Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إصلاحيو إيران وراديكاليوها يحاصرون بزشكيان ويحرجون النظام

جدل واسع بين القوى السياسية حول ضرورة إحداث تغيير جذري في آليات السلطة والحكم

 حكومة مسعود بزشكيان باتت موزعة بين غالبية "الإصلاحيين" وقوى راديكالية تحاول الدفاع عن آخر مواقعها في تركيبة القرار (أ ف ب)
 

ملخص

على رغم أن بيان "الجبهة الإصلاحية" لم يحمل أية إشارة إلى تفكيك البرنامج النووي أو التخلي عنه، بل أشار فقط إلى إمكان اللجوء إلى مبدأ "تعليق أنشطة التخصيب"، وهو مسار يطرحه المفاوض الإيراني كمدخل إلى العودة لطاولة الحوار مع الجانب الأميركي، فقد جاءت الإشارة له في كلام المعاون السياسي لوزير الخارجية عضو الوفد المفاوض مجيد تخت روانتشي عندما تحدث قبل أيام عن قابلية إيرانية لتعليق الأنشطة في مقابل إلغاء العقوبات.

انشغلت غالبية الأوساط المواكبة للوضع الإيراني، عربياً ودولياً، كما الأوساط السياسية الإيرانية، بالبيان الذي أصدرته "جبهة الأحزاب الإصلاحية" قبل أيام، والذي تضمن خريطة طريق من وجهة نظر الموقّعين على البيان لخروج إيران من أزماتها الداخلية والخارجية، ولعل النقطة الأبرز التي تعني المعنيين في المتابعة هي البند الذي تضمن الدعوة إلى "تعليق أنشطة تخصيب اليورانيوم الطوعي والقبول برقابة "الوكالة الدولية" في مقابل إلغاء العقوبات، بهدف بدء مفاوضات شاملة ومباشرة مع الولايات المتحدة، وتطبيع العلاقات على أساس العزة والحكمة والمصلحة".

وقبل الانسياق في تفسير هذا الموقف على اعتبار أنه يشكل انشقاقاً داخل الموقف الإيراني، أو بين القوى الإصلاحية والدولة التي يترأسها مسعود بزشكيان، والذي يعتبر إلى حد كبير ممثلاً لهذه الأحزاب في هرمية القرار داخل تركيبة النظام، أو بين "الإصلاحيين" والنظام، فلا بد من الإشارة إلى أن هذا البيان حمل في أبعاده الداخلية مطالب أكثر تحدياً لمنظومة السلطة أكثر من الجانب المتعلق بالأنشطة النووية والحوار مع واشنطن.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جدلاً واسعاً يدور بين القوى السياسية الإيرانية على مختلف توجهاتها بضرورة إحداث تغيير جذري في آليات السلطة والحكم، وقد ارتفعت وتيرته خلال الأسابيع الأخيرة مع ارتفاع الحديث عن إمكان تعرض إيران لضربة جديدة، لن تكون مقتصرة هذه المرة على تل أبيب بل ستشارك فيها الولايات المتحدة ودول الـ "ناتو"، وأن الهدف من الضربة الجديدة لن يكون سوى القضاء على النظام، بغض النظر عن تداعيات هذا السقوط والانهيار، سواء كانت حرباً داخلية أو كانت تفكيك جغرافية إيران على دول ضعيفة ومتصارعة على تقاسم الحصص.

وعلى رغم ما حمله بيان "الجبهة الإصلاحية" من تعبير عن نيات أو رغبة واضحة بضرورة العمل من أجل إبعاد إيران وإخراجها من دائرة الخطر المحدق، والذي لا تنفي دوائر القرار، وحتى تلك المقربة من المرشد الأعلى، إمكان حصوله، كما جاء في تصريحات القائد الأسبق لـ "حرس الثورة" ومستشار خامنئي العسكري يحيى رحيم صفوي، لكن القوى المحافظة والراديكالية تدعو إلى التغيير بناء على رؤيتها من خلال مزيد من التشدد داخلياً، ومن دون الأخذ بالاعتبار إمكان انفجار الشارع الذي يرزح تحت ضغوط اقتصادية معيشية يومية قاسية وخانقنة، مقترناً بعجز واضح لدى الدولة والحكومة عن وضع سياسات علاجية سريعة للأزمات المزمنة والمتراكمة التي ورثتها من العهود السابقة، تضاف إليها الأزمات الناتجة من تصاعد الصراع مع الولايات المتحدة.

وعلى رغم أن بيان "الجبهة الإصلاحية" لم يحمل أية إشارة إلى التخلي عن البرنامج النووي أو تفكيكه، بل أشار فقط إلى إمكان اللجوء إلى مبدأ "تعليق أنشطة التخصيب"، وهو مسار يطرحه المفاوض الإيراني كمدخل إلى العودة لطاولة الحوار مع الجانب الأميركي، وقد جاءت الإشارة له في كلام المعاون السياسي لوزير الخارجية عضو الوفد المفاوض مجيد تخت روانتشي عندما تحدث قبل أيام عن قابلية إيرانية لتعليق الأنشطة في مقابل إلغاء العقوبات.

إلا أنه جاء ليكمل الحصار على حكومة مسعود بزشكيان التي باتت موزعة بين غالبية "الإصلاحيين" الذين يحاولون التنصل من تداعيات أية تطورات سلبية قد تشهدها المرحلة المقبلة، بخاصة في حال نشوب حرب جديدة وما قد تجره على إيران من آثار تدميرية، وبين قوى راديكالية تحاول الدفاع عن آخر مواقعها في تركيبة القرار، فذهبت إلى أقصى درجات التشدد والتطرف من خلال التشكيك بأهلية رئيس الجمهورية، والدفع من أجل تحويلها إلى آلية برلمانية لنزع هذه الأهلية عنه وإقالته من رئاسة الجمهورية، في استعادة للتجربة التي حصلت مع أول رئيس وهو أبو الحسن بني صدر.

وأمام العناوين الكبيرة التي جاءت في البيان، وخصوصاً ما يتعلق بالأزمة النووية والعلاقة مع المجتمع الدولي، فإنه لم يتضمن أية إشارة إلى رفض الآليات التي أقرتها السلطة من خلال البرلمان و"المجلس الأعلى للأمن القومي" في التعامل مع "الوكالة الدولية"، فدعوة الموقّعين إلى العودة لترميم العلاقة مع "الوكالة الدولية" وعملية الرقابة تنسجم مع الموقف الرسمي الذي ربطه بتقدير "مجلس الأمن القومي"، بخاصة بعد انتكاسة الثقة بين الطرفين نتيجة الهجوم الأميركي - الإسرائيلي على المنشآت الإيرانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتهم الراديكاليون الحكومة وجهازها الدبلوماسي بالتفريط في الحقوق والقدرات الإيرانية، ويعتقدون أن الدول الغربية، وبخاصة الـ "ترويكا"، غير قادرة على تفعيل آلية الزناد وإعادة عقوبات مجلس الأمن لأن ذلك سيكون على حساب مصالحها، في حين يؤكد "الإصلاحيون" أن الحفاظ على العلاقة مع هذه الـ "ترويكا" قد يؤدي إلى تعقيد الأزمات الاقتصادية ويرمي إيران في "جهنم العقوبات"، ويعيد وضعها تحت "البند السابع" من ميثاق الأمم المتحدة.

أما في الجزئية المحورية المرتبطة بالتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية فإن البيان لم يأتِ بجديد، فطهران تدرك أن المرحلة المقلبة تفرض عليها الذهاب إلى التفاوض المباشر الذي لا تستبعد أو تسقطه من خياراتها من أجل الوصول إلى حلول جدية، إضافة إلى أن المفاوضيْن الإيراني والأميركي يشترطان أن تكون هذه المفاوضات شاملة وحاسمة وتسمح بتمهيد الطريق أمام عملية تطبيعها، وقد بزرت هذه الجدية بوضوح في موقف المفاوض الإيراني خلال الجولة الرابعة من المفاوضات غير المباشرة بينهما، وذلك عندما تحدث عن إمكان دخول الاستثمارات الأميركية إلى السوق الإيرانية، وأن الاقتصاد الإيراني قادر على تقديم عرض بأكثر من تريليون دولار للشركات الأميركية في مختلف المجالات.

وأمام الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها طهران في البعد الجيوسياسي، وآخره ما حصل في الاتفاق الأذربيجاني - الأرميني برعاية أميركية، وفي ما يتعلق بمحاولة ترميم أوراق قوتها ونفوذها في الشرق الأوسط عموماً والعراق ولبنان خصوصاً على المستوى الإستراتيجي، إضافة إلى جهود الحفاظ على كامل جهوزيتها لمواجهة أي اعتداء جديد، فيبدو أن منظومة القيادة والسلطة والقرار، وفي وقت تسعى إلى ترميم العلاقة بين النظام والشعب وإعادة بناء الثقة التي تزعزعت وتراجعت بصورة كبيرة، وبخاصة في المسائل الإشكالية التي أشار إلى جزء منها بيان "جبهة الإصلاحيات" حول الحريات السياسية والأزمات الاقتصادية، فإنها في المقابل تتعامل مع الصراعات الداخلية بكثير من الحذر والاحتياط لأنها تدرك الأخطار التي قد تنتج منها، لأن التغيير وإن كان يتطلب التخلي عن الخطاب الأيديولوجي المتراكم على مدى عقود من دون استعجال أو تعجّل، والاستجابة السريعة، قد تؤديان إلى خروج الأمور عن سيطرتها، وقد تُفهم بأنها تراجع وضعف أمام الضغوط التي تتعرض لها داخلياً وخارجياً.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء