كشفت ظروف محاولة اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، خلال زيارته قبر والده في منطقة كرمان، كما هو معتاد سنوياً، نهجاً إسرائيلياً اتبعه الموساد في مخططاته لتنفيذ عمليات اغتيال. واخترقت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أسرار الموساد لتكشف أن معظم عمليات اغتيال قادة، خصوصاً في لبنان، نفذت خلال مراسم إحياء ذكرى أقارب للأشخاص المستهدفين أو مسؤولين في التنظيم الذي ينتمي له هؤلاء الأشخاص. هكذا فعلت في اغتيال الشيخ راغب حرب والأمين العام السابق لحزب الله، عباس الموسوي والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
ضمن سياسة الموساد يتم اغتيال شخصية مقربة من الهدف، وخلال تشييع الجثمان يكون الهدف مشاركاً فيتم اغتياله.
واعترفت إسرائيل بأن القيادي في حزب الله عماد مغنية، هو الوحيد الذي، كما تعتقد إسرائيل، فهم سياستها ولم يشارك في جنازة شقيقه الذي تقرر اغتياله من أجل استغلال مشاركته (عماد) في الجنازة واغتياله.
عميلان لبنانيان لاغتيال حرب
وتطرقت الصحيفة لعمليات عدة نفذت. ونقلت عن مسؤول سابق في الموساد أن المرة الأولى التي استخدمت إسرائيل فيها نمط "الجنائز وإحياء الذكرى"، كان مطلع الثمانينيات عندما قررت اغتيال الشيخ راغب حرب، الذي تصفه الصحيفة بأحد أبرز الشخصيات الداعمة لحزب الله.
ويقول المسؤول السابق في الموساد إن حرب تحول إلى مرجعية دينية مهمة لسكان الجنوب اللبناني وبرز في دعمه العمليات ضد إسرائيل والإسرائيليين، وهكذا تحول إلى هدف للموساد.
وحرص الموساد، عبر فرقة خاصة، على متابعة ما ينشر عن مراسم إحياء ذكرى أشخاص قريبين من حرب وحدد الموعد في 16 فبراير (شباط) 1984، إذ أعلن عن إحياء ذكرى شخص يسكن في بلدة في الجنوب، قريبة من البلدة التي يسكنها حرب. وجرت مناقشة تفاصيل العملية وإذا ما كانت تُنفّذ عبر الجو أو بواسطة عملاء، ليتقرر في نهاية الأمر أن تنفيذها عبر عملاء أفضل من حيث ردود الفعل وأبعاد عملية الاغتيال، إذ لا يمكن اتهام إسرائيل مباشرة بالوقوف خلف الاغتيال.
وبموجب الخطة حُدد موقع الشيخ حرب، خلال إحياء الذكرى، وبقي مراقباً عبر أجهزة تتبّع وعناصر من الموساد، في حين راقب عميلان لبنانيان سيارته وبقيا بالقرب منها. ولدى مغادرة موقع إحياء الذكرى لحقا به، وعندما قام بتخفيف سرعة سيارته لاقترابه من انحناء في الطريق خرج العميلان من السيارة وأطلقا وابلاً من النيران عليه. ولم يغادرا المكان قبل أن يتاكدا من موته.
وفي يوم الاغتيال وضعت إسرائيل إحياء الذكرى السنوية لاغتياله موعداً لاغتيال الموسوي، وكان العام 1992 الأنسب بالنسبة إلى الموساد. وفي 12 فبراير (شباط) من تلك السنة وصلت معلومات للاستخبارات العسكرية تفيد بأن حزب الله سيحيي ذكرى اغتيال حرب، في مهرجان سياسي ضخم تشارك فيه شخصيات بارزة وبينها الأمين العام لحزب الله وقائد الحرس الثوري الإيراني.
واعتبر هذا الاغتيال الأكثر تعقيداً من حيث التخوف من أبعاده. ووفق الصحيفة الإسرائيلية، اتخذ القرار بتنفيذ عملية الاغتيال عبر تفجير من الجو، بعدما أقنع رئيس أركان الجيش في حينه، إيهود باراك، ورئيس جهاز الاستخبارات، أوري ساجي، وزير الأمن موشيه أرنس، أن الاغتيال جواً سيكون ناجعاً.
تحضيراً للعملية، اخترقت طائرات إسرائيلية، من دون طيار، الأجواء اللبنانية، وتبعت مسار موكب الموسوي حتى وصوله إلى مراسم إحياء ذكرى حرب، ثم إلى المقبرة وبعدها، بحسب الإسرائيليين، عقد الموسوي اجتماعاً مع مسؤول ثم انطلق موكبه في مسار العودة إلى بيروت. ويتابع التقرير الإسرائيلي أنه بعد خروجه من القرية، قصفت مروحيتان إسرائيليتان الموكب بعدد من الصواريخ. ما أدى إلى مقتل الموسوي وزوجته ونجله وخمسة مرافقين.
عماد مغنية الأكثر حذراً
في مقابل تفاخرها بنجاح أسلوبها في عمليات الاغتيال، اعترفت إسرائيل بأن عماد مغنية، كان الأكثر يقظة وحذراً بل إنه، وفق إسرائيل، فهم أنها تتخذ من مراسم التشييع وإحياء الذكرى موعداً لتنفيذ الاغتيال. وهكذا لم تنجح باغتياله مرات عدة.
ويذكر التقرير الإسرائيلي، في هذا الجانب، فشل إحدى خططها في اغتيال مغنية، إذ وجد الموساد أن اغتيال شقيقه سيدفعه إلى المشاركة في تشييع جثمانه، فتنفذ عملية اغتياله. ووضعت شقيقه فؤاد هدفاً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجند الموساد لبنانياً لتنفيذ عملية اغتيال فؤاد. فتقرب هذا العميل، خلال فترة سبقت موعد الاغتيال، من فؤاد وأصبح صديقاً له. وجاء في التقرير الإسرائيلي أنه في يوم اغتياله في 21 ديسمبر (كانون الأول) 1994، وصل العميل الإسرائيلي إلى محل البقالة حيث يوجد فؤاد، بعدما وضع سيارة مفخخة بالقرب من المكان، تحمل قنبلة تزن خمسين كيلوغراماً. وتحدث الاثنان معاً فترة قصيرة، ثم خرج العميل، الذي اعتبره فؤاد صديقاً له، وابتعد عن البقالة لمسافة مئة متر، ثم فجّر السيارة ما أدى إلى مقتل فؤاد وثلاثة آخرين.
المرحلة الأولى من خطة اغتيال عماد مغنية انتهت، وبدأت إسرائيل التخطيط لمرحلة التنفيذ فانتظرت موعد تشييع فؤاد مغنية وأعدت لاغتيال عماد، لكن الأخير، الذي تصفه إسرائيل بـ"اللبناني صاحب غريزة النجاة"، لم يشارك في جنازة شقيقه. وهكذا فشل المخطط.
صدام حسين
ضمن العمليات التي كشفها التقرير الإسرائيلي محاولة اغتيال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، بعد حرب الخليج الثانية. فقد خطط الموساد لهذه العملية عبر تجنيد أكثر من عميل له، في مقابل إعداد فرقة خاصة تنسق مع العملاء ومهمتها تعقب تحركات صدام حسين. وكشفت هذه الفرقة أن صدام حسين خفف من سفره وتنقلاته خارج بغداد، فيما كثف زياراته إلى نصب الجندي المجهول في مركز بغداد، ونصب صديقه عبد الوهاب الغريري.
ووفق الخطة الإسرائيلية يُزال قسم من تمثال الجندي المجهول، وكأنه حدث صدفة، على أن يتم تفخيخه لاحقاً، قبل موعد الزيارة السنوية لصدام حسين بأيام قليلة، وعند زيارة صدام التقليدية للنصب، يضغط أحد العملاء، في موقع إحياء الذكرى، على الجهاز لتفجير المكان وقتل صدام حسين.
هذه الخطة لم تُنفذ بعد الحصول على معلومات عدة قد تؤدي إلى فشلها، وبينها صعوبة التنقل بحريّة في شوارع بغداد، كما أن الفرقة التي تم تشكيلها خرجت باستنتاج أن المكان الوحيد خارج بغداد، الذي يضمن وصول صدام حسين إليه هو مقبرة عائلته في مسقط رأسه تكريت، لكن عملية كهذه تتطلب عملية تسبقها باغتيال قريب له ليشارك صدام في الجنازة. فوضع الموساد أخ صدام غير الشقيق له والذي شغل منصب سفير العراق في الأمم المتحدة، برزان التكريتي، هدفاً له.
في المقابل، وضع الموساد خطة لاغتيال صدام حسين خلال مشاركته في تشييع جثمان برزان، وتقرر استهدافه عبر صاروخ "تموز"، لكن العملية لم تُنفذ بعد انفجار الصاروخ، خلال تدريب وحدة من النخبة يوم 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 1992 في قاعدة التدريبات العسكرية الإسرائيلية "تسيئيليم"، حيث قامت الوحدة بالتدريب على العملية، وبسبب خلل فني انفجر الصاروخ وقتل خمسة من الجنود الإسرائيليين. ما أدى إلى تجميد تنفيذ الخطة.