قتل ما لا يقل عن 67 شخصاً وأصيب المئات خلال يومين من الاحتجاجات في العراق، نتيجة اشتباكات حصلت بين المتظاهرين من جهة وقوات الأمن وجماعات مسلحة من جهة ثانية، في الموجة الثانية من الاحتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
"ضرورة إنهاء الاحتجاجات"
وفي مسعى إلى احتواء العنف، أمر عبد المهدي مساء السبت 26 أكتوبر، جهاز مكافحة الإرهاب بالانتشار في شوارع العاصمة ومدينة الناصرية جنوب البلاد.
وقال مصدر أمني لوكالة "رويترز" إنه جرى إبلاغ وحدات الجهاز باستخدام "كل الإجراءات الضرورية" لإنهاء الاحتجاجات.
ومن المرجح أن يقابل قرار عبد المهدي بنشر جهاز مكافحة الإرهاب، بتأييد واسع النطاق من النخبة السياسية وبإشادة من قوات الأمن، التي تقول إنها "لن تخشى من استخدام القوة". ولمح الجيش ووزارة الداخلية في بيانين إلى أنهما ينويان الرد على الاحتجاجات بشكل "أكثر صرامة".
ضرب واعتقال
وذكرت الشرطة ومصادر أمنية أن جنود مكافحة الإرهاب فرقوا تظاهرات في الناصرية بضرب واعتقال العشرات.
وكان للمدينتين، حيث شارك الآلاف في اليوم الثاني من الاحتجاجات، النصيب الأكبر من أعمال العنف السبت، بينما استمر المتظاهرون في صب جام غضبهم على النخبة السياسية التي يقولون إنها "فشلت في تحسين أوضاعهم المعيشية بعد سنوات من الصراع والمصاعب الاقتصادية".
تجهيزات المحتجين
وعلى الرغم من أن قوات الأمن لا تستخدم قنابل الغاز إلا لصد المحتجين الذين يقتربون من المنطقة الخضراء الشديدة التحصين في بغداد، إلا أنها استخدمتها ضد المحتجين في ميدان التحريرالسبت. وقال مراسل "رويترز" إن "قنابل الغاز تطلق على الحشود كل 15 دقيقة تقريباً".
وكان المحتجون أفضل استعداداً السبت إذ وزعوا أقنعة وحملوا معهم إسعافات منزلية الصنع لتساعدهم في الوقاية من قنابل الغاز. ووزع آخرون أغذية ومياهاً.
وأحضر العشرات منهم فراشاً وبطانيات للنوم وانتشر مئات آخرون في ساحة التحرير، المركز الرئيسي للاحتجاجات في وسط بغداد عند جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة والبرلمان وسفارات أجنبية.
وصب المتظاهرون غضبهم يوم الجمعة على الساسة والفصائل المسلحة الشيعية المدعومة من إيران.
قتلى في أنحاء مختلفة
وفي بغداد، أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز لتفريق المحتجين في ميدان التحرير. وذكرت مصادر أمنية وطبية أن أربعة أشخاص قتلوا بعدما أصيبوا بقنابل الغاز في رؤوسهم مباشرة. ولاقى أربعة آخرون حتفهم في الناصرية عندما اقتحمت مجموعة من المحتجين منزل مسؤول أمني محلي. وقالت الشرطة إن "الحرس فتح النار على المتظاهرين بعد أن أحرقوا المبنى".
وقتل سبعة آخرون في الحلة، بعدما فتح أعضاء من منظمة "بدر" المدعومة من إيران النار على المحتجين الذين تجمعوا قرب مكتبهم.
وقتل ما لا يقل عن 52 شخصاً في أنحاء البلاد الجمعة 25 أكتوبر، وأصيب أكثر من 2000.
عنف مستمر
وهذه ثاني موجة عنف كبرى هذا الشهر. وخلفت سلسلة من الاشتباكات قبل أسبوعين بين المحتجين وقوات الأمن 157 قتيلاً وما يقارب الـ 6000 جريح.
وأنهت الاضطرابات استقراراً نسبياً استمر حوالى عامين في العراق الذي شهد احتلالاً أجنبياً في الفترة الممتدة بين عام 2003 حتى عام 2017 وحرباً أهلية ونشوء تنظيم "داعش".
وتشكل التطورات أكبر تحد لعبد المهدي منذ توليه السلطة قبل عام. وعلى الرغم من تعهده بإصلاحات وقراره القاضي بإجراء تغيير وزاري موسع، لا يزال يواجه "عبء تهدئة سخط المحتجين".
"سائرون" إلى المعارضة
وفي تطور يزيد الضغط على رئيس الوزراء، كان نواب رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الذين يشكلون كتلة "سائرون" الأكبر في مجلس النواب العراقي، بدأوا اعتصاماً مفتوحاً مساء السبت داخل مجلس النواب، بحسب ما قال نائبان من الكتلة لوكالة الصحافة الفرنسية.
وقال النائب بدر الزيادي "نحن في الطريق الآن إلى مجلس النواب للاعتصام هناك، إلى حين إقرار الإصلاحات كافة التي يطالب بها الشعب العراقي".
وأكد نائب ثان، وهو رائد فهمي، أن "كتلة سائرون انضمت إلى المعارضة وتطالب باستقالة رئيس الوزراء".
ولم تحدد الكتلة التي تشكلت في انتخابات العام الماضي، ما إذا كان وزراؤها سيستقيلون من الحكومة.
إلغاء جلسة طارئة
وكان من المقرر للبرلمان الاجتماع السبت في جلسة طارئة لبحث مطالب المحتجين، لكن وفي ظل ابتعاد كثير من المسؤولين عن الأنظار منذ انطلاق الاحتجاجات، فقد فشل المجلس في الوصول للنصاب القانوني ما أدى إلى إلغاء الجلسة.
دولياً، أعربت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت عن قلقها "العميق إزاء محاولة كيانات مسلحة عرقلة استقرار العراق".
ويطالب المتظاهرون في عموم العراق باستقالة الحكومة وسن دستور جديد وتغيير الطبقة السياسية الحاكمة في هذا البلد الذي يحتل المرتبة الـ12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم.