كانت الواحدة ظهرا، موعد بدء عرض فيلم "جوكر Joker" في حفلة منتصف النهار بإحدى السينمات بمنطقة القاهرة الجديدة، حماس الجمهور لمتابعة فيلم خواكين فينيكس الذي أثار ضجة كبيرة كان واضحا، لكن المربك في الأمر أن طفلين ما بين الثامنة والثانية عشرة دخلا إلى القاعة مع الأبوين على ما يبدو، لمتابعة كل هذه الأفكار "السوداوية" وكل هذه الرغبات الانتقامية وسلسلة طويلة من تبريرات تصفية الخلافات بالدم والانتقام الشرس.
الفيلم الذي تظهر شارته واضحة "+16"، على الأرجح يذهب في مصر إلى جمهور أقل من هذا العمر بكثير، في الوقت الذي رفعت فيه دور العرض في بعض المدن الأميركية حالات الطوارئ، واحتشدت قوات الشرطة خوفا من أعمال شغب يمكن أن تصاحب عرض الفيلم الذي اتهمه البعض بالفعل بالترويج للعنف!
أفلام +18 يشاهدها أطفال دون العاشرة!
إذاً، الآباء يأتون بالعنف على طبق جاهز إلى أبنائهم ثم يشتكون من تأثير الفن السيئ عليهم، هذا هو ملخص المشهد الغريب في السينما، ولكن ماذا عن مديري دور العرض وبائعي التذاكر، هل تطبيق التصنيف العمري بات أمرا من الماضي، أم يعتبرونه لفتة دعائية بالأساس؟
"رانيا س."، تبيع التذاكر بإحدى السينمات الشهيرة في منطقة الجيزة، ردّت على استفسار "اندبندنت عربية" بأن هيئة الرقابة على المصنفات الفنية بالفعل تنظم من وقت لآخر حملات تفتيشية لمتابعة مدى التزام السينمات إدخال الجمهور لمشاهدة الأفلام وفقا للتصنيف العمري الذي أقرّته الرقابة، وفي حال المخالفة يتم عمل محضر رسمي، ولكن بالطبع لا تكون العقوبة فورية، وهي تصل إلى 10 آلاف جنيه مصري كغرامة (نحو 650 دولارا أميركيا)".
تتابع رانيا "وقتها بالفعل نكون ملتزمين، بخلاف ذلك تحدث بعض الاستثناءات"، وتعترف بأن الأمر في الأعياد يكون خارج عن السيطرة تماما، على الرغم من محاولات الضبط والربط وكثافة مرور اللجان الرقابية، وأنهم يحاولون بقدر المستطاع إدخال الجمهور بعد إبراز الهوية، ولكن شدة التزاحم على دور العرض في تلك المواسم تحول دون ذلك، خصوصا وأن الأعياد تمثل مواسم لتحقيق إيرادات كبيرة، فلا مانع من التغاضي.
الجمهور الأكبر للسينما أقل من 18 عاما!
كلام عاملة التذاكر بالسينما، التي تعيش في قلب الحدث يوميا، لا يحتاج إلى دليل. وبجولة على صالات السينما في مصر يمكن التأكد ببساطة أن مسألة "التصنيف العمري" لا يلتزم بها كثيرون، واللافت أن أكثر من يكسرونها هم الآباء أنفسهم، والذين لا يمانعون في أن يشاهد أطفالهم محتوى غير مناسب لمرحلتهم العمرية، وقد يتسبب لهم في أذى نفسي وضرر بالغ. بالطبع ليس كل الآباء، ولكن عدد غير قليل. منهم السيدة "هـ. و."، التي اصطحبت ابنتها البالغة من العمر ست سنوات لمشاهدة فيلم كوميدي مصنف أيضا بـ"+16"، مؤكدة باقتضاب أنها ليس لديها مكان لتتركها فيه، وأنها بالطبع لن تدخل معها فيلم الأطفال الذي يعرض في القاعة المجاورة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تمتلئ سينمات وسط البلد بالعاصمة المصرية القاهرة بالتحديد بأطفال دون الرابعة عشرة في تجمعات كبيرة يدخلون دفعة واحدة أفلاما أكبر من عمرهم بكثير، وهو أمر يبدو معتادا جدا، خصوصا وأن تلك الفئة هي الشريحة الأكبر من جمهور السينما، وتمثل عاملا مهما في لعبة الإيرادات نظرا لعددها. وبحسب عامل شباك تذاكر في إحدى تلك السينمات فإنهم لا يطلبون الهويات الشخصية إلا مع وجود لجنة تفتيشية من هيئة الرقابة على المصنفات الفنية.
ومن المعروف أن جدول التصنيف العمري بدأ العمل به في مصر منذ أربع سنوات تقريبا، وهو يبدأ من أفلام الأطفال أو العائلية، مرورا بأعمار 12 و16 و18 عاما، وقد جاء العمل به كبديل عن المبالغة في حذف مشاهد كثيرة من الأفلام، وبالتالي يتم الإبقاء عليها مع تحديد فئة الجمهور، ولكن على ما يبدو فإن قواعد التصنيف لا يتم الالتزام بها كثيرا.
الرقابة تفتش والأسر لا تهتم!
ما يحدث هو أن هيئة الرقابة تقوم بجولات دورية وتقوم بالفعل بعمل محضر للسينمات المخالفة، لكن نظرا لوجود مئات السينمات فالأمر يبدو صعبا، كما أن الأمر يزداد صعوبة في المحافظات، وبالتالي التجاوزات لا تتوقف، واللافت أن غرفة صناعة السينما لا تقوم بجولات مثيلة، بحسب تصريحت سابقة لأعضائها، حيث أكدوا أن متابعة تنفيذ لائحة التصنيف العمري أمر يخصّ هيئة الرقابة فقط، لكن المؤكد أن ثقافة الوعي والالتزام يجب أن تكون أولا من الأسرة ومن العائلة، سواء فيما يتعلق بالمشاهدة في السينما أو حتى التلفزيون، حيث إن القنوات الفضائية باتت ملتزمة بوضع تصنيف عمري واضح لمحتوى برامحها أيضا، وعلى رواد السينمات أن يحموا حقهم وحقوق غيرهم في تطبيق فكرة التصنيف ويضغطوا على دور العرض في هذا الشأن، فمن الصعب أن يكون هناك رقيب بكل سينما يقيم بها طوال فترة استقبالها للجمهور.