في الوقت الذي كان فيه الرهان أن ينجح رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في إحداث خرق في المشهد السياسي المأزوم على وقع اليوم الثامن لانتفاضة الشارع، لم يتلقف المتظاهرون الخطاب الرئاسي بارتياح، بل على العكس انهالت عليه كل الانتقادات بفعل خيبة عبّر عنها الشارع من خلو الخطاب من أي إشارة إلى خطوات عملية يستجيب فيها رئيس البلاد لمطالبه.
وفي حين جاءت ردة فعل الشارع بعد الخطاب، عكسية إذ سار اللبنانيون إلى الساحات تعبيراً عن رفضهم مضمونه الذي وصفه بعض المتظاهرين بـ"المتناقض وغير المتماسك"، نظراً إلى ما تضمنه من إشارات ولا سيما في موضوع الفساد، لا تحاكي الواقع.
لكن، في القراءة السياسية للخطاب، توقّف سياسيون عند إشارة عون إلى الوضع الحكومي عندما قال "لأن الإصلاح هو عمل سياسي بامتياز، أصبح من الضروري إعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي حتى تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الأصول الدستورية المعمول فيها"، لترى أن رئيس الجمهورية فتح نافذة في جدار الأزمة من خلال دعوته إلى إعادة النظر بالوضع الحكومي، وإن لم يشرح الخيارات القابلة للطرح على طاولة البحث من بين السياناريوهات التي تم التداول بها في الأيام القليلة الماضية، ما بين تعديل وزاري أو الذهاب إلى حكومة جديدة.
الرهان على تعب الشارع... سقط
وفي حين كشف رئيس الحكومة سعد الحريري في تغريدة له كأول ردة فعل على الخطاب عن ترحيبه به، كما أعرب البطريرك الماروني بشارة الراعي عن ترحيب مماثل، بدا جلياً أن العمل جار من خلال الاتصالات والمشاورات على توسيع دائرة تلك النافذة المفتوحة، تمهيداً لبلورة مخرج يعفي السلطة من الاعتراف بعجزها عن إدارة الازمة، ويرضي الشارع في الحد الأدني الذي يتيح خروج المتظاهرين منه، وذلك بعدما أظهرت الاصطدامات التي حصلت بين المعتصمين وعناصر تابعة لـ"حزب الله" أن قرار الذهاب إلى المواجهة في الشارع قد اتُّخذ بعدما فشل خيار وضع الشارع في مواجهة مع الجيش اللبناني.
وانطلاقاً من هذا المشهد، أكدت مصادر سياسية مواكبة لحركة الاتصالات أن القوى السياسية أدركت أخيراً أن الرهان على تعب الشارع قد سقط، بعدما واجه الناس المطر والصدامات ولم يخرجوا من الساحات، بل زادوا تصلباً. وكشفت عن أن جولة أعضاء من جمعية المصارف على المسؤولين غداة عودتهم من واشنطن، وبعد 7 أيام على الإقفال القسري للمصارف، شكّلت رسالة واضحة بأن الأوضاع المالية لا يمكن أن تحتمل مزيداً من التأخير أو المماطلة على حساب كسب الوقت في الرهان على تطورات تُخرج الناس من الشارع.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق، نقل زوار قصر بعبدا عن رئيس الجمهورية قوله إنه بات مقتنعاً بضرورة الاستجابة لنبض الشارع ولكن ليس بمطالبته بإسقاط النظام. وكشفت المصادر عن أن أكثر ما يخشاه رئيس الجمهورية الفراغ في حال استقالت الحكومة، لذلك هو مع توجه البحث الفوري عن البدائل التي تجنب البلاد الفراغ، إن من خلال الذهاب إلى تعديل وزاري أو تأليف حكومة جديدة ضمن سلة متكاملة، يُتّفق مسبقاً على بنودها وأبرزها التركيبة الحكومية المقبلة مع بقاء الحريري على رأس الحكومة، علماً أن الزوار لم يلمسوا أن هناك نية لدى الرئيس للتسليم بتنحي رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل عن موقعه داخل الحكومة.
صيغة حكومية
وعُلم أن ثمة وساطة قائمة حالياً على خط بيت الوسط- مقر إقامة رئيس الحكومة- وقصر بعبدا وميرنا الشالوحي- مقر التيار الوطني الحر- من أجل الاتفاق على الصيغة الحكومية القابلة للحياة.
وإذ اعربت المصادر السياسية عينها عن اقتناعها بأن العمل جار على طبخة حكومية، أكدت أن الطبخة لم تنضج بعد ولا تزال دونها معوقات، ولكن المهم أن الخيار بضرورة الذهاب إلى مشهد حكومي جديد بات قناعة لدى مختلف القوى، بما فيها "حزب الله" من أجل لملمة الوضع وعدم المخاطرة بانزلاقه إلى محظورات قد تخرج السيطرة عليها حتى من يد الحزب نفسه، على ما تقول المصادر، خصوصاً أن هذا الأخير مقتنع بأن الحراك المدني ليس بريئاً أو وليد غضب شعبي، بل إن ثمة قوى ودولاً تقف وراءه وتمده بالتمويل والقوة على الصمود، وهدفها التضييق على الحزب تمهيداً لخنقه مالياً واجتماعياً ضمن بيئته، وهو في المقابل، ليس في وارد تقديم ورقة مجانية في هذا المجال من خلال استدراجه إلى الغرق في المستنقع الداخلي. وأكدت المصادر أن فريق التيار الوطني الحر بلغ مرحلة متقدمة من الوهن، ستساعد كثيراً في تحقيق تنازلات لإنقاذ العهد الرئاسي من السقوط.