كم عدد الشركات التي تضمّ الواحدة منها 12 موظفاً، ويمكنها القول إنّها، بعد أقل من 18 شهراً من انطلاقتها، تُحقِّق مليون جنيه إسترليني شهرياً عبر تداول سلعها عالمياً في سوق تساوي نحو 30 مليار دولار سنوياً؟ مثل تلك الشركات قليلة، لكن تلك حقيقة شركة "سناغ تايتس" التي تصنع جوارب نسائيّة وتبيعها. نعم. إنّ تلك الأرقام صحيحة، إذ تساوي قيمة سوق الجوارب النسائيّة أكثر من 30 مليار دولار أو أكثر سنويّاً.
كان ذلك مفاجئاً بالنسبة إلى بري ريد، المرأة التي أسّست "سناغ تايتس" والرئيسة التنفيذيّة للشركة أيضاً. جلّ ما عرفته أنّ الجوارب النسائيّة لم تكن تناسب مقاس جسدها الممتلئ. بعد سنوات من المحاولات اليائسة لإيجاد زوج جوارب ملائم، وبعدما أصبحت مقتنعة بأنّها تنفرد بهذه المشكلة، استسلمت.
لكنّ جزءاً منها لم يستسلم. وأجرت ريد بعض البحوث بين الصديقات ووجدت أنّهن جميعاً تحدثن عن مشكلات مماثلة. بتوسيع حجم عينتها من خلال استطلاع أجرته عبر "غوغل" على ثلاثة آلاف امرأة، لم تجد ريد مجرد أنّها ليست وحدها من يعاني، بل إنّ 90 في المئة من النساء يعانين المشكلة نفسها.
وجدت ريد أنّ جميع تجّار الجوارب النسائية بالتجزئة يبيعون السلعة نفسها، بأطوال مختلفة إنّما بالعرض نفسه، وبأسماء علامات تجاريّة مختلفة. أثار هذا الأمر فضولها، لكن عندما اكتشفت أنّ هذه الصناعة مربحة جداً، تجلّت أمام عينيها فرصة عمل.
"بالنسبة إلى غالبية تجار التجزئة، تُعتبر الجوارب النسائيّة الضيقة سلعة أساسيّة. يشترونها من الشركة المصنِّعة التي تبيعها بأقل الأسعار في كل أوقات السنة. لذلك، ربما تحصل الزبونة على زوج جوارب يناسب مقاسها اليوم. لكن بعد أسبوع، ربما توجب عليها شراء زوج آخر من العلامة التجاريّة نفسها وتكتشف أنّه غير ملائم لمقاسها لأنّ جهةً مختلفة تولّت تصنيعه"، وفق كلمات ريد.
يصعُب علينا أن نتصوّر أنّ منتجاً يُخفق تماماً في دوره الجوهريّ ويستمر على الرغم من ذلك لفترة طويلة، من دون اعتراض. على كل حال، يبدو أنّ النساء، على غرار ريد، افترضن أنّ المشكلة تكمن في أجسادهن.
ولكن كان ذلك الافتراض، وذلك العيب في الجوارب الضيقة، هما بالضبط ما دفعا بريد إلى إنشاء شركة تتولى صناعة جوارب نسائيّة تلائم كل أشكال الأجسام ومقاساتها، في أبريل (نيسان) 2018.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إذاً، كيف نجحت ريد وفريقها في الاستفادة من الفرصة إلى هذا الحد في مدة زمنيّة قصيرة؟ بداية، تستغلّ الشركة وسائل التواصل الاجتماعيّ بطريقة جيدة. "حصلنا على تفاعلات كثيرة، وجمعنا حوالى 50 ألف متابع على "إنستغرام" و110 آلاف متابع على "فيسبوك"، وجميعهم متفاعلون جداً"، بحسب ريد.
تستثمر ريد هذا المستوى من التفاعل في أفضل طريقة ممكنة. مثلاً، تستعين "سناغ" بزبوناتها من أجل إجراء بحوث عاجلة ودائمة عن السوق، حتى أنّها تختار من بين عميلاتها، العارضات اللواتي يظهرن في إعلاناتها ومجموعة كبيرة من موظفيها أيضاً. في هذا الشأن توضح ريد، "نعتبر أنّ العلامة التجاريّة ملكيّة مشتركة بيننا وبين العميلات، لذلك نتحدّث إليهنّ بشأن كل خطوة نفكر في اتخاذها".
تعطي ريد مثلاً عن ذلك. "ثمة دفعة كبيرة قادمة في الولايات المتحدة خلال الشهر الحاليّ. لذا سألنا النساء اللواتي يتابعننا على "إنستغرام" حول الأفكار التي في حعبتهنّ... هل نلجأ إلى النساء المؤثِّرات على منصات التواصل الاجتماعي؟ ما هي آلية التسويق التي ينبغي أن نعتمدها، وأيّ طريقة ستؤتي ثمارها في رأيهن؟ في النتيجة، حصلنا على بعض النصائح الرائعة. ولكن، صحيح أنّ النصائح وسيلتنا لمعرفة الصيحات، بيد أنّنا في النهاية نقوم بما تراه الزبونات ملائماً حتى إن لم يكن رائجاً"، وفق كلماتها. إنّها طريقة مذهلة في إدارة الأعمال تتسم بالمساواة بين الشركة والزبائن، لكنّها في الواقع، تمثّل ببساطة الممارسة العمليّة لما تدّعي شركات لا تعد ولا تحصى أنّها تقوم به، ألا وهو الاستماع إلى الزبائن. تتخذ "سناغ" خطواتها استناداً إلى ردود فعل الزبونات، ويبدو أنّها تجني الفوائد. وعلى الرغم من أنّها تبيع بضائعها على مستوى عالمي، تكتفي الشركة بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركيّة وأستراليا من أجل تسويق بضائعها، وصارت على وشك الانتقال إلى مستوى أعلى في الولايات المتحدة عِبْرَ حملة تسويقيّة كبيرة وموجّهة.
"في الولايات المتحدة، نتوقع إنتاج أربعة أضعاف ما ننتجه في المملكة المتحدة"، تورد ريد ذلك بنبرة هادئة خالية من الخوف. وعندما نسألها عن أسباب تلك الثقة تجيب، "أجرينا تجارب كثيرة، وكانت نتائحها إيجابية حقاً. نعلم أنّنا ما إن نبدأ بالتفاعل مع النساء والاستفسار عن آرائهن، ستسير الأمور على ما يرام"، بحسب ريد.
لا شك أنّ خلف كل تلك الألفة والمودة تجاه العملاء، نهج تسويقيّ تحليليّ متطوِّر جداً. يبدو أنّ لا شيء في هذا العمل يجري بناء على مزاج عابر أو حدس ما. يمكن أن تأخذ "سناغ" بنصيحة ما من الزبونات، لكنّها على الأغلب لن توفّر جهداً في دراستها من النواحي كافة، قبل أن تقرّر أنّها النصيحة الصحيحة.
بيد أنّ نجاح "سناغ" اللافت والسريع، يذهب إلى أبعد من خدمة العملاء والتسويق الجيدين، بل ترى ريد إنّ منتجاتها تغيِّر حياة زبوناتها.
واستطراداً، يتضح أيضاً أنه منذ الأيام الأولى لانطلاقتها، تتلقى الشركة رسائل عبر البريد الإلكترونيّ من عميلات يشرحن فيها مدى أهميّة الجوارب الضيّقة التي يكون مقاسها مناسباً لجسد المرأة حتى عندما تكون ممتلئة القوام. بالنسبة إلى بعضهن، يمثّل ذلك مرّة أولى في ارتداء جوارب ضيقة (وتالياً، تنّورة) خلال 20 عاماً، سواء أكان ذلك بسبب مقاسات أجسامهن أو أسباب أخرى أكثر تعقيداً. "ثمة شيء من الثقة في النفس في هذه الحال. في الواقع، تشعر نساء كثيرات بالحرج من الكشف عن سيقانهن لأنّهن يعانين مشكلة الدوالي أو الندبات، أو ربما بسبب شكل أجسادهن"، وفق ريد.
يبدو أنّ تصميم الجوارب الضيقة بحد ذاتها والمظهر الذي تمنحه للساقين، وحقيقة أنّها تلبي جميع المقاسات، والعنصر الاحتفالي فيها وصولاً إلى التسويق... تشكّ لتلك المعطيات كلها مزيجاً رائعاً تستحوذ العلامة التجارية بفضله على مجموعة ديموغرافية واسعة من النساء. ولا تقتصر الإفادات عن ذلك الشأن، على عميلات الشركة وحدهن.
إذ تورد ريد، "عندما أتلقّى تلك الأنواع من الرسائل الإلكترونيّة، أعرف أنني أخيراً أفعل شيئاً يساعد الناس. إدراكي هذه الحقيقة غيّر نظرتي السلبية إلى تجارة الأعمال وجعلني أعيد التفكير في الغرض منها. مهمتي بيع سلع جميلة وتغيير حياة الناس إلى الأفضل. في الحقيقة يصنع ذلك تغييراً، ولا يدرك المرء حجم التنازلات المعنويّة التي يجبره بعض الوظائف على تقديمها إلا عندما لا يعود أخيراً مضطراً إلى تقديمها".
© The Independent