قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السبت 19 أكتوبر (تشرين الاول) 2019، إن بلاده "ستستأنف عمليتها العسكرية في شمال شرقي سوريا، وستسحق رؤوس الإرهابيين، إذا لم يُنفذ الاتفاق المبرم مع واشنطن بشأن انسحاب المقاتلين الأكراد من المنطقة تنفيذاً كاملاً".
الهدنة "الهشة"
وكان أردوغان قد وافق خلال محادثات مع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس الخميس 17 أكتوبر، على وقف الهجوم التركي خمسة أيام، لإتاحة الوقت أمام المقاتلين الأكراد للانسحاب من "منطقة آمنة"، تريد تركيا إقامتها في شمال شرقي سوريا قرب حدودها.
وذكرت وكالة "رويترز" أن الهدنة الهشة لا تزال صامدة على امتداد الحدود بين البلدين، وأن عدداً قليلاً من المركبات العسكرية التركية يعبر الحدود. وتحدثت وزارة الدفاع التركية عن "14 هجوماً استفزازياً مصدرها سوريا في الساعات الـ 36 الأخيرة"، وأكدت أنها تواصل التنسيق الوثيق مع الولايات المتحدة بشأن تنفيذ الاتفاق.
وحذر أردوغان قائلاً "ما لم يصمد الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة، فإن تركيا ستستأنف عمليتها العسكرية من حيث توقفت"، وتابع أمام حشد من أنصاره في إقليم قيصري بوسط البلاد "إذا صمد فإننا نرحب بذلك، وإن لم يصمد فسنستمر في سحق رؤوس الإرهابيين في الدقيقة التي تنقضي فيها الـ 120 ساعة"، وهي مدة سريان وقف إطلاق النار.
وأضاف "إذا لم يكن هناك التزام بالوعود المقدمة لنا فلن ننتظر كما فعلنا من قبل، وسنواصل العملية من حيث توقفت فور انتهاء المدة".
الأزمة الإنسانية
وأعلن مسؤول تركي كبير لوكالة "رويترز"، أن "الاتفاق المفاجئ على تعليق الحملة العسكرية التركية في سوريا كان متوقفاً على طلب من أردوغان بأن توافق واشنطن على حد زمني لأي وقف لإطلاق النار".
ويهدف الاتفاق إلى الحد من أزمة إنسانية دفعت 200 ألف مدني إلى النزوح، وتهدئة قلق أمني إزاء آلاف من أسرى تنظيم "داعش" تحرسهم وحدات حماية الشعب الكردية السورية التي يستهدفها الهجوم التركي.
ومن المفترض أن تمتد "المنطقة الآمنة" لعمق يتجاوز 30 كيلومتراً داخل سوريا. وقال أردوغان الجمعة 18 أكتوبر إن "المنطقة الآمنة ستمتد حوالى 440 كيلومتراً من الغرب إلى الشرق على الحدود"، لكن المبعوث الأميركي الخاص لسوريا قال إن "الاتفاق يغطي منطقة أصغر وهي تلك التي تقاتل فيها القوات التركية وحلفاؤها من المعارضة السورية".
وقال أردوغان أيضاً يوم الجمعة إن "تركيا ستقيم حوالى 12 موقع مراقبة في شمال شرقي سوريا"، وإنه سيجري محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن الخطوات التي ستُتخذ في "المنطقة الآمنة" الأسبوع المقبل.
محادثات طارئة في سوتشي
وتهدف الهدنة أيضاً إلى تهدئة أزمة أحدثها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب المفاجئ هذا الشهر، بسحب كل قوات الولايات المتحدة من شمال سوريا وقوامها ألف جندي. وقوبل هذا القرار بانتقادات في واشنطن وأماكن أخرى، واعتبره البعض غدراً بالحلفاء الأكراد الذي قاتلوا لسنوات إلى جانب القوات الأميركية ضد تنظيم "داعش".
ودافع ترمب عن قراره ووصفه بأنه "رائع استراتيجياً" وقال إن "الهدنة التي جرى التوصل إليها مع تركيا ستنقذ حياة الملايين"، وأضاف لاحقاً أنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع أردوغان وأن الرئيس التركي "يرغب بشدة في نجاح وقف إطلاق النار".
ونشر النظام السوري بالفعل قواته في منطقة كانت في السابق تحت حماية واشنطن بعد أن دعاه الأكراد لدخولها. وقال أردوغان إن "تركيا لا تجد مشكلة في نشر قوات النظام السوري قرب الحدود".
لكنه أضاف السبت أنه سيناقش انتشار قوات النظام السوري في شمال سوريا خلال محادثاته مع بوتين في منتجع سوتشي الروسي الواقع على البحر الأسود يوم الثلاثاء 22 أكتوبر.
"لعبة" الأميركيين - الأتراك
في المقابل، قال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في تصريح صحافي، إن "الأتراك يمنعون انسحاب قواتنا والجرحى والمدنيين من مدينة سري كانيه"، محذراً "إذا لم يجر الالتزام سنعتبر ما حصل لعبة بين الأميركيين وتركيا، فهم من جهة يمنعون انسحاب قواتنا، ومن جهة أخرى يدّعون أنها لم تنسحب، سنعتبرها مؤامرة ضد قواتنا".
كما أعلن أن قواته "استأنفت عملياتها ضد خلايا داعش في شرق سوريا بالتعاون مع قوات التحالف الدولي"، مؤكداً أنه لا يرغب باستلام الروس وحدهم زمام الأمور، مبدياً رغبته في دور أميركي في شمال سوريا وشرقها.
مئات تحت الأنقاض
ومع ساعات مساء السبت 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، تمكنت سيارات الإسعاف من دخول مدينة رأس العين (سري كانيه)، وتمكنت من إجلاء 30 مصاباً وأربعة قتلى قضوا جراء العملية العسكرية التركية، بينما يُعتقد أن المئات بقي داخل المدينة وتحت الأنقاض.
القافلة كانت مؤلفة من أكثر من 25 سيارة إسعاف تابعة لمنظمة "فري بورما رنجرز" و"الصليب الأحمر الدولي" و"الهلال الأحمر الكردي"، لنقل الجرحى إلى مستشفيات بلدة تل تمر، في حين نُقل عدد آخر إلى مستشفيات مدينة القامشلي.
عمليات سرقة ونهب
من جهة أخرى، تداول ناشطون فيديوات وصوراً توثق عمليات سرقة ونهب الفصائل المدعومة من تركيا في القرى والمدن التي طاولتها العملية العسكرية التركية، وتحدثت مصادر محلية لـ "اندبندنت عربية" عن "عمليات سرقة ونهب في قرى مدينة رأس العين، طاولت منازل أعضاء المؤسسات المدنية التابعة للإدارة الذاتية، إضافة إلى نهب المارة على الطرقات التي تسيطر عليها القوات التركية".
كما نشر ناشطون صوراً لمنازل المواطنين في مدينة تل أبيض في حي الليل، كتب عليها كلمة "محجوز" لصالح الفصائل التي تسيطر على المدينة.