق تضرراً من العنف وصعوبة في الوصول إليها.
وتابع "شهدت كيف أن الأطفال لا يحصلون إلا على قدر محدود من المياه الصالحة للشرب والغذاء والرعاية الصحية والتعليم، بينما ينتشر سوء التغذية، ويعاني كثيرون الفقر المدقع"، مشيراً إلى أن كل يوم يمر من دون إمكان الوصول إليهم يعرض حياتهم لخطر أكبر".
وشدد ييت على ضرورة توفير موارد إضافية، وضمان وصول آمن ومستدام للمساعدات الإنسانية، لا سيما في المناطق التي أعيد فتح الوصول إليها في الآونة الأخيرة.
وأكد ممثل "اليونيسف" أن المنظمة وشركاءها يعملون من دون كلل، لتوفير خدمات الصحة والتغذية والمياه والتعليم، وإنشاء مساحات آمنة للأطفال على رغم الأخطار، لكنه شدد على أن حجم الاحتياجات يفوق القدرة المتوفرة حالياً.