هزّت مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في السودان، 3 يونيو (حزيران) 2019، التي راح ضحيتها مئات المواطنين والمواطنات بين قتيل وجريح ومفقود، العالم بأسره، إلا أن فك لغز مرتكبيها ما زال بعيداً.
في الأثناء، يرفض قطاع عريض من الشعب السوداني نتائج التحقيقات السابقة التي شكلها المجلس العسكري الانتقالي، فيما يأمل السودانيون وبخاصة أسر ضحايا المجزرة في أن تتوصل اللجنة المستقلة التي شكلها رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الأحد 20 أكتوبر (تشرين الأول) برئاسة الخبير القانوني والحقوقي نبيل أديب إلى الجناة الحقيقيين لتقديمهم إلى المحاكمة العادلة، وإغلاق ملف القضية التي لم يشهد مثيل لها في تاريخ البلاد.
تحديد المسؤولين
وفق القرار الصادر من مجلس الوزراء السوداني، فإن لجنة التحقيق المشكلة بموجب الوثيقة الدستورية تختص بالتحقيق بغرض تحديد المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى. وخوّل المجلس اللجنة، التحقيق في الانتهاكات التي جرت، والأحداث والوقائع التي تمت فيها انتهاكات لحقوق المواطنين وكرامتهم بمحيط القيادة العامة للجيش في الخرطوم والولايات، وتتولى تحديد الضحايا وعدد القتلى والجرحى والمفقودين، وتحديد قيمة الخسائر المالية والجهات والأشخاص المتضررين من ذلك.
وأعطى القرار اللجنة سلطة استدعاء أي شخص أو مسؤول حكومي أو نظامي أو موظف عام بغرض الإدلاء بالشهادة أو التحقيق، إلى جانب طلب أي معلومات من هؤلاء الأشخاص تتعلق بموضع التحقيق، ويشمل ذلك المعلومات عن عملهم والتوجيهات الصادرة عنهم والإجراءات التي اتخذت قبل أو بعد فض الاعتصام. ومنحت اللجنة سلطة الاطلاع على محاضر التحقيق الجنائية والإدارية ودفاتر الأحوال والمكاتبات والتقارير العسكرية والشرطية والأمنية.
نبش الجثث
وتملك اللجنة المشكّلة كذلك صلاحية نبش الجثث وتشريحها، ومقابلة الموقوفين والمحكومين بشأن فض الاعتصام والانتهاكات الأخرى، ودخول أي مكان أو مرفق عام بالبلاد بغرض التفتيش أو في إطار التحقيق، وأجاز القرار لرئيس الوزراء من تلقاء نفسه أو بناء على توصية اللجنة إعفاء أي من أعضائها وتعيين بديل له. ويجوز للجنة الوطنية طلب العون الفني من الاتحاد الأفريقي عبر وزارة الخارجية، على أن تلتزم بالمعايير المهنية والدولية في التحقيق. وأشار القرار إلى أن تكون للجنة التحقيق جميع سلطات التحقيق الواردة في قانون لجان التحقيق ١٩٥٤، بالإضافة إلى سلطات نيابية وقانون الإجراءات الجنائية، ويحق لها استلام الشكاوى من الضحايا وأولياء الدم والممثلين القانونيين، وتعمل اللجنة باستقلال تام عن أي جهة حكومية أو عدلية أو قانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويلزم القرار وزراء الدفاع، والداخلية، والصحة ومدير جهاز المخابرات بتسهيل مهمات لجنة التحقيق، ويجوز لأي شخص من عائلات وضحايا فض الاعتصام المطالبة بالحقوق القانونية ومتابعتها ولا تعتبر أعمال اللجنة مانعة لذلك. ومنح القرار اللجنة الوطنية حق الاستعانة بمن تراه مناسباً لأداء مهماتها، على أن تقوم الدولة بتوفير مقر وميزانية للجنة والموظفين الإداريين، وأن تكون مدة عمل اللجنة ثلاثة أشهر ويجوز تمديدها بناء على توصياتها لمدة مماثلة، على أن ترفع تقريراً شهرياً لرئيس الوزراء. وسمى القرار كبير المستشارين عثمان محمد عثمان مقرراً للجنة، وصهيب عبد اللطيف من النيابة الجنائية مقرراً مناوباً، والعقيد حقوقي عصمت عبد الله محمد طه، واللواء حقوقي خالد مهدي، ومحمد زين الماحي، وأحمد الطاهر النور أعضاء للجنة التحقيق.
سلطات واسعة
وأكد رئيس لجنة التحقيق المحامي نبيل أديب أن تشكيل هذه اللجنة جاء مختلفاً عن سلطات لجنة التحقيق وفقاً لقانون لجان التحقيق لسنة 1954، لإضافة سلطات نيابية وسلطات من قانون الإجراءات الجنائية. في حين أوضح المحامي والقيادي في قوى الحرية والتغيير وجدي صالح لـ"اندبندنت عربية" أن قرار تشكيل هذه اللجنة تدارك السلبيات التي صاحبت تشكيل القرار الأول الذي أصدره رئيس الوزراء، فضلاً عن أنه منح اللجنة سلطات لم تنحصر في لجان التحقيق لعام 1954 بل سلطات نيابية وقانونية وسلطة التحقيق والتحري وتمثيل الاتهام أمام المحاكم، مؤكداً أنها سلطات واسعة وقادرة على أن تؤدي اللجنة مهماتها كاملة. وأضاف "في تقديري أن ما خصه القرار من سلطات وتسمية بالأشخاص يطمئن بإمكان الوصول إلى الجناة وحقيقة فض الاعتصام". بينما أشار المحامي المعز حضرة إلى أن تشكيل هذه اللجنة لم يتم فيها تشاور المعنيين والناشطين الحقوقيين والمحامين الديمقراطيين وأسر الضحايا، بالإضافة إلى أنها لم تضم عنصراً نسائياً ما يتناقض مع توجهات الحكومة الانتقالية، لافتاً إلى أن اللجنة ولدت ميتة، وبالتالي لن تستطيع أداء الدور المناط بها على الوجه الأكمل. وبيّن أنهم كتجمع للمحامين الديمقراطيين أوصلوا اعتراضهم على تشكيل هذه اللجنة لقوى الحرية والتغيير باعتبارها الحاضن السياسي للحكومة الانتقالية، مطالبين بإعادة النظر في اللجنة تفادياً للسلبيات التي قد تعترضها.
لجان سابقة
وشهد السودان على مر تاريخه تكوين لجان تحقيق في أحداث كبيرة، أولها لجنة تحقيق حادثة توريت برئاسة قاضي بريطاني من أصل فلسطيني وآخرها لجنة دفع الله الحاج يوسف للانتهاكات في دارفور. ونصت الوثيقة الدستورية التي وقّعت بين المجلس العسكري الانتقالي آنذاك وقوى إعلان الحرية والتغيير في 17 أغسطس (آب) 2019 في الفقرة 18 على أنه بعد تكوين الحكومة، تشكل لجنة تحقيق وطنية مستقلة لإجراء تحقيق شفاف ودقيق في الأحداث الدامية والمؤسفة والجرائم التي ارتكبت في اعتصام القيادة العامة وغيرها من الأحداث والوقائع التي حدثت فيها انتهاكات لحقوق وكرامة المواطنين مدنيين كانوا أم عسكريين. ويجوز للجنة أن تطلب أي دعم أفريقي إذا اقتضت الحاجة ذلك. وكان الطرفان اتفقا على تشكيل لجنة أفريقية للتحقيق في الانتهاكات التي وقعت أثناء فض الاعتصام.