عندما نفكر في البريكست فإن أفضل شيء نفعله دائماً هو استحضار الدجاج المغسول بالكلور، ذلك الطائر الرمزي لعصرنا. وكما تعلمون ربما، هذا هو الدجاج المفضّل لدى الأميركيين والذي يُغسل ماء الكلور في نهاية حياته كطريقة بديلة للالتزام بالمعايير الصحية الصارمة. ورغم ذلك، حظر الاتحاد الأوروبي استيراده.
إذن، كيف يمكن التعامل مع الدجاج المغسول بالكلور بموجب مقترحات جونسون وفارادكار؟
حسنًا، يمكن لهذا الدجاج أن يدخل إلى أرصفة ميناء ليفربول، على سبيل المثال، وإذا أتى فسيكون من الممكن نقله بحرية عبر جميع أنحاء "البر الرئيسي" لبريطانيا العظمى دون عائق أو قيد. غير أنه لن يكون قادرا على العبور إلى دبلن أو بلفاست، لأن أيرلندا وأيرلندا الشمالية ستكونان ملتزمتين بمعايير الصحة النباتية التي وضعها الاتحاد الأوروبي. وكما ترى، فإن هذا يستدعي إجراء عمليات تفتيش لدى الانتقال من جزء إلى آخر في المملكة المتحدة، وهو أمر مثير للجدل بالنسبة للبعض في الحزب الديموقراطي الوحدوي والجناح المشكّك في الاتحاد الأوروبي من حزب المحافظين (إن صح التعبير).
لكن الأمر الأكثر أهمية هو الثقة. لماذا يثق الاتحاد الأوروبي في بوريس جونسون، وهو صاحب فكرة الموز المستقيم نفسه؟ إنهم يعرفونه جيدًا، كما أعتقد.
يحق للاتحاد الأوروبي أن يشعر بالقلق بشأن مدى صرامة الحدود بين بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية. هناك أيضا مخاوف بأن ينتهي دجاجنا المغسول بالكلور، على سبيل المثال، في لانكشاير حيث يتم تحويله إلى منتجات غذائية أخرى، مثل فطائر اللحم أو قطع الدجاج أو التوابل أو أي شيء آخر، ثم يُصدّر إلى أيرلندا أو إلى بقية دول الاتحاد الأوروبي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بالطبع يمكنك القول إن هذا سينظّم بالطريقة نفسها التي تُنظّم بها تجارة أي منتج من "طرف ثالث،" وأنه سيخضع لـ "قواعد المنشأ" لتحديد مدى صلاحية المكونات " البريطانية" وجودتها وما إذا كانا كافيين. لكن يمكن تفهم القلق من احتمال تسلل دجاجة أو دجاجتين مغسولتين بالكلور، إن جاز التعبير إلى الاتحاد الأوروبي. إن الرعب الذي سيصاب به أحد الباريسيين إذا اكتشف أن وجبته الجاهزة من الدجاج بالنبيذ coq au vin هي في الحقيقة دجاج بالكلور، سيمثل إهانة غير مقبولة لطريقة الحياة الفرنسية.
ثم هناك بضائع تصل ميناء بلفاست، وتشمل الدجاج الصحي غير المنظّف بالكلور والمناسب لمنطقة اليورو، قادمة على سبيل المثال من خارج الاتحاد الأوروبي أو بريطانيا العظمى، وسينتهي بعضها في بطون المستهلكين في كل من إيرلندا الشمالية وبريطانيا العظمى وجمهورية أيرلندا، وربما في الاتحاد الأوروبي بأكمله، إما كما هي أو على شكل منتجات الدجاج المعالج.
وفي هذه الحالة سيُطلب مرة أخرى من سلطات الاتحاد الأوروبي أن تُسند مهمة جمع الرسوم الجمركية المستحقة للاتحاد الأوروبي إلى هيئة الإيرادات والجمارك البريطانية، وهي منظمة أجنبية غير معنية. كما سيُطلب منها تعويض المستوردين حسب اللزوم على أي مدفوعات جمركية زائدة، وهذا يتوقف على الوجهة النهائية للدجاج. لكن من غير المعتاد أن تُكلّف أي دولة أو هيئة فوق وطنية طرفاً ثالثاً بجمع الضرائب. ويتمثل الخطر، كما يراه الاتحاد الأوروبي، في إضعاف صدقية السوق الموحدة وسلامتها، وفتح فرص هائلة للتهريب والاحتيال.
ثانياً، هناك حقيقة غير معترف بها، وهي مجرد مسألة انحياز ومصلحة ذاتية للمؤسسات، وتتمثل في أن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه أن يخلق للمملكة المتحدة سابقة مغرية، تجعل الدول الأعضاء الأخرى ترغب في نصيبها من الكعكة.
إذا استطاعت دولة عضو في الاتحاد الاوروبي أن تنتسب للاتحاد الجمركي التابع للاتحاد الأوروبي وتتمتع مع ذلك بالقدرة على ابرام صفقات تجارية في جميع أنحاء العالم، بعدما وقعت على صفقة شبيهة بالصفقة البريطانية، فإن ذلك سينطوي على مخاطر واضحة بالنسبة لمستقبل المشروع الأوروبي برمته.
فماذا لو سعت المجر أو إيطاليا إلى إبرام صفقات تجارة حرة مع روسيا والهند، تماما كما تخطط بريطانيا أن تفعل؟ وماذا لو كان السويديون والهولنديون يرغبون أيضا في توقيع اتفاقية تجارة حرة مع الصين، مكّملة لترتيبات الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، ماذا لو أرادوا إنهاء مساهماتهم في ميزانية الاتحاد الأوروبي والانسحاب من محكمة العدل الأوروبية.
نعم، هم أيضا سيفقدون مزايا السوق الموحدة، لكنهم قد يعتبرون ذلك ثمناً مناسباً مقابل حرية اقتصادية أكبر. حينها قد لا يتبقى الكثير من الصدقية لهيكيلية الاتحاد الأوروبي. لذلك فإن المشككين في أوروبا على حق عندما يقولون إنه ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي السماح للمملكة المتحدة بالحصول على صفقة تفضيلية تتيح الاستفادة من ميزات الاتحاد الأوروبي والتخلي عن تكاليفه والتزاماته.
من المنطقي والمعقول تماما أن يتصرف الاتحاد الأوروبي بهذه الطريقة، فهو ليس "أنانيا" أو على الأقل ليس أنانيا أكثر من البريطانيين.
أخيراً، يشعر الاتحاد الأوروبي بالقلق الشديد بشأن محاولة البريطانيين خلق نموذج اقتصادي آخر، سنغافورة على نهر التايمز كما يطلق عليه، وهو سباق نحو الأسفل لاقتصاد دولة صغيرة يتميز بحرية المشاريع وانخفاض الضرائب مصمّم لتقويض النموذج الأوروبي والتفوق عليه.
إنهم لا يريدون استقبال فطائر الدجاج ولحم الخنزير الذي يُنتج باستخدام عمالة الرقيق في مصانع غير آمنة للدجاج الأميركي. كما لا يرغبون في استيلاء الدجاج الأميركي على حصة المنتجين الأوروبيين في الأسواق العالمية. وسواء كان ذلك الكابوس المتعلق بالدواجن واقعياٍ أم لا، علماً أنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ ما هي المعايير والقوانيين التي قد تختار أي حكومة بريطانية مقبلة رفعها أو خفضها، فإنه يحق للاتحاد الأوروبي أن يطرح أسئلة حول شريكه التجاري الوشيك.
وهذا في الحقيقة هو ما يريده بوريس جونسون، وهو النقطة الأساسية في البريكست، أي تحسين الإنتاجية والقدرة التنافسية. لكن هذا ليس موضع ترحيب على الجانب الآخر من القناة الإنجليزية. وبحسب ميشيل بارنييه كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي بشأن البريكست فقد طلب جونسون من الأوروبيين "إزالة الإشارة إلى تكافؤ الفرص، وهي نقطة مهمة للغاية، اتفقنا عليها مع تيريزا ماي. هذه هي القواعد الأساسية، وأساس القواعد في مجال الضرائب والإعانات الحكومية والحقوق الاجتماعية وحقوق البيئة وحقوق المستهلك.. وبالتالي، فإننا أمام طلب لإبرام صفقة أساسية للتجارة الحرة، وهي معرضة لخطر المنافسة التنظيمية، وحتى الإغراق الضريبي أو الاجتماعي أو البيئي. لن نقبل هذا."
ستترك كل هذه الأسباب مجتمعة صفقة جونسون تراوح مكان صفقة تيريزا ماي، أي على هامش التاريخ. وسيترّكز الاختيار مجدداً، كما هو الحال دائما، على ثنائية الخروج من دون صفقة أو البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وبعدها ستُلقي لندن ودبلن اللوم بمهارة على بروكسيل، التي ستتقبله، إذ يستطيع بارنييه والاتحاد الأوروبي التعايش مع اللوم باعتباره ثمناً يستحق أن يُدفع للحفاظ على الاتحاد الأوروبي. ومن الجانب الآخر لا يمكن للمملكة المتحدة وإيرلندا التعايش مع خروج من دون صفقة، ولذلك فلن يحدث خروج من هذا النوع.
© The Independent