اختار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إبقاء نيران الحرب على الجبهة الشمالية تجاه إيران مشتعلة. وعلى الرغم من الهدوء الذي يسود المنطقة، خصوصاً في الجبهتين الشمالية والجنوبية، حذر كوخافي من خطر هذا الهدوء واستغلال إيران له، معتبراً أن الوضع هش وقابل للانفجار في كل لحظة، في أعقاب نشاطات مكثفة تنفذ تحت الأرض في الجبهة الشمالية.
تصريحات كوخافي أشعلت من جديد النقاش الإسرائيلي حول إيران وحزب الله. وحذرت تقارير أمنية من الجهود الكبيرة التي تقوم بها إيران في تعزيز قدراتها الدفاعية وما تشكله من خطر على حرية تحليق طيران سلاح الجو الإسرائيلي ما بعد الحدود، تجاه سوريا ولبنان.
وبحسب تقرير استخباري، فإن التطورات الإقليمية والدولية ستجعل إيران أكثر قوة في الرد على عمليات تنفذها إسرائيل للحد من وجودها في المنطقة، ما قد يصعد التوتر إلى مواجهة مباشرة وواسعة.
الصمت الأميركي أمام إيران
كوخافي اختار أن يطلق تصريحاته عبر المراسلين العسكريين لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وهو أمر أبدى العديد من المعلقين استغرابهم له، خصوصاً أن الأوضاع في غاية الهدوء لكن هناك من لم يخفِ بعض القلق الإسرائيلي من احتمال استغلال الهدوء من جهة، والأحداث التي يشهدها لبنان من جهة أخرى، لتفجير الوضع الأمني.
كوخافي أكد، بداية، أن الجيش الإسرائيلي يكثف منذ أشهر تدريباته واستعداداته لاحتمالات تصعيد أمني سريع. واعتبر التحدي الإستراتيجي المركزي لإسرائيل هو الجبهة الشمالية، حيث التموضع الإيراني ومشروع الصواريخ الدقيقة. ولدى حديثه عن الوضع الإقليمي وخطورته أبدى كوخافي استياءً من الصمت الأميركي إزاء الهجمات الإيرانية في السعودية، ومن العمليات التي يخطط لها قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، ضد إسرائيل، وفق كوخافي.
هل ترد إسرائيل؟
النقاش الذي تشهده الساحتان الأمنية والسياسية في إسرائيل، في أعقاب تصريحات كوخافي تركز على جانب واحد: الصدام مع إيران بات مسألة وقت، ليس إلا، والسؤال إن كان الرد الإسرائيلي سيكون على الأراضي الإيرانية أم الاكتفاء بما سبق واتبعته إسرائيل منذ فترة بالرد على أهداف إيرانية في سوريا؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في النقاش الإسرائيلي دخلت أيضاً الجبهة الجنوبية، في قطاع غزة حيث تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الجيش غير مطمئن من الهدوء في هذه الجبهة ويواصل استعداده لاحتمال أن تنجح إيران في تجنيد الجهاد الإسلامي لإثارة توتر على هذه الجبهة أو انضمامها إلى الجبهة الشمالية في حال وقعت المواجهات هناك.
خطة "تنوفا"
استعدادات الجيش، التي تحدث عنها كوخافي وتطرقت إليها التقارير الأمنية، شملت أيضاً وضع خطة أطلق عليها "تنوفا"، أي الزخم، وفي مركزها يعمل الجيش على تحسين قدراته الدفاعية واستكمال نواقصه في المعدات العسكرية والوسائل القتالية إلى جانب تحسين قدرات استخباراتها والقدرات القتالية، في مناطق يمكن أن ينصب العدو فيها كمائن للجيش.
مثل هذه الخطة تكلف المليارات، وفي غياب حكومة تؤدي مهامها توجد مصاعب في إقرارها. وعليه يحاولون في الجيش الإسرائيلي استخدام الميزانيات الموجودة التي تنقل من مكان إلى آخر.
الحساب بين إيران وإسرائيل لا يزال مفتوحاً
تكثيف الجهود الإسرائيلية سواء باستعدادات الجيش أو خطة "تنوفا"، يأتي في ظل تقارير إسرائيلية تحسم أن الحساب بين إيران وإسرائيل لا يزال مفتوحاً والمواجهات ستقع، عاجلاً أم آجلاً.
وجاء في واحد من هذه التقارير أن "الجهود التي تبذلها إيران لتهريب الأسلحة إلى حزب الله في لبنان ونشر قواعد عسكرية في سوريا ووضع وسائل قتالية فيها وفي العراق، لم تتوقف حتى بعد حملة مكثفة للهجمات الجوية الإسرائيلية". يضيف التقرير "النتيجة المحتملة، هي أن الجولة المقبلة بين الطرفين قريبة جداً. هذا يمكن أن يحدث نتيجة عملية إحباط إسرائيلية لبرنامج انتقامي لطهران. أو بسبب عملية يبادر إليها الجيش الإسرائيلي موجهة ضد زيادة قوة إيران في المنطقة وتهريب السلاح إلى حزب الله".
التقرير الإسرائيلي يشير أيضاً إلى الأوضاع السياسية التي تشهدها إسرائيل، مع غياب حكومة. وفي هذا الجانب، لطالما حذر اللاعبون الرئيسيون في المفاوضات الائتلافية، الرئيس رؤوبين ريفلين، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ورئيس حزب "أزرق أبيض"، بيني غانتس، من خطر التدهور الأمني في ظل غياب الاستقرار السياسي.
شرعية دولية لجنون إسرائيل
الخبير العسكري يوآف ليمور يرى أن الأبحاث التي تشهدها إسرائيل حول احتمالات التوتر مع إيران تشير إلى انعطافة إستراتيجية. ويقول "لقد أتاح الاتفاق النووي لجهاز الأمن توجيه الجهود إلى جبهات أخرى، لا سيما إلى النشاط الذي لا ينتهي في الحرب بين الحربين، التي عملت إسرائيل فيها بكثافة علناً وسراً على هدفين أساسيين: إحباط نقل الوسائل القتالية المتطورة إلى حزب الله، ومنع تموضع إيران والميليشيات الشيعية، التي تعمل تحت رعايتها في سوريا. هذا النشاط الذي حقق إنجازات هامة، قيّد إيران جداً ولكنه لم يحدّ من تطلعاتها. فعلى الرغم من الضربات الكثيرة التي تعرض لها الإيرانيون، واصل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، العمل على تثبيت مصالحه في الهلال الممتد بين اليمن ولبنان، وفي غزة أيضاً. والأمل في أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي والعقوبات التي فرضتها على إيران إلى انهيارها الاقتصادي، أو أن يؤدي، على الأقل، إلى تخليها عن تطلعاتها".
وفي توقعات الإسرائيليين فإن الرد الإيراني، ربما يكون مباشراً أو غير مباشر، من سوريا أو من العراق، في عملية مضادة أو في إطلاق صواريخ أو إطلاق مسيّرات. وفي إدعاء بعض المسؤولين توجد في حوزة إسرائيل معلومات استخبارية حول المخططات الإيرانية. وأنه في حال تعرضت إسرائيل لضربة من إيران قد تكون مضطرة للرد على الأراضي الإيرانية، وإذا ما احتدم القتال فقد ينضم حزب الله وسوريا وحتى قطاع غزة.
وإزاء تقديرات كهذه يرى الخبير العسكري، يوآف ليمور، أنه على إسرائيل أن تبلور، بشكل فوري، ائتلافاً لضمان شرعية دولية تسمح لها بأن "يجن جنونها"، وفق تعبيره، إذا ما تطلب الأمر منها ذلك، بل أن تضمن دعماً جماهيرياً إسرائيلياً، بإقناعهم بأن سنوات الهدوء كفيلة بأن تجد إسرائيل نفسها أمام واقع أمني جديد.