حذّرت الأمم المتحدة من إمكانية توقّف المساعدات الإنسانية في مناطق الشمال السوري التي تدور حرب فيها ما سيؤثر على مئات الآلاف من الأشخاص بعد اضطرار موظفي الإغاثة الأجانب إلى الهرب من البلاد مع اشتداد الهجوم التركي الذي أنهى أسبوعه الأول. وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان" عن مقتل 71 مدنياً في الأقل وتهجير 300 ألف شخص آخرين، منذ إطلاق أنقرة معركتها المثيرة للجدل ضد القوات الكردية. كذلك فرّ عدد غير محدّد من مقاتلي "داعش" وأقربائهم، من السجون والمخيمات التي احتُجزوا فيها وسط المعارك الراهنة.
ودارت يوم الأربعاء الماضي اشتباكات عنيفة في مدينة رأس العين السورية الحدودية. ووصلت أصداء دويّ مدافع الهاون وانفجارات الصواريخ إلى بلدة "جيلان بينار" التركية المتاخمة للحدود السورية.
وبسبب تفوق الأتراك عليهم عسكرياً، عقد الأكراد اتفاقاً مع الرئيس بشار الأسد الذي توغّلت قواته داخل المناطق الواقعة تحت السيطرة الكردية يوم الأربعاء أيضاً. وكذلك دخلت القوات الحكومية السورية والقوات الروسية الحليفة لها مدينة "كوباني" الحدودية الاستراتيجية للمرة الأولى منذ خمس سنوات.
ونتيجة قلقهم من الاقتراب الميداني المفاجئ لقوات النظام واشتداد النيران التركية، اضطر حوالى 300 موظف إغاثة أجنبي إلى التخلي عن مواقعهم. إذ تكن الحكومة السورية عداءً للمنظمات غير الحكومية الأجنبية ما يجعل كثيرين من موظيفها عرضة للاعتقال.
وأصدرت وكالات إغاثة دولية ومنظمات طبية دولية من بينها "أطباء بلا حدود" و"إنقاذ الطفل" و"ميرسي كور" و"دان تشورتش إيد"، بيانات تعلن فيها اضطرار موظفيها الدوليين إلى الخروج من سوريا، ما يؤدي إلى إيقاف خدماتها كلياً أو جزئياً في البلاد. ونتيجة لذلك، أشارت الأمم المتحدة إلى حدوث اختلال في عمليات "إيصال" المساعدات إلى معظم مناطق الشمال السوري التي ضمّت قبل الاقتتال الأخير قرابة مليون نازح يعتمدون على المساعدات من أجل مواصلة حياتهم اليومية.
وتحدث هيدين هالدورسون موظّف الأمم المتحدة في دمشق إلى الاندبندنت، وذكر أنّه "نظراً للتغييرات الميدانية وغياب الأمان اضطرت بعض المنظمات الشريكة لنا إلى نقل موظفيها الدوليين الذين كانوا يعملون في الشمال الشرقي خارج المنطقة (الكردية في شمال سوريا)، فيما أُجبرت منظمات أخرى على تعليق عملياتها هناك". وأضاف "تستمر محاولات العمل على إبقاء القنوات مفتوحة أمام مواصلة تقديم المساعدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تطوّر متّصل، أوفد الرئيس ترمب يوم الأربعاء مسؤولين كبار في إدارته إلى تركيا بهدف إجراء محادثات طارئة لإقناع أنقرة بإيقاف هجومها. وقد ألقى ناقدون في بداية تلك التطوّرات، اللوم على السيد ترمب لإعطائه "الضوء الأخضر" لبدء الهجوم بعد إعلانه عن تنحي القوات الأميركية وانسحابها قبل الهجوم التركي الوشيك متخلّياً بالتالي عن حلفائه الأكراد الذين ساعدوا واشنطن في القضاء على "داعش".
وفرضت الولايات المتحدة مذّاك عقوبات على تركيا شملت رفع الرسوم الجمركية على صادرات مواد الصلب، إضافة إلى إيقاف المحادثات التجارية بين البلدين. كذلك فرضت مجموعة من البلدان من بينها المملكة المتحدة، حظراً على بيع الأسلحة إلى أنقرة من دون أن يُحدث ذلك الأمر تأثيراً كبيراً.
وعلى الرغم من تزايد الضغط عليه، ظلّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متمسكاً بموقفه، وصرّح في وقت سابق "لن نعلن أبداً عن وقف إطلاق النار".
وفي تلك الأثناء في سوريا، أكّد ناطق باسم الثوار أنّ "العملية مستمرة في رأس العين". ومن الجانب التركي للحدود، ظهرت سيارات الإسعاف في تلك المدينة الواقعة تحت الحرب أثناء انطلاقها من الجبهة باتجاه المستشفيات.
وكذلك أوضح بيان أصدرته الحكومة التركية أنّ وسط مدينة "رأس العين" و1.217 كيلومتر مربع من الأراضي باتت "خالية من الإرهابيين". واعتبر موظفو الإغاثة في سوريا أن اضطرار الموظفين الدوليين إلى ترك البلاد بسبب وجود النظام سيزيد الوضع الانساني سوءً.
وفي مقلب آخر من ذلك المشهد، وصف "الصليب الأحمر الكردي" الانسحاب المفاجئ (لموظفي الهيئات الدولية للإغاثة) بالـ"كارثة"، لافتاً إلى أن موظفيه ومتطوعيه الذين يزيد عددهم على ألف شخص عاجزون عن تحمّل ذلك العبء وحدهم.
إذ صرح الدكتور شروان بيري من "الصليب الأحمر الكردي" إنّ "عمليات التنسيق إنهارت بشكل شبه كلّي منذ اضطرار الموظفين الدوليين إلى المغادرة لأنهم كانوا يتحملون مسؤولية انتقال المساعدات عبر الحدود. وكنا نعتمد على شركائنا أيضاً من أجل الحصول على التمويل... ونحن بحاجة إلى الأطباء الدوليين لدعمنا".
وأضاف، "نتحمل أعباء عظيمة. وليس لدينا عدد كافٍ من الموظفين لإدارة المستشفيات. وقد خسرنا كثيراً من العيادات جرّاء القصف ولدينا 300 ألف نازح بحاجة إلى الطعام والمأوى والماء والرعاية الصحية. ونحن نصارع كي نلبّي احتياجاتهم". وأشار أيضاً إلى أنّ القصف الجوي التركي طاول سيارات الإسعاف التابعة إلى "الصليب الأحمر الكردي"، وتوقّف عدد من المستشفيات عن العمل بسبب القتال الدائر. وتابع بيري، "يفترش عشرات الآلاف من النازحين الأرض... إنهم بحاجة إلى الطعام والأدوية والماء".
وفي تطور متّصل، ذكر أحد كبار المسؤولين الأجانب من العاملين في القطاع الإنساني، وقد طلب عدم الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنية، إن استمرار سيطرة النظام على شمال شرقي سوريا والمنطقة الحدودية يُعتبر أمراً "مأساوياً" لأنهم لن يقدروا في هذه الحالة على العودة إلى تلك المناطق.
وأضاف، "ساندت منظمات الإغاثة الدولية المستشفيات في أكبر البلدات والمدن في تلك المنطقة، وكانت المسؤولة عن جلب المياه وتوزيع الخبز وتأهيل المدارس وإنشاء محطات المياه وقنوات الريّ... وكذلك إنها الجهة الوحيدة التي تعمل على إزالة الألغام". وأضاف، "لا يستطيع شركاؤنا المحليون والأمم المتحدة تحمل هذه المسؤوليات وحدهم".
وفي ذلك الصدد، ذكر روبرت أونوس مدير الطوارئ في سوريا في منظمة "أطباء بلا حدود" إنه من "المستحيل" العمل في ظلّ "انعدام الأمن" الحالي وإنهم يشعرون "ببالغ القلق على سلامة الزملاء السوريين وعائلاتهم".
وأخبر أونوس الإندنبندنت أيضاً أنّه "حتى قبل اندلاع المعارك، ضمّت المنطقة مئات الآلاف من النازحين الذين يعتمدون كليًّا على المساعدات كي يقدروا على الاستمرار".
وكذلك لفت إلى تفاقم ذلك الوضع الآن نتيجة موجة نزوح جديدة واسعة، وزيادة أعباء الحرب، وتراجع القدرة على إيصال المساعدات، وتوقّف نشاطات الإغاثة الدولية.
ووفق كلماته، "طاولتنا الأزمة فعليّاً لكن الموضوع الآن يتمثّل في مدى جسامتها".
© The Independent