الطبيب الكردي فريد مصطفى من بين آخر من فروا من رأس العين حيث سقط وابل من القنابل التركية على المدينة السورية الحدودية، وهو يخشى ألا يعود إلى دياره أبدا.
لاذ مصطفى بالفرار ليل الخميس 10-10-2019 مع زوجته وطفليه الصغيرين بينما كانت الطائرات الحربية تحلق في السماء فوق صف من السيارات التي تحاول عبور الحدود. وبقيت قلة للذود عن منازلها.
وقال مصطفى "الطائرات الحربية هي التي أخافتنا وليس أي أمر آخر. ثم هناك الأولاد. نحن لم نخف على أنفسنا. خفنا على الأولاد الذين تواصل بكاؤهم".
والآن يقيم مصطفى، مع حوالي 30 من أفراد الأسرة، في منزل أحد الأقارب بمدينة الحسكة حيث فتح كثيرون منازلهم أمام النازحين.
وهو يخشى أن يصبح بسبب عرقيته الكردية هدفاً إذا سقطت مدينته رأس العين في أيدي القوات التركية ومقاتلي المعارضة السورية المتحالفين معها، وهم خصوم لوحدات حماية الشعب الكردية.
وقال مصطفى "لست خائفاً على منزلي، فليتدمر، ولكن اذا اخذوا بلدتي ماذا سأفعل"؟
الخيبة من الأميركيين
وانتقدت قوات سوريا الديمقراطية التي تتقدمها وحدات حماية الشعب الكردية التحرك الأمريكي وقالت إنه خيانة بعد أن قاتل الطرفان جنبا إلى جنب لدحر تنظيم الدولة الإسلامية في معظم أنحاء سوريا.
غير أن الولايات المتحدة لم تسحب كل قواتها. وقال أحد الشهود ومسؤول محلي إن عشرات السوريين فروا باتجاه إحدى القواعد الأميركية خارج مدينة كوباني التي تقطنها أغلبية كردية بعد قصفها، وكان بعضهم يصطحب ماشيته معه.
كانت كوباني مهد التحالف العسكري بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية منذ حوالي خمس سنوات عندما تدخلت واشنطن بغارات جوية لمساعدة المقاتلين الأكراد في التغلب على مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية.
ويرى الزعماء الأكراد أن منطقتهم جزء مستقر نسبيا من سوريا وتتمتع بالحكم الذاتي منذ سنوات. وساعد وجود القوات الأمريكية على حمايتهم من تركيا وحكومة دمشق.
الأكراد الذين طالما تعرضوا للاضطهاد كانوا يأملون في تعزيز حكمهم الذاتي داخل دولة سورية تنعم بالإصلاح.، يبدو هذا حلماً بعيد المنال الآن، بعدما سدد الهجوم التركي ضربة أخرى لجماعة عرقية ظلت بلا دولة إثر انهيار الإمبراطورية العثمانية قبل 100 عام وانتشر أبناؤها بين سوريا والعراق وإيران وتركيا.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه يريد توطين ما يصل إلى مليوني لاجئ سوري، كثيرون منهم من العرب السنة، في المنطقة التي استهدفتها عمليته العسكرية (نبع السلام).
النوم على الطرقات
اختنق الطريق المؤدي إلى الحسكة في الأيام الماضية عندما فر سكان رأس العين.
وقال خالد إبراهيم، وهو مسؤول كردي يشرف على جهود الإغاثة في شمال شرق سوريا، إن المدينة مكتظة الآن وإن السلطات ليس لديها ما يكفي من صهاريج المياه أو الغذاء أو المأوى لمواجهة هذا التدفق.
وقال "أنا شاهدت الناس، يفترشون الطرقات والأرصفة والحدائق وناموا حيث هم إذ تعذّر وصولهم إلى الحسكة". وتضم المنطقة الشمالية الشرقية المختلطة عرقيا من 1.5 مليون إلى مليوني نسمة، كثيرون منهم نزحوا من مناطق أخرى بسوريا.
وقالت سميرة حاج علي الرئيسة المشتركة لهيئة التربية في المنطقة إن الدراسة توقفت لإيواء الناس في المدارس.
وأضافت "فتحنا مدارس الحسكة لإيواء الأهالي، وأيضا صالات الأفراح ونأوي النازحين في كل الأماكن الشاغرة". ورغم انهما تنتظران مولوداهما حمرين محمود وشقيقتها الحُبليان، فرتا من الديار على الحدود في القامشلي إلى مناطق آمنة من المدينة مع أطفالهما الستة. وقالت حمرين البالغة من العمر 35 عاماً "طبيعي أن يظل أزواجنا هناك لحمل السلاح. لا يوجد خيار آخر"؟ وأضافت "صوت الرصاص كان يلعلع، فزع الصغار وبكوا، فأخرجتهم من البيت". وتحتمي حمرين وأختها بمنزل شقيقة أخرى.
وقال زوج أختهما وليد مامو إنه خزّن الإمدادات الغذائية. وأضاف "اشتريت 100رغيف. ووضعتهم في الثلاجة".
موجات النزوح
وفر حوالي 100 ألف شخص من ديارهم منذ أن شنت تركيا هجومها في شمال شرق سوريا يوم الأربعاء 9-10-2019، حيث ابتعدت عن الحدود وتوغلت في منطقة خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية وحلفائها.
وموجة النزوح هي الأحدث في الحرب السورية التي أدت إلى تشريد ما يربو على نصف السكان، حوالي 11 مليون نسمة، عبر سنوات الحرب متعددة الأطراف التي دمرت البلاد.