طالب علماء بحظر واسع النطاق على استخدام أجهزة السونار لحماية الحيتان، بعد أن سلّطت إحدى الدراسات الضوء على العلاقة بين النبضات الصوتية العسكرية للسونار ونفوق عشرات الثدييات بعد جنوحها جماعياً إلى الشاطئ.
منذ وقت طويل، وعلماء الأحياء البحرية يحذّرون من أن السونار قد يُتلف حواس المخلوقات، حيث ان الأصوات غير المألوفة الصادرة عن السفن والغواصات تصيب الحيوانات بالتشوّش. وقال خبراء أن الحيوانات الثديية تُحاول الفرار من مصدر الصوت في أكثر الأحيان، مما يُفقدها حسّها بالاتجاه.
أما بالنسبة لكائنات الحياة البحرية التي تغوص في الأعماق، مثل الحيتان المنقارية التي ركّزت عليها الدراسة، فإن السونار يُمكنه أن يدفع الحيوانات إلى الصعود بسرعة كبيرة إلى سطح الماء مما يؤدي الى إصابتها بأعراض تخفيف الضغط. وقد ساهم هذا بدوره في ارتفاع أعداد الحيتان النافقة في حوادث جنوح جماعي إلى الشاطئ.
وركّز الباحثون في جامعة لاس بالماس دي غران كناريا حصرياً على الحيتان المنقارية في البحار المحيطة بجزر الكناري. وتوصلوا إلى أن حظر استخدام السونار الذي اعتُمد في 2004 كانت له نتيجة فعّالة
في الحد من ظاهرة الجنوح الجماعي للحيتان، ودعوا إلى إنشاء مواقع كهذه للحيلولة دون حدوث المزيد من حوادث النفوق، بما في ذلك في البحر الأبيض المتوسط، حيث الحيتان المنقارية مصنّفة بانها مهدّدة بالانقراض.
وكتب واضعو التقرير المنشور في دورية "بروسيدنغز أوف ذي رويال أكاديمي سوسايتي": "يُمكن للحيوانات أن تستجيب لبعض المواقف الموتّرة بـ"استجابة الكرّ أو الفرّ" مع زيادة في معدل ضربات القلب ومعدّل الأيض. يُصاحب ذلك في كثير من الأحيان سرعة في الحركة للابتعاد عن المصدر الظاهري للتوتّر. لذلك، نوصي بتعليق استخدام أجهزة السونار النشطة على الترددات المتوسطة في المناطق التي تستمر فيها حوادث جنوح جماعي للشواطئ على غير عادة".
تغوص الحيتان المنقارية عادةً لعمق يزيد على الكيلومتر ولمدة أطول من ساعة. لكن عند تعرّضها للسونار، فإنها قد تغوص لأكثر من ساعتين كاملتين إلى عمق يصل إلى ثلاثة كيلومترات تقريباً.
وقال أستاذ علم الأحياء البحرية في جامعة سانت أندرو، بيتر تياك، "ان التعرض للسونار يدفع الحيتان الى الحافة - فيفقد بعضها قدرته على التحكم بالغازات تحت الضغط، مما يسبّب له فقاعات غازية من الممكن أن تسبب إصابات أو تقتل، والبعض الآخر يجنح إلى الشاطئ ويَنفَق".
وأضاف للاندبندنت: "السياسات الحالية لا تحمي الحياة البحرية في مياه المملكة المتحدة. نحن بحاجة إلى مراقبة أفضل للصوت في المحيط، بالإضافة إلى سياسات تُخفض تعرض الأنواع المهددة بالانقراض لترددات بحدود مقبولة".
يُذكر انه تم تطوير السونار في الخمسينات للكشف عن الغواصات - وكانت ظاهرة الجنوح الجماعي للحيتان المنقارية نادرة الحدوث قبل ذلك الوقت.
لكن بين 1960 و2004 بلغ عدد حوادث الجنوح الجماعي التي تم الإبلاغ عنها أكثر من مئة حادثة، فيما ارتفع عدد الأنواع المتضررة من نبضات الصوت. وفي إحدى الحالات التي وقعت قبل فترة وجيزة من حظر السونار في جزر الكناري، جنح أربعة عشر حوتاً إلى الشاطئ خلال تدريبات لحلف شمال الأطلسي (ناتو) تضمنت استخدام السونار.
كما تزامنت حوادث جنوح جماعي في الأعوام 1985 و1988 و1989 و1991 و2002 مع تدريبات بحرية. بل وفي الصيف الماضي، نفقت خمسة حيتان على الساحل الأيرلندي في حادثة يُشتبه أن لها علاقة باستخدام السونار.
ووجد العلماء أن الحيتان المنقارية التي لا تتعرّض لأجهزة السونار بانتظام أظهرت الاستجابات السلوكية والفسيولوجية الأعنف على الإطلاق، بينما كانت الحيتان التي تعيش في البحار التي يُستخدم فيها السونار بانتظام، أو لا يُستخدم فيها أبداً، أقل تضرراً.
تشير نتائج الدراسة الأخيرة إلى أن الحيوانات التي لم تعتاد أصوات السونار كانت حتى أكثر عرضة للخطر من الحيوانات التي تتعرض لها بكثرة.
وقالت مديرة السياسات لدى جمعية المحافظة على الحيتان والدلافين، سارة دولمان، والتي لم تشارك في الدراسة، أن البحث الأخير أكّد أنَّ الحيتان المنقارية "حسّاسة للغاية" للتدريبات العسكرية.
وأضافت للاندبندنت: "لقد شاهدنا الآثار المُحتملة للأنشطة العسكرية على شواطئنا، بما في ذلك الجنوح الجماعي الأخير لأكثر من 80 حوتاً منقارياً من نوع "كوفييه" قبالة سواحل ايرلندا واسكتلندا. وقال خبراء ان هذا الحدث ربما كان مدمّراً لدرحة انه أثر على أعداد الحيتان المنقارية بجميع أنواعها. لكن لم يتغير أي شيء". وقالت: "اننا قد نخسر الحيتان المنقارية كلياً في المنطقة المحيطة بالمملكة المتحدة قبل أن يتسنى لنا فهمها".
وقد حذّرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية اخرى من أن السونار يشكّل خطراً داهماً على الحيوانات. كما حذّرت دراسات أخرى سابقة من الآثار المترتبة على الوظائف الحيوية الأساسية - مثل التغذية والتزاوج - لدى الحيتان وغيرها من كائنات الحياة البحرية بما فيها الدلافين.
وفي عام 2008، اعترفت وزارة الدفاع البريطانية بأن البحرية الملكية كانت تُجري عمليات عسكرية بالقرب من ساحل كورنوال الذي شهد نفوق 26 من الدلافين، بعد أن نفت سابقاً وجود أي سفن تابعة لها في المنطقة.
وذكرت وزارة الدفاع ا انه من "المستبعد جداً" أن تكون الحيوانات قد نفقت نتيجة استخدام السونار.لكن تشريحها أظهر، أنه لم تكن لديها عوارض لأي مرض وقت نفوقها بعد أن علقت في أربعة مواقع على نهر بيركويل.
وقال بيتر إيفانز من منظمة سي ووتش للاندبندنت: "ستظل الحيتان المنقارية دائماً معرضة للاضطراب السلوكي والأضرار الجسدية الناجمة عن الضوضاء الصاخبة الصادرة عن السفن البحرية المُستخدمة لأجهزة سونار نشطة ذات ترددات متوسطة. لذلك، فإن حظر الأنشطة العسكرية في المياه المحلية المُطبّق في المنطقة المحيطة بجزر الكناري له دور بارز في الحدّ من الضرر الذي تسببه تلك الأنشطة".
"لكن هناك مناطق عدة حيث تُنفّذ مناورات بحرية قد لا تتمتع بمثل هذه الحماية. ولذلك، فإنه من المهم استخدام مواقع مُراقبة جيداً لمثل هذه التدريبات الروتينية، وإذا صادف وجود حيتان منقارية هناك، لابد من تطبيق الإجراءات المُخفّفة الملائمة".
من جانبه، قال ترافيس باركر، الزميل في متحف التاريخ الطبيعي الذي يُدير "مشروع إنقاذ الحيتان والدلافين الجانحة في المملكة المتحدة": "بينما لا أعتقد بوجود "نهج واحد يناسب الجميع" للحدّ من حوادث الجنوح الجماعي بشرية المنشأ، لا شك أن هذا النهج جدير بالتجربة نظراً إلى نجاحه في تقليل أعداد تلك الحوادث في جزر الكناري".
وتابع: "مع الأسف، كل نوع وكل توزيع من الحيتان قد يتطلب استراتيجية مختلفة قليلاً عن غيرها، مما يزيد من صعوبة حل هذه المشكلة".
© The Independent