Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذهب ملاذ السودانيين بعد انهيار عملتهم وسط خشية تهريبه

لم يبق أمام المواطنين والتجار سوى المعدن الأصفر كوسيلة للتداول والادخار

يقول مراقبون إن السوق السودانية تتعامل مع الذهب كأداة تسعير يومية (حسن حامد - اندبندنت عربية)

ملخص

يقول متابعون لسوق الذهب في السودان إن "حجم الطلب على المعدن النفيس هذه الأيام غير مسبوق، فهو لم يعد سلعة رفاهية كما في السابق، بل أصبح ملاذاً أساسياً للمواطنين".

في ظل الانهيار المتسارع للعملات المحلية وغياب الاستقرار الاقتصادي، تحوّل الذهب إلى الملاذ الأكثر أماناً للأفراد والمستثمرين على حد سواء، ومع كل أزمة جديدة يتعزز حضور المعدن النفيس كخيار إستراتيجي لحماية المدخرات من التآكل، وبخاصة في البلدان التي تشهد تضخماً جامحاً وتراجعاً في الثقة بالنظام المصرفي.
وفي السودان لجأ كثير من المواطنين في الأوان الأخيرة إلى اقتناء الذهب لحفظ مدخراتهم وحمايتها من فقدان القيمة بسبب انهيار الجنيه السوداني لأدنى مستوياته التاريخية نتيجة استمرار الحرب المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ الـ15 من أبريل (نيسان) 2023.
هذا الواقع يفتح الباب أمام أسئلة جوهرية، كيف أصبح الذهب الخيار الأول وسط العواصف الاقتصادية؟ وما انعكاس ذلك على السوق الرسمية والموازية، وعلى مستقبل الاستقرار المالي؟

فقدان الثقة

يقول محمد الحسن، تاجر ذهب في سوق أم درمان، "شهدنا في الأشهر الأخيرة إقبالاً غير مسبوق على شراء الذهب، إذ فقد المواطنون الثقة في الجنيه السوداني مع تراجع قيمته المستمر، وأصبح في الوقت نفسه من الصعب الحصول على الدولار إلا عبر السوق الموازية، فكثير من الأسر تلجأ الآن إلى بيع ما تملكه من أراضٍ أو ماشية، لتحويله إلى سبائك أو حتى غرامات من الذهب، باعتباره الضمان الوحيد للحفاظ على قيمة مدخراتهم".
من جهته أشار الصائغ في سوق الذهب بأم درمان، عمر موسى، إلى أن "حجم الطلب على الذهب هذه الأيام غير مسبوق، فهو لم يعد سلعة رفاهية كما في السابق، بل أصبح ملاذاً أساسياً للمواطنين، فخلال الأشهر الماضية تضاعف الطلب، إذ أقبل الناس على شرائه بصورة لافتة وبخاصة الأحجام الصغيرة جداً، مثل نصف غرام أو غرام واحد، بغرض الادخار، فالناس تأخذ مدخراتها النقدية وبمجرد حصولها عليها تحوّلها إلى ذهب خوفاً من تآكل قيمتها".

ملاذ آمن

وأشار الباحث الاقتصادي مصطفى عبدالرحيم إلى أن "انهيار العملة الوطنية دفع الأفراد والمستثمرين، على حد سواء، إلى البحث عن ملاذٍ آمن، ولم يجدوا أفضل من الذهب.

هذه الظاهرة ليست سودانية فقط، بل عالمية، إذ ارتفع سعر الذهب بنسبة 28 في المئة منذ بداية عام 2025 ليصل إلى نحو 3506 دولارات للأونصة، بينما تراجع مؤشر S&P 500 بأكثر من تسعة في المئة.

هذه المقارنة تكشف بوضوح أن الذهب أصبح الملجأ الأول ضد التضخم وفقدان الثقة بالعملات"، وتابع، "الطلب العالمي على الذهب ارتفع في الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 45 في المئة ليبلغ نحو 132 مليار دولار مدفوعاً بمشتريات البنوك المركزية وصناديق الذهب التي زادت استثماراتها بنسبة 78 في المئة عن عام 2024، هذا الاتجاه انعكس على السودان بصورة أوضح بسبب الانهيار شبه الكامل في النظام المصرفي، وصعوبة الحصول على العملات الأجنبية، مما جعل الذهب الاستثمار الأفضل والآمن للمواطن العادي".
وعن تأثير الحرب الدائرة في البلاد لأكثر من 28 شهراً على سوق الذهب يقول عبدالرحيم إن "الحرب كانت العامل الأكثر تأثيراً في تعزيز مكانة الذهب داخل الاقتصاد السوداني، فمع انهيار البنية المصرفية، وصعوبة التحويلات المالية، وانعدام الثقة في المؤسسات الرسمية، لم يبق أمام المواطنين والتجار سوى الذهب كوسيلة للتداول والادخار، إضافة إلى ذلك، بات الذهب وسيلة رئيسة لتمويل الأنشطة في السوق الموازية، بل حتى في التجارة عبر الحدود، وهو ما رفع الطلب عليه بصورة ملحوظة".
ومضى الباحث الاقتصادي في القول إن "الظروف الأمنية المضطربة ضاعفت التوجه نحو الذهب، ليس فقط كأداة مالية بل أيضاً كضمان مادي يمكن حمله والتنقل به في حالات النزوح أو الهجرة، لذلك يمكن القول إن الحرب جعلت الذهب ليس مجرد ملاذ اقتصادي، بل جعلته ملاذاً اجتماعياً وإنسانياً يحتمي به الأفراد في مواجهة المجهول".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بورصة محلية

من جانبه أوضح المحلل الاقتصادي الهادي موسى أن "مستقبل الذهب في السودان سيبقى مرتبطاً بمسار العملة المحلية واستمرار الحرب، فإذا استمر الجنيه في التدهور، فسيظل الذهب الملاذ الأول للمواطنين والمستثمرين على حد سواء، لكن هذا الوضع يحمل أخطاراً على الاقتصاد الكلي، إذ يعمّق من ضعف الجهاز المصرفي ويزيد من سيطرة السوق الموازية على حركة الأموال"، وأضاف موسى، "على المستوى العالمي، من المتوقع أن يحافظ الذهب على موقعه كأكثر الأصول أماناً في ظل التوترات الجيوسياسية، وبخاصة بعدما ارتفع الطلب العالمي بنسبة 45 في المئة في النصف الأول من العام الحالي ليصل إلى نحو 132 مليار دولار، أما محلياً، فالحل يكمن في إصلاح السياسات النقدية وإيجاد آليات رسمية للاستفادة من إنتاج الذهب، مثل إنشاء بورصة محلية أو تنظيم عمليات التصدير بما يحد من تهريبه".
وأردف المحلل الاقتصادي أن "الذهب سيبقى ملاذاً للفرد السوداني، ليس فقط لأنه يحافظ على القيمة، بل لأنه يوفّر إحساساً بالأمان وسط الاضطراب، لكن إن لم يتم استيعاب دوره ضمن إستراتيجية اقتصادية واضحة، فسيظل جزءاً من اقتصاد موازٍ يعمّق الأزمة بدل أن يسهم في حلها".


مكانة رمزية

في السياق ذاته، أوضح المتخصص في النشاط المالي عبدالعزيز عبدالله أن "العلاقة بين قيمة العملة وسعر الذهب علاقة مباشرة وواضحة، فكلما فقد الجنيه السوداني جزءاً من قيمته أمام الدولار، انعكس ذلك فوراً على أسعار الذهب محلياً"، ولفت عبدالله إلى أن "السوق تتعامل مع الذهب كأداة تسعير يومية، وكأن كل تراجع في قيمة العملة يقابله ارتفاع تلقائي في سعر الغرام، ولهذا أصبح الذهب ليس فقط مخزناً للقيمة، بل أيضاً أصبح مؤشراً لحجم الأزمة النقدية التي يمر بها السودان".
وبيّن المتخصص في النشاط المالي أن "التوجه لاقتناء الذهب لدى عامة الناس ينبع من مكانته الرمزية والمادية الرفيعة، وبخاصة أنه سلعة نادرة متعددة الاستخدامات، إذ يتميز هذا المعدن النادر بطبيعة مزدوجة، فهو سلعة تُباع وتُشترى لأغراض عدة مثل الزينة والصناعات التكنولوجية التي تزدهر في هذا العصر، فضلاً عن أنه وسيط للتبادل وشكل من أشكال العملة المعترف بها في كل مكان".

ضوابط صارمة

مسؤول في وزارة المالية السودانية فضل حجب اسمه، قال "ندرك تماماً أن الذهب أصبح الملاذ الأول للمواطنين في ظل انهيار العملة الوطنية، لكن التحدي الأكبر هو أن جزءاً كبيراً من هذا الذهب يُهرَّب للخارج عبر القنوات غير الرسمية، مما يحرم الدولة من عائدات ضخمة كان يمكن أن تسهم في استقرار الاقتصاد، تعكف الوزارة حالياً على وضع ضوابط أكثر صرامة على عمليات التنقيب والتصدير، فضلاً عن البحث في إنشاء بورصة وطنية للذهب لتنظيم السوق وجذب الاستثمارات، بدل أن يظل جزءاً من اقتصاد الظل".
واستطرد المسؤول، "إذا تمكنا من دمج الذهب ضمن منظومة الاقتصاد الرسمي، فسيكون بمثابة خطوة أساسية نحو استقرار العملة، وتخفيف اعتماد المواطنين على السوق الموازية، لكن نجاح هذه الخطوة مرهون بانتهاء الحرب وعودة مؤسسات الدولة للعمل بكامل طاقتها".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير