عادت سابرينا سبيلمان إلى شاشاتنا التلفزيونية ولكن ليس كما نتذكّرها. فليست هناك بعد الآن عصّابات الشعر ذي الأمشاط ولا أنابيب ملمّع الشفاه، كما لم تعد هناك أي ملاحظات ساخرة: فقط بقي القط الأليف. إذ ان سابرينا الجديدة استبدلت كل ذلك بالتضحيات الدموية وقرون الشيطان. فمسلسل المغامرات المخيفة لسابرينا من شبكة نتفلكس والمُتفرع من مسلسل ريفرديل، يُعيد تصوير الشخصية التي أحبها الجميع في التسعينات في المسلسل الكوميدي سابرينا الساحرة المراهقة، كساحرة تامة النضج؛ فمخاوفها المتعلقة بالعلامات الجيدة، وشعبيتها، أو صديقها هارفي كينكل، تطغى عليها الآن، لكن بشكل طفيف، مداولاتها اليومية مع الشيطان.
إن الصورة الثقافية لـ "الساحرة" دائماً ما كانت متغيّرة، وسابرينا ليست استثناءً. فعلى مدى قرون، كانت "الساحرة" بمثابة رمز استعاري لأسرار الأنوثة التي يتم تفسيرها بدورها على انها مصدر للخوف أو منبع للتمكين - وأحياناً الإثنين معاً. وسابرينا نفسها تطورت من رمز لأنوثة غير مؤذية ومكبوتة إلى استعادة رمزية للسحر وتاريخ اضطهاده.
يستند مسلسل نتفلكس إلى سلسلة من الكتب المصوّرة التي تحمل الاسم نفسه - وأُنتجت لمجلة أرتشي هورور الصادرة عن أرتشي كوميكس في 2014، على يد روبرتو أغيري ساكاسا وروبرت هاك - وتستكشف الأصول الغامضة نوعاً ما للشخصية. وفي الواقع، خُلقت سابرينا للمرة الاولى عام 1962 على يد جورج غلادير ودان دي كارلو من أرتشي كوميكس، وذلك قبل عقود من قيام ميليسا هارت ببطولة المسلسل التلفزيوني الفكاهي الذي استمر من عام 1996 إلى عام 2003. وقد تصوّرها هذا الثنائي كساحرة للعصر الحديث، أكثر مرحاً وإثارة من شخصية سامانثا ستيفنز في مسلسل بي ويتشد، ولكن بالنوايا الحسنة في تصرفاتها. وقد عكست كلتا الشخصيتين الصورة الشعبية من الخمسينات والستينات للساحرة كنوع من الأنوثة الكاملة: فهي لعوب، وجذابة جنسياً، ولكن في النهاية مطيعة للنظام الأبوي. وفي عددها الأول، كقصة رئيسية في العدد رقم 22 من مجلة ماد هاوس والذي صدر في أكتوبر (تشرين الأول) 1962 عن أرتشي كوميكس، تضع سابرينا القواعد الخاصة بقواها: فهي غير قادرة على البكاء، وإذا وقعت في الحب ستفقد قواها. باختصار، إنها فتاة مرحة من دون أحمال عاطفية.
لكن في ذلك الوقت، كانت هناك ازدواجية لهذه الصورة. ففي الوقت الذي كانت الساحرة تحرص على إبقاء صديقها أو زوجها سعيداً - كطمأنة للرجال في كل مكان بأن القوى الغامضة للأنوثة يُمكن ترويضها في نهاية المطاف - فإن قواها بقيت تعد باستقلالية وتحكم يفوقان ظروف المرأة المعتادة. فتصرفات سابرينا المشاغبة، من تعديل لنتائج الألعاب الرياضية إلى إضافة جرعات حب سحرية إلى الميلك شيك، كانت تعبيراً عن القوة الهدامة التي لا تزال تستطيع أن تعمل من داخل النظام.
أصبحت سابرينا نجمة مجلات هزلية خاصة بها بعنوان سابرينا الساحرة المراهقة، صاحَبتها حلقات مسلسل رسوم متحركة تم بثه بين عامي 1970 و1974 كجزء من برامج محطة سي بي إس الصباحية أيام السبت. لكن، كان ظهورها التالي على الشاشة من خلال سيتكوم هزلي عام 1990 يحمل الاسم نفسه، استمرعرضه على قناة إي بي سي في مواسمه الأربعة الأولى (1996-2000)، كجزء من تشكيلة تي جي آي إف العائلية وذات الشعبية الكبيرة، إلى جانب مسلسلات اخرى مثل بوي ميتس وورلد وكلوليس. ثم ألغت الشبكة المسلسل، والتقطته بالتالي وارنر براذرز التي عرضته لثلاثة مواسم اخرى تتبعت فيها سنوات سابرينا الجامعية. وبحلول الوقت الذي انتهى فيه عرض سابرينا الساحرة المراهقة رسمياً عام 2003 ، كان المسلسل قد فقد أكثر من نصف مشاهديه.
ولم يطرأ على ظروف سابرينا إلا القليل من التغيير نسبياً منذ الستينيات: كانت لا تزال "نصف ساحرة" لأم فانية وأب ساحر، وعاشت مع خالتين موهوبتين في السحر:هيلدا (كارولين ريا) وزيلدا (بيث برودريك) والقط سيلِم الذي هو في الحقيقة ساحر محبوس في جسد قط، كعقاب له على أفعاله السيئة. وفي حين كان سيلِم الستينات لا يستطيع التعبير عن نفسه إلا بالمواء، وهو تقليد اتُبع في نسخة عام 2018، فإن سيلِم في تلك النسخة كاره لنفسه، متهكم، مصاب بالنهم العاطفي ويستحوذ على أفضل النكات في المسلسل. ولا يزال لسابرينا حبيب فاني اسمه هارفي كينكل (نيت ريتشِرت)، والذي ظل غالبية الوقت غير مدركاً وبسذاجة لطبيعتها الحقيقية. لا تزال نواياها نقية، مستخدمةً قواها أساساً لمساعدة أصدقائها وعائلتها، أو لمساعدة نفسها في حل مشاكل المراهقة المعتادة.
غير ان سابرينا التسعينات لم توجد بالتأكيد لطمأنة الرجال. وعلى رغم وجود حدود في ذلك الوقت لمدى تمكن سابرينا الساحرة المراهقة من الوقوف ضد مبادئ هذا العصر (نقص صارخ في وجود شخصيات ليسوا بيض البشرة، على سبيل المثال)، إلا ان سابرينا مثّلت ذروة فكرة "قوة الفتاة" في التسعينات. وأشهر من روج لهذه المبدأ فرقة سبايس غيرلز، بالطبع، لكن هذا المبدأ بدا أيضاً في سلسلة من الشخصيات النسائية فائقة القدرة التي اعتمدت على عناصر خارقة للطبيعة للتأكيد على إمكاناتها التي لا يمكن وقفها - مثل مسلسل تشارمد، وبافي ذي فامباير سلاير وكذلك مسلسل زينا: الأميرة المحاربة.
ووجدت دراسة أعدتها راتشيل موسلي، الباحثة في جامعة وارويك، أنه بحلول الألفية الجديدة، خلقت مسلسلات مثل سابرينا وتشارمدعلاقة مباشرة بين السحر ومفهوم "قوة الفتاة". وكتبت عن نتائجها، قائلة: "من الناحية التاريخية، كانت الساحرات منبوذات والكثير من هذا القلق ينبع بوضوح من الخوف من قوة الإناث. إن النوع السينمائي الذي يتناول موضوع الساحرة المراهقة يُظهر صورة قوية جديدة للأنوثة. إن الأمر لا يتعلق بكون "هاغ" والجرعات العشبية السحرية قد أصبحت أشياء رائجة، بل ان السحر نفسه قد أصبح مرادفاً للقوة والغموض الأنثوي".
وقد استطاعت تلك النسخة من سابرينا أن توازن بين كل شيء وأن تكون أي شيء (وكل شيء) تريد أن تكونه: طالبة بعلامات امتياز، لها اهتمامات كبيرة بالعلوم والرياضيات، أيقونة أناقة، تكافح الظلم، وشخصية يحترمها كل من الطلاب والمعلمين. إن حلقة "دامي فور لاف" على سبيل المثال، تُظهر سابرينا وهي تناضل من أجل حرية التعبير عندما يطالبها كرافت (مارتن مول) ، نائب مدير المدرسة، بسحب مقال افتتاحي تنتقد فيه هوس المدرسة بالرياضة. كما ان خالتيّ سابرينا تظهران في أدوارهن كأمثلة تُحتذى في القوة، من أبحاث زيلدا العلمية التي جعلتها في وقت من الأوقات تستدعي كل من ماري وبيار كوري لمساعدتها، إلى حب هيلدا للموسيقى الكلاسيكية.
وتقول مبتكرة المسلسل نيل سكوفيل انها كانت مدفوعة لتأليف المسلسل لتُعبرعما كانت ستُحِبه بصفتها "تلك الفتاة اليافعة الغريبة التي كبرت لتكتب لبرنامج ليترمان ومسلسلات سباي وذي سيمسونز". لكن سابرينا لم تكن فقط شخصية يُمكن للفتيات الذكيات والمرحات أن تشعر أنها تشبهها، بل كانت أيضاً شخصية يُمكن أن يتطلعن إليها ويقلدونها. وامتدت صورة "قوة الفتاة" إلى خارج الشاشة أيضاً، إلى الغالبية النسائية في بطولات المسلسل، وغرفة الكتّاب ذات الغالبية النسائية، وإلى فريق الإنتاج النسائي. وكانت الساحرة لا تزال، بطريقة ما، صورة للأنوثة الكاملة، ولكن الآن تحت سيطرة النساء اللاتي يمكنهن استخدامها ليعرضن أفكارهن عن التمكين.
وفي العقد التالي أو نحو ذلك، ومُذ تم وقف عرض سابرينا الساحرة المراهقة، فقدت صورة "قوة الفتاة" بعض أهميتها. إذ أصبح هذا النهج أكثر تعارضاً وأكثر انعكاساً للذات، حيث تم التركيز بشكل أكبر على انتقاد البنى الاجتماعية التي وضعت قيوداً على المرأة، بدلاً من مجرد محاولة تجاهلها. وشهد ذلك، بشكل جزئي، استجواباً مباشراً أكبر لصورة "الساحرة". ففي الوقت الذي كانت لسابرينا التسعينات ارتباط صغير بأي ممارسة حقيقية للسحر، حيث كان عليها فقط أن تشير بأصبعها لإنجاز الأمور، فإن أدواراً حديثة عن الساحرات استوحت من مسائل السحر والتنجيم مثل مسلسلات: أميركان هورور ستوري: كوفين، والساحرة، وساحرة الحب. في المقابل، ساعد هذا على موائمتها، والرد على الكراهية التاريخية ضد النساء والتي ارتبطت بكلمة "ساحرة"، لرسم خط يعود إلى محاكمات الساحرات في سيلِم.
وهكذا، يأخذ مسلسل المغامرات المخيفة لسابرينا، المسلسل الكوميدي ومسلسلات نتفلكس على حد سواء، مقاربة أكثر قتامة وتناقضاً لأفكار السحر وأعمال السحرة. وتواجه سابرينا خياراً: يمكنها الخضوع "للمعمودية المظلمة" للحصول على قواها، ولكن، بالقيام بذلك، ستُخضع نفسها لما تعرف أنه النظام الأبوي مع "دارك لورد" أو سيد الظلام، كرمزه. هذه هي سابرينا التي تُمثل حقبة أصبحت فيها "الساحرة" رمزاً لمعارك النساء من أجل المطالبة بملكية أجسادهن وهوياتهن. وهو أمر لا يمكن القيام به فقط بنقرة إصبع.
© The Independent