ملخص
صادرت الشرطة الوطنية الإسبانية عام 2020 ثلاث مركبات مسيرة تحت الماء صُممت لتهريب المخدرات من المغرب عبر مضيق جبل طارق كانت مجهزة بأنظمة ملاحة قابلة للتشغيل عن بُعد عبر الإنترنت وتحمل حتى 200 كلغ من الشحنات".
ما كان سراً في قاع المحيطات بدأ يطفو على خرائط أجهزة الاستخبارات حيث تحرس التنظيمات الإجرامية ورشاً بدائية تصاغ فيها هياكل معدنية كأشباح فولاذية إلى الممرات المعتمة في قلب المحيط الأطلسي، تمتد رحلة "غواصات النركو" المحملة بأطنان الكوكايين ومركبات تهريب بلا بشر، تنزلق تحت سطح الماء في صمت كامل متخفية عن أعين الرادارات وكمائن الدوريات، تربط الموانئ البعيدة بأسواق أوروبية متعطشة للمخدرات.
هذه الوسيلة التي ظلت مرتبطة بالسواحل الإسبانية والكاريبية تقترب اليوم من أن تصبح واقعاً يهدد المياه البريطانية، فالتقارير الأمنية تحذر من أن ما يُضبط في عرض البحر ليس سوى الجزء الظاهر من جبل جليد يخفي معظمه تحت الأمواج، وأن دخول هذه "الأشباح البحرية" إلى مسرح التهريب في المملكة المتحدة قد يفتح فصلاً جديداً من حرب المخدرات تُحسم معاركه في صمت الأعماق قبل أن تكشف اليابسة آثارها.
سلاح تهريب غير مألوف
في تحول نوعي لأساليب التهريب عبر الأطلسي حذر متخصص من "أن شبكات الجريمة المنظمة قد شرعت بالفعل في اختبار ’غواصات نركو’ مسيرة ومحملة بالكوكايين لإيصال الشحنات إلى مشارف بريطانيا، في سيناريو ينقل المواجهة من سطح البحر إلى عمقه ويقلص أثر "عنصر البشر" في سلسلة الجريمة.
وعلى مدى أعوام اعتمدت عصابات أميركا الجنوبية نمطاً متكرراً لإخفاء المخدرات داخل سفن الحاويات ثم إسقاط الطرود في عرض البحر ليستعيدها شركاء محليون بقوارب صيد أو قوارب مطاطية صلبة الهيكل. ووفق الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة فتح عام 2024 60 تحقيقاً في حوادث من هذا النوع ضُبط كثير منها بواسطة سفن خفر الحدود غير "أن المخاوف تتمحور اليوم حول انتقال المهربين إلى مركبات غير مأهولة تحت الماء".
من جهته، يقول المتخصص البريطاني بيتر والش مؤلف كتاب "حرب المخدرات التاريخ السري"، إن الفكرة ممكنة الوقوع وإن لم ترِد أدلة قاطعة بعد، موضحاً أن تهريباً بلا أطقم يوفر ميزة مضاعفة حماية البضاعة وتحييد نقطة الضعف البشرية في آنٍ واحد".
ونقلت عنه صحيفة "ديلي ميل" البريطانية قوله، "تاريخياً استخدمت العصابات غواصات شبه مغمورة يقودها أشخاص بل وغواصات كاملة لعبور الأطلسي، وسُجل أول ظهور لأداة تهريب كهذه في أوروبا قبالة إسبانيا عام 2006، ثم أوقِفت عام 2019 سفينة بطول 65 قدماً قرب سواحل غاليسيا وعلى متنها ثلاثة رجال ويُرجح أنها قطعت نحو 4778 ميلاً بحرياً من كولومبيا".
غواصات بلا بشر
تؤكد الصحيفة البريطانية "أن الشرطة الوطنية الإسبانية صادرت عام 2020 ثلاث مركبات مسيرة تحت الماء صُممت لتهريب المخدرات من المغرب عبر مضيق جبل طارق كانت مجهزة بأنظمة ملاحة قابلة للتشغيل عن بُعد عبر الإنترنت وتحمل حتى 200 كلغ من الشحنات".
أما الغواصات المأهولة فمعظمها يُصنع يدوياً على نحو بدائي، وفي عام 2024 أنقذت السلطات الإسبانية أربعة كولومبيين أغرقوا عمداً غواصة شبه مغمورة للتخلص من الحمولة عند اقتراب الدوريات، فيما تُقدر الأجهزة الأمنية "أن ثلاث غواصات فقط ضبطت قرب إسبانيا مقابل نحو 30 ربما أفلتت من الرصد، وخلال حادث آخر هذا العام أُوقفت غواصة شبه مغمورة في الأطلسي وعلى متنها 6.5 طن من الكوكايين تُقدر قيمتها بـ530 مليون جنيه إسترليني (720 مليون دولار) مع خمسة مشتبه فيهم (ثلاثة برازيليين وكولومبي وإسباني).
إشارات مقلقة
وفي هذا الصدد أعلنت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا أنها صادرت عام 2024 نحو خمسة أطنان من الكوكايين عبر أسلوب "الإسقاط في عرض البحر"، وجميعها كانت مرتبطة بالقوارب التقليدية حتى الآن، ولم تُسجل حالات استخدام "غواصات نركو" داخل المياه البريطانية ولا تُصنف كـ"تهديد كبير" راهناً، لكن ظهورها إن حدث سيعني تصعيداً مقلقاً لقدرات المهربين التقنية، بحسب المراقبين، ويفرض على أجهزة إنفاذ القانون سباقاً تكنولوجياً مضاداً في الأعماق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن مياه المملكة المتحدة لم تلتقط بعد ظل النركو تحمل الأمواج الآتية من تجارب دول أخرى إشارات مقلقة، ففي أقصى الغرب الأوروبي تحولت خلجان غاليسيا الإسبانية إلى مسرح متكرر لاعتراض هذه الوسائط من أول غواصة ضُبطت عام 2006 إلى شبه مغمور في 2019 شق من كولومبيا رحلة تجاوزت أربعة آلاف ميل بحري محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين، وصولاً إلى مركبات مسيرة تحت السطح عام 2020 مجهزة بتقنيات ملاحة قادرة على عبور مضيق جبل طارق في صمت.
وعلى بعد 500 ميل جنوب جزر الأزور، دوت في صيف 2025 عملية "نوتيلوس" البرتغالية التي كشفت غواصة محملة بستة أطنان ونصف الطن من السموم البيضاء في مداهمة نسجت خيوطها بين جيوش وبحريات من قارات مختلفة. وفي الكاريبي أطبقت البحرية البريطانية عام 2024 على غواصة جنوب الدومينيكان تحمل طنين من الكوكايين ضمن حصيلة قياسية بلغت ثلاثة أرباع مليار جنيه إسترليني (مليار و16 مليون دولار) في سبعة أشهر فقط.
أما كولومبيا مهد هذه الحرفة المظلمة فما زالت ورشها السرية تدفع إلى البحر بوسائط بدائية المظهر بعيدة المدى كمن يبعث برسائل تحد إلى العالم بأن سباق الأعماق لم يبلغ نهايته وأن فصوله المقبلة قد تُكتب في أي مياه.