"مسجد البحر"، هو واحد من المعالم القليلة الشاهدة على الوجود الفلسطيني في طبريا، يتعرض هذه الأيام إلى حملة تهويد خطيرة، من قبل بلدية طبريا، التي أعدت مخططاً يهدف إلى تحويله إلى متحف سياحي يتحدث عن اليهودية والصهيونية، ويضمن ازدهار السياحة في طبريا. مخطط أثار غضباً واسعاً بين فلسطينيي 48 يندرج ضمن مخطط واسع للقضاء على الوجود الفلسطيني في هذه المنطقة، الواقعة داخل الخط الأخضر. طرح المخطط وتوقيته ليسا صدفة. فرئيس بلدية طبريا، رون كوبي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة ضد العرب، هو من قيادة حزب الليكود الحاكم، الذي سيخوض الانتخابات في أبريل (نيسان) المقبل، ومخطط كهذا، من شأنه أن يكسب حزبه دعماً شعبياً، علماً أنه يسكن في طبريا نسبة عالية من اليمين، المعروفين بمواقفهم المعادية للعرب.
وأثار هذا المخطط موجة غضب من قيادة فلسطينيي 48، والمؤسسات الناشطة في الحفاظ على المقدسات العربية والإسلامية في شكل خاص. وفور الإعلان عن المخطط، بعث النائب في الكنيست، مسعود غنايم، رسائل إلى رئيس بلدية طبريا رون كوبي، ووزير الداخلية أرييه درعي، ومدير سلطة الآثار، حذّر فيها من المضي في تحويل المسجد إلى متحف. وفي حديث للنائب غنايم إلى "اندبندنت عربية" قال " هذا المخطط يتناسق مع خطاب التهويد الآخذ بالتزايد في إسرائيل وفي حكومتها، برئاسة بنيامين نتانياهو. فالإسرائيليون يرون في الآثار والمعالم الدينية، المسيحية والإسلامية والتاريخية، هوية صارخة لعروبة هذه الأرض وفلسطينيتها، وبتنفيذ المخطط يحاولون طمسها". أضاف غنايم " تحويل المسجد إلى متحف هو مسّ بمكان مقدس للمسلمين، ومسّ بمشاعرهم الدينية، وبحقهم في الحفاظ على أماكن عبادتهم".
"الميزان" و"صمود"... تهبّان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
في أقل من 24 ساعة على إعلان المخطط، هُدم جدار المسجد وجرى تنظيفه وتركيب بوابة حديدية لمنع الدخول إليه ومباشرة تنفيذ العمل لإقامة المتحف، ما استدعى مؤسستا "الميزان" و"صمود"، الناشطتان في الدفاع عن حقوق فلسطيني 48، إلى إعداد دعوى قضائية ضد بلدية طبريا ورئيسها، ورفعها إلى القضاء الإسرائيلي، في حال لم تتجاوب مع مطالبهما. وحذّرت المؤسستان رئيس البلدية من أبعاد ومخاطر تنفيذ المخطط. ودعت مؤسسة "الميزان" بلدية طبريا إلى وقف فوري للأعمال في المسجد، وإخراج جميع المعدات والآليات. وقال المحامي عمر خمايسي، مدير المؤسسة "هذه الأعمال هي انتهاكات خطيرة وتمس بقدسية المسجد، وفيها اعتداء على الإسلام والمسلمين"، وأشار خمايسي، إلى أن الرسالة التي بعثت بها المؤسسة إلى البلدية أكدت أنه "لا خلاف على كون مسجد البحر، بناية إسلامية قديمة جداً، وهي قائمة قبل قيام إسرائيل، ولا يجوز المساس بها لما للمساجد من قدسية لدى المسلمين".
اتفاق على وقف الأعمال... ولكن؟
من جهة أخرى، زار وفد من لجنة متابعة قضايا شؤون فلسطينيي 48 المسجد، ورفع الزائرون الآذان فيه، ما أثار معارضة شديدة من قبل البلدية وسكان المدينة. وفي أعقاب التحركات الرافضة تنفيذ المخطط، وخشية توتير الأجواء، اتفق على وقف الأعمال وعقد جلسة، الأحد 10 فبراير (شباط)، للتوصل إلى تفاهمات حول مصير المسجد. هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مسجد البحر إلى محاولات تهويد وتخريب، فقد اقتحمته مجموعة من المتطرفين اليهود في العام 2000، وعبثت به، وكتبت شعارات معادية ومسيئة إلى العرب والمسلمين، كما حاول بعضهم إحراقه، وعمدت مجموعات ومؤسسات ناشطة في صيانة المقدسات الإسلامية، إلى ترميمه، لكن البلدية منعتهم فبقي المسجد على حاله.
مسجد البحر الذي أقيم في العام 1945، يقع في محاذاة شاطئ بحيرة طبريا، وهو ليس الجامع الوحيد الشاهد على الوجود الفلسطيني، فهناك المسجد الزيداني، الذي أقامه في العام 1743، ظاهر العمر الزيداني، وتعرض لانتهاكات متكررة، سواء من قبل البلدية، أو من قبل متعاطي المخدرات والمارة بسبب إهماله ومنع المسلمين من ترميمه. المسجد مكون من طابقين: الطابق الأول أرضية، والثاني فوق سطح الأرض، وفي مدخل المسجد، لافته رخاميه تشير إلى سنة بنائه. والطراز الخارجي لبناء المسجد شبيه بمسجد آيا صوفيا في إسطنبول، وله شكل معماري مميز، وثلاث قبب صغيرة، وحيطانه ذات شكل مثمّن، إضافة إلى المئذنة.
المسجد مغلق أمام المصلين
المسجد متروك، وغير معتنى به من ناحية النظافة والترميم، وبعد أن توجهت مؤسسة الأقصى للحفاظ على المقدسات الإسلامية إلى بلدية طبريا، بهدف ترميمه، رفضت بلدية طبريا هذا الأمر، مدعية أنها هي بذاتها ستهتم بذلك، غير أنها لم تقم بأي خطوة عملية في هذا الموضوع حتى هذا اليوم، علماً أن المسجد مغلق أمام المصلين، ويمنع أي طرف من دخوله أو تنظيفه أو ترميمه، على الرغم من أن مجموعات يهودية متطرفة اعتدت عليه، كما استخدمته البلدية مخزناً لمواد بناء.
في نيسان من السنة الماضية (2018)، أودعت لجنة التنظيم والبناء في منطقة الشمال ولجنة التنظيم والبناء التابعة لبلدية طبرية، تخطيطاً هيكلياً لتحويله إلى مكان تجاري وسياحي. في حينه، بعث النائب مسعود غنايم رسالة مستعجلة إلى وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كحلون، بصفته المسؤول عن مديرية التخطيط والبناء و"سلطة أراضي إسرائيل". وطالب غنايم في رسالته، وزير المالية، بوقف هذا التخطيط، لأن المكان هو مكان عبادة ومقدس للمسلمين، وأي مساس به من خلال جعله هدفاً ومكاناً تجارياً أو سياحياً، هو انتهاك لحرمة هذا المسجد وساحته، ومسّ بالعرب والمسلمين ومعتقداتهم. وقال غنايم "هذا المسجد له قيمة تاريخية، كمسجد البحر، ويجب حفظهما وصيانتهما من أي تغيير، كما يجب احترامهما بما يليق ويَلزم".
المقبرة الإسلامية في طبريا تتعرض لسلسلة اعتداءات
يذكر هنا، أن المقبرة الإسلامية في طبريا هي الأخرى تعرضت لسلسلة اعتداءات، منها تحويل مقام "الست سكينة" داخلها، إلى مقام يهودي يدعى "قبر راحيل". وسبق وأقدمت بلدية طبريا على تجريف عشرات القبور الإسلامية من حول المقام المعتدى عليه، من أجل بناء مواقف سيارات وعرائش ظل ودورات مياه. الجميع بانتظار جلسة الأحد، وقيادة فلسطينيي 48، تصر على حقها في الحفاظ على المسجد والأوقاف الإسلامية والمسيحية كافة في طبريا، كغيرها من البلدات الفلسطينية، المهجرة. والسؤال هل سينجح اجتماع الأحد، أم أن الملف سينتقل إلى معركة قضائية.