لفحت أجواءٌ إيجابية المفاوضين الدوليين وعلى رأسهم "غير بيدرسون"، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا خلال زيارته الأولى طهران، والتي أسفرت عن إحراز تقدم سريع في ملف صياغة دستور سوري جديد منذراً بحل قريب أعلنه وزيرا خارجية روسيا سيرغي لافروف وتركيا مولود جاويش أوغلو، بعد الاتفاق على أسماء لجنة مكلفة صياغة الدستور، بعد خلاف حول أسماء القائمة الثالثة التي تتضمن شخصيات مستقلة من المجتمع المدني.
يشوب هذا التفاؤل تكهنات حول الخطوات اللاحقة، وما ستؤول إليه مباحثات قمة مزمع عقدها في مدينة سوتشي الروسية في 14 فبراير (شباط) الحالي، وعلى الرغم من أن روسيا عرّاب مسودة الدستور الجديد التي أتاحت في بنوده تقليصاً لصلاحيات رئاسة الجمهورية، ومنح صلاحيات أوسع للسلطة التشريعية، لم تكن لتطرح المشروع إلا بموافقة أميركية ضمنية.
التوافق الأخير
ما بين التوافق الحذر بين أطراف النزاع، سلطة ومعارضة ومجتمعاً دولياً، تترقب كل الأطراف ما سيجري بعد إعلان لجنة الصياغة، لتُفصح دمشق عن موقفها الرافض لأن يكون الدستور مجالاً للتدخل الدولي في شؤونها الداخلية، إذ صدر آخر تعديل للدستور السوري في27 فبراير2012 وهو خامس دستور دائم للبلاد. واعتبرت قوى المعارضة ذلك بمثابة عرقلة واضحة لتطبيق القرارات الدولية التي تعدّها مرجعاً للتفاوض مع السلطة في سوريا ونتاج مؤتمر الحوار الوطني السوري الذي عُقد مطلع العام 2018.
وفي وقت، لا تألو كل من إيران وتركيا وروسيا جهداً في دفع العمل لإنجاز الدستور الجديد كبوابة للتسويات السياسية المتلاحقة التي ستشهدها سوريا، يذّكر السلطة بوجود قوى خارجية تريد وأد كل الحلول السياسية والخروج بتسويات سياسية تصب في صالحها. ورأى مصدر في هيئة المصالحة الوطنية في سوريا أن أهم شروط نجاح عمل اللجنة الدستورية هو ممارستها دورها بعيداً من أي ضغوط خارجية أو شروط سياسية، في إشارة إلى وجود دول تسعى إلى عرقلة عودة اللاجئين السوريين وتشكيل اللجنة الدستورية، بهدف تحقيق مكاسب سياسية عجزت عنها عسكرياً.
ولم تخفِ قوى المعارضة مخاوفها إزاء إجهاض كل الجهود والخطوات الناجحة، عبر رفض السلطة الدستور العتيد والتوافق الدولي الأخير حول لجنة الصياغة. وصرّح أحمد طعمة، الرئيس السابق للحكومة السورية الموقتة أن "السلطة في سورية تطرح شروطاً تعجيزية غير قابلة للتطبيق فالحضور الأممي ضروري"، معرباً عن تفاؤله بإعلان اللجنة خلال أسابيع قريبة.
بوابة الحل السياسي
وباتت اللجنة الدستورية بمكوناتها الثلاثة جاهزة، وتبدي موسكو ثقة في أن الحل السياسي على الأرض بات وشيكاً بعد إنهاء خلافات حول أسماء ستة أعضاء في اللجنة وتحديداً في الثلث الخاص بالأمم المتحدة مع نقاط عدة كانت محل خلاف، بخاصة رئاسة اللجنة وآليات عملها، ليعلن المبعوث الدولي بيدرسون عن أملٍ في عقد أول اجتماعات اللجنة في نهاية الشهر الحالي.
وتنقسم اللجنة المكوّنة من 45 اسماً من السياسيين والحقوقيين السوريين، إلى ثلاثة أثلاث، الثلث الأول يمثّل 15 شخصية من السلطة، والثلث الثاني مكوّن من 15 شخصية من المعارضة، في حين يتألّف الثلث الثالث من 15 شخصية من المجتمع المدني السوري والمنظمات المحلية، سيكون أمامها دراسة مشروع دستور، أول بنوده استبدال اسم الجمهورية العربية السورية بـ "الجمهورية السورية"، وفق تسريبات.
وتشير بنود أخرى إلى الانتقال إلى "اللامركزية" وإفساح المجال أمام المناطق والمدن لإدارة شؤونها محلياً، مع تفاصيل تتحدث عن السماح بدخول لغة ثانية إلى جانب العربية ومنها الكردية في مناطق الحكم الذاتي الكردي. ويحق لكل منطقة وفقاً للقانون أن تستخدم إضافة إلى اللغة الرسمية لغة أكثرية السكان، إذا كان موافَقاً عليها وفق تسريبات مسودة مشروع الدستور.
وتجد موسكو في اللجنة الدستورية أولى الخطوات على طريق الخروج من الأزمة السورية. وتبذل الدول الثلاث الضامنة عملية أستانا (روسيا وتركيا وإيران)، الجهود اللازمة لتشكيل اللجنة وانطلاق عملها لتبدو راغبة في إنجاز تحققه على الأرض السورية سياسياً تحت غطاء دولي، الأمر الذي تحضّ عليه واشنطن. وشدّد المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، على ضرورة أن تدفع موسكو دمشق إلى الالتزام ببدء عملية سياسية برعاية الأمم المتحدة، عبر تشكيل لجنة الدستور السوري بموجب قرار اتخذته القمة التي عقدت في إسطنبول في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 في شأن سوريا.
القرار 2254 والرعاية الأممية
وترى دمشق أن المبعوث الدولي السابق إلى سوريا ستيفان دي مستورا، خرج عن روح "مؤتمر سوتشي"، ما أخّر تشكيل اللجنة الدستورية، في إشارة إلى القرار 2254 الذي صدر في 18 ديسمبر (كانون الأول) 2015، وينص على تيسير الأمم المتحدة العملية السياسية وأن الشعب السوري هو مَن يقرر مستقبل البلاد، داعياً إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية دولية ووقف أي هجمات ضد المدنيين فوراً. وأراد دي مستورا في حينه، إضافة طرف جديد إلى اللجنة عبر تضمين طرف سياسي ثالث قوامه المعارضة، تحت عنوان المجتمع المدني، وفق ما ذكر المستشار والباحث السياسي الدكتور عبد القادر عزوز.
ويتماهى موقف معارضة الداخل مع موقف السلطة وثقتها بالضامن الروسي في تشكيل اللجنة مع تشكيكها في دور تركي فعال لصالح البلاد. وتمثل هذه المعارضة قوىً داخل سورية تبدي حذرها من صياغة الدستور، وطالبت في مؤتمرات جنيف المتتالية منذ العام 2016 بوقف الاقتتال والبدء بالعملية الدستورية. وأشار سياسي بارز في معارضة الداخل إلى ضرورة عودة المهجرين وفتح المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية إضافة إلى إجراء انتخابات مبكرة.
كما جاء استفتاء الدستور السوري الحالي الذي تمّ في العام 2012 وصودق عليه، نتيجة مطالبة شعبية وحزمة إصلاحات وعدت بها السلطة، في وقت دعت المعارضة إلى مقاطعته. ويتألف الدستور الحالي من 157 مادة وستة أبواب وتسعة فصول ومقدمة. ويشير الباب الأول والثاني إلى هوية الدولة والحقوق والحريات العامة، أما الباب الثالث فيتعلق بسلطات الدولة والمحكمة الدستورية العليا التي أُفرد لها بابا خاص، في حين خُصِّص الباب الخامس لتعديل الدستور والباب السادس للأحكام العامة والانتقالية.
ونصّ الدستور الحالي على المساواة بين المواطنين، واعترافه بالتنوّع الثقافي في البلاد ويلزم الدولة بحفظه، ويعتبر الحرية حقاً مقدساً والشعب السوري جزءاً من الأمة العربية ويتيح التعددية السياسية والاقتصادية وينصّ على الفصل بين السلطات.