ملخص
في الحرب التي استمرت 12 يوماً، كان المواطنون العاديون أيضاً من بين قتلى الهجمات الإسرائيلية. لكن المدهش أن كراهية الشعب للنظام الحاكم بلغت من العمق، مما جعل عداوتهم للنظام أثقل وزناً من عداوتهم للدولة المهاجمة، أي إسرائيل.
قبل شهرين، كانت إيران تحت ضربات الهجمات المفاجئة العنيفة من إسرائيل. من الجنوب إلى الشمال، ومن الشرق إلى الغرب، استهدفت إسرائيل مواقع محددة في إيران للوصول إلى هدفين أساسيين: الأول، تدمير وتعليق البرنامج النووي المتقدم، والثاني، اغتيال قادة "الحرس الثوري" وكبار المسؤولين في البرنامج النووي والعلماء العاملين فيه.
خلال 48 ساعة فقط، اغتيل قادة بارزون في الحرس الثوري عبر هجمات دقيقة، فوجدت البلاد نفسها أمام أزمة غير مسبوقة منذ 45 عاماً مرت على اندلاع حرب العراق ضد إيران.
وفي الحرب التي استمرت 12 يوماً، كان المواطنون العاديون أيضاً من بين قتلى الهجمات الإسرائيلية. لكن المدهش أن كراهية الشعب للنظام الحاكم بلغت من العمق، مما جعل عداوتهم للنظام أثقل وزناً من عداوتهم للدولة المهاجمة، أي إسرائيل.
الغلاء المنفلت، وانسداد آفاق مستقبل الشباب، والهجرة القسرية إلى بلدان بعيدة بمصير غامض، والفقر، والفساد الإداري والمالي، ليست سوى جزء من الأسباب التي دفعت إيرانيين كثر إلى الاصطفاف في مواجهة هذا النظام.
وفي حرب استنزفت أرواح الإيرانيين، وأثارت مخاوف كبرى في شأن مستقبل البلاد ومصير هذه الهجمات، كان الشعب في كفة، وفي الكفة الأخرى نظام لم يكتف بكل ما جلبه من مآس للناس، بل استولى حتى على جثامين القتلى من المواطنين الذين سقطوا جراء الهجمات الإسرائيلية.
أبسط حقوق أية أسرة هو اختيار مكان دفن أحبائها، لكن النظام الإيراني حرم العائلات الثكلى من هذا الحق أيضاً، فالقتلى دفنوا قسراً في مقابر "الشهداء" في مدنهم من دون أي نقاش.
كما أن سلسلة الانتهاكات غير الإنسانية وغير الأخلاقية التي مارسها جهاز الأمن والاستخبارات في الجمهورية الإسلامية على مدى 46 عاماً دفعت الشعب إلى التساؤل: لماذا أوقفت إسرائيل هجماتها؟ ومتى ستبدأ الحرب مجدداً لإسقاط هذا النظام؟
أسئلة صادمة وأمنيات نادرة في التاريخ، أن يتمنى شعب تدخلاً أجنبياً لإسقاط حكومته بأي ثمن، أمر يكشف عن عمق يأسه وعجزه إزاء 46 عاماً من القمع والظروف المفروضة.
تعبير "بلغت الروح الحلقوم" هو فعلاً مرآة لوضع الإيرانيين اليوم، فبعد الصدمات النفسية التي خلفتها الهجمات الإسرائيلية وردود النظام الصاروخية، نفد صبر الشعب مع الانقطاعات المتكررة للماء والكهرباء.
ومع تزايد الحديث عن احتمال تفعيل "آلية الزناد" من الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي، التي قد تعيد العقوبات السابقة للأمم المتحدة، ازدادت التكهنات في شأن حرب جديدة محتملة.
وقد هددت طهران بأنه إذا جرى تفعيل هذه الآلية، فإنها ستنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي. وهذا الانسحاب سيمنح إسرائيل ذريعة جديدة للقول إن إيران تسعى إلى صنع قنبلة نووية، مما قد يفتح الباب أمام جولة جديدة من الهجمات، هذه المرة بدعم من الدول الغربية الموقعة على الاتفاق.
ومع تصاعد التهديدات وتطور الأحداث بسرعة، أعلن المسؤولون العسكريون والسياسيون الإيرانيون أنهم سيردون باستخدام صواريخ جديدة ضد إسرائيل، فيما لم يستبعد بعضهم أن يبادر "الحرس الثوري" إلى الهجوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار يحيى رحيم صفوي، مستشار علي خامنئي، القائد السابق للحرس الثوري، إلى احتمال اندلاع حرب جديدة قائلاً "لسنا الآن في هدنة، نحن في حالة حرب. قد ينهار الوضع في أية لحظة، لأنه لا يوجد بروتوكول أو اتفاق بيننا وبين أميركا وإسرائيل. أرجح أن تقع حرب أخرى، وأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم".
ولدى الأوروبيين مهلة حتى نهاية أغسطس (آب) الجاري لتفعيل "آلية الزناد"، إذ ينص الاتفاق النووي على حق أي طرف في إعادة فرض العقوبات أو إلغاء الاتفاق إذا خالف الطرف الآخر التزاماته. وتفعيل هذا البند يعني إلغاء قرار مجلس الأمن 2231، وإعادة تفعيل قرارات العقوبات السابقة (1696 و1929 وغيرها) الصادرة بين عامي 2006 و2010 ضد إيران وبرنامجها النووي.
انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، مع عودة القرارات السابقة، قد يعرض البلاد لخطر تفعيل آليات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة العسكرية لمواجهة تهديدات السلم والأمن الدوليين.
وبعد شهرين من انتهاء الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، بقيت الأقسام القنصلية في السفارات الغربية مغلقة، فيما المفاوضات بين إيران والغرب وأميركا وصلت إلى طريق مسدود، مما وضع الشعب في حالة من الضياع والانتظار.
الدول العربية في المنطقة تترقب بفارغ الصبر الاجتماع الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، وهي تكثف جهودها للاعتراف بدولة فلسطين، تمهيداً لإقامة دولة مستقلة وإنهاء الصراع، لكن أية حرب جديدة بين إيران وإسرائيل قد تنسف هذه الجهود، ولا ضمان أن تبقى تداعياتها محصورة أو محدودة في المنطقة.
كما قد يلجأ الغربيون إلى تمديد محدود لتفعيل "آلية الزناد"، لإتاحة وقت أطول لدراسة تبعات أية مواجهة محتملة.
أما النظام الإيراني، فيؤكد استعداده الكامل لمواجهة أي تهديد أو هجوم، فهل هي سياسة لردع إسرائيل عن شن هجمات مفاجئة؟ أم مجرد وسيلة لخلق شعور وهمي بالأمان داخل المجتمع؟
ويبقى السؤال الأهم: إذا اندلعت الحرب مجدداً، فما الأهداف التي ستسعى إسرائيل وأميركا إلى تحقيقها؟ فإذا كانت المنشآت النووية الإيرانية قد دمرت أو تضررت بشدة في الهجمات السابقة، فما غاية الهجمات المقبلة؟
بعضهم يجيب ببساطة: لا نعلم، لقد سئمنا فقط!
نقلاً عن اندبندنت فارسية