لقد صادفت حديثاً حقائق مذهلة حول بريطانيا، ومن بينها أن التفاوت في مداخيل الناس على شواطئ هذه الجزيرة تعني أننا أقرب لبعض الدول النامية منا إلى الاقتصادات الأغنى، وكذلك أن خُمس سكان المملكة المتحدة يعيشون في فقر.
يُعد التفاوت في الدخل بالمملكة المتحدة من بين الأعلى في الاتحاد الأوروبي. كما أنه أعلى من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي مجموعة تضم 36 دولة معظمها غنية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
وكما أُشير في تقرير أصدره الأسبوع الماضي المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (NIESR)، فإن الدخل هو مجرد مقياس واحد لعدم المساواة الاقتصادية، حيث أن هناك أيضا تباينات كبيرة بين الأجيال والمناطق وثروة الأفراد الإجمالية.
وبحسب التقرير فإن مواليد الثمانينات من القرن الماضي، هم أول جيل بعد الحرب يحصل على دخل أقل في مراحل البلوغ المبكرة مقارنة بالجيل السابق. علاوة على ذلك، فإن انخفاض ملكية المنازل بين الشباب على مدى العقدين الماضيين، يشير إلى أنهم أقل قدرة على تحصيل الثروة بكثير من الأجيال السابقة. والعكس صحيح بالنسبة للأسر المسِنَّة، حيث أنها اليوم أكثر ثراءً بكثير من نظيراتها قبل عقد أو عقدين.
وفي الواقع، يتم توزيع الثروة بشكل غير متكافئ أكثر من توزيع الدخل في المملكة المتحدة، بحسب قياس معامل جيني، الأكثر شيوعاً في قياس تفاوت الدخل. ففي الفترة بين 2014 و2016 كان معامل جيني للثروة يشكل تقريبا ضعف معامل الدخل، حيث تشير القراءات الكبيرة إلى ارتفاع التفاوتات. وعلى سبيل المثال، تستحوذ 10 في المائة من الأسر الأغى في بريطانيا على أكثر من 50 في المائة من إجمالي ثروة الأسر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وما يجعل الحالة البريطانية غير عادية بشكل خاص هو التباينات الإقليمية المثيرة فيها. إن معدل البطالة في "المناطق المتخلفة عن الركب" - كما تسميها شركة أوكسفورد الاستشارية للإدماج الاجتماعي - هو أكثر من ضعف المعدل الوطني، وقد تزايدت الفجوة في السنوات الأخيرة. وتقع هذه المناطق في محيط المدن الكبرى في الشمال والوسط وفي المدن الصغيرة على طول الساحل الشرقي. وفي الوقت نفسه، يقل دخل الأسرة السنوي - الذي يبلغ 23,814 جنيه إسترليني - بمتوسط 7000 جنيه إسترليني عن جميع أنحاء إنجلترا ككل.
لقد ارتفع التفاوت في الدخل في بريطانيا في أواخر السبعينات والثمانينات. ومنذ عام 1980، ارتفع نصيب إجمالي الدخل الذي يذهب إلى الشريحة التي تمثل أعلى واحد في المائة بأكثر من الضعف ليصل إلى حوالي 8 في المائة، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وفقاً لتقرير NIESR.
بعد فترة من التقلبات صعودا وهبوطا، وصل التفاوت في الدخل ذروة جديدة في الفترة ما بين 2009 و 2010، قبل أن يعود إلى مستوى عام 1990 وهو المستوى الذي لا يزال مرتفعاً. وإذا تم استثناء تكاليف السكن، فإن التفاوت يتجاوز ذلك المستوى. (ويرجع هذا إلى أن الأسر الأكثر فقراً تنفق حصة أكبر من دخلها على السكن مقارنةً بالأسر ذات الدخل الجيد).
ورغم التصور الشائع بأن الأزمة المالية لعام 2008 فاقمت الفوارق الاقتصادية، فإن تأثيرها كان ضئيلاً. وعلى سبيل المثال، أصبح التفاوت في الدخل حالياً أقل مما كان عليه قبل الأزمة.
لكن الأزمة أبرزت الفوارق السابقة، مع تسليط الضوء في الإعلام على مكافآت المصرفيين وعمليات الإنقاذ الضخمة للشركات المفلسة بأموال دافعي الضرائب.
وقد أصاب التقشف اللاحق للأزمة، والذي استمر نحو عقدٍ من الزمان، بعض الشرائح الاجتماعية بشدة وبشكل غير متناسب، ما جعل التفاوت بين الفقراء والأغنياء أكثر جلاء.
لذلك، يمكن القول إن ديفيد كاميرون قد اختار وقتاً سيئا للغاية لإجراء استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي - الذي رأى فيه كثير من الناخبين فرصة لزعزعة الوضع الاقتصادي القائم، وليس مجرد تصويت على عضويتنا في الاتحاد الأوروبي. لقد أظهرت دراسات متعددة أن التصويت لصالح الخروج كان مدفوعًا بالأساس من قبل الأسر ذات الدخل المنخفض.
وحاليا، تواجه بريطانيا تصويتاً تاريخياً آخر يتجلى في انتخابات عامة مبكرة قبل نهاية العام. ومن المؤكد أن هذه الانتخابات سوف يهيمن عليها موقف الأحزاب من البريكست بدلاً من التشريح المعتاد لمختلف مقترحاتها السياسة. لذلك ستكون الانتخابات امتدادًا للاستفتاء الأصلي المثير للانقسام بشكل كبير حول مغادرة الاتحاد الأوروبي، ومن غير المرجح أن تؤدي النتيجة إلى تعافي البلاد المنقسمة على خطوط إيديولوجية واقتصادية.
إن أفضل ما يمكن للناخبين فعله في الظروف العادية هو اختيار السياسيين ذوي الأفكار الأكثر إقناعاً حول كيفية تحقيق النمو الاقتصادي الذي سيفيد جميع الفئات.
لكن من الصعب التفكير في المصلحة العليا عندما تشعر بأن حقك مهضوم، الاستياء لا يفضي إلى الكرم. لهذا يمكن للتفاوتات المزايدة أن تشكل خطورة خاصة على الديمقراطيات.فالاستقطاب السياسي الذي ينتج عنها يؤدي بالحكومة في النهاية إلى طريق مسدود، كما حدث في الولايات المتحدة وبريطانيا في السنوات الأخيرة.
ومع وجود مشاكل ملحّة مثل انقسامات ما قبل وما بعد البريكست، وازدياد عدد المسنين وركود مستويات المعيشية، فإن حالة الجمود هي آخر ما نصبو إليه.
© The Independent