أطل مساء الخميس 31 أكتوبر (تشرين الاول) رئيس جمهورية العراق برهم صالح ووعد المواطنين بإصلاحات عدة يطالبون بها، معلناً أنه باشر العمل على قانون انتخابات جديد، وأنه يوافق على انتخابات مبكرة.
وبعدما أيد "التظاهرات السلمية والمطالب المشروعة وإنصاف القطاعات المظلومة من أبناء العراق"، قال "نعارض أي قمع أو اعتداء على المتظاهرين السلميين". وكشف أن رئيس الوزراء (عادل عبد المهدي) وافق على تقديم استقالته شرط تجنب أي فراغ دستوري، وبعد التفاهم على بديل.
تباين في الآراء... بعد كلام صالح
وقوبل خطاب الرئيس العراقي برهم صالح بتباين في أوساط المراقبين، وقال نشطاء إنه لم يتضمن جديداً، ولفتوا إلى أن صالح لم يتحدث عن إقالة الحكومة، وهو أحد أبرز مطالب المحتجين، لكنه تحدث عن قانون انتخابات جديد، يضمن تمثيلاً أوسع لقطاعات المجتمع. وتعهد نشطاء بالاستمرار في التحشيد للتظاهرات حتى الاستجابة لمطالبهم الرئيسية.
وسط هذه الأجواء، يرى مراقبون أن حركة الاحتجاج ستكتسب زخماً أكبر، بسبب خطاب صالح الذي كشف عن فشل القوى السياسية في التوصل إلى تفاهمات حقيقية للخروج من الأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد.
السعي إلى حل
ويسعى القادة السياسيون في العراق للتوصل إلى حل للاحتجاجات المتواصلة المطالبة بإسقاط رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في حراك أسفر حتى الآن عن مقتل أكثر من 250 شخصاً.
وفيما تتواصل المشاورات السياسية التي يرعاها خصوصاً رئيس الجمهورية برهم صالح، تتزايد التجمعات الاحتجاجية في ساحات جنوب البلاد، وفي ساحة التحرير بوسط العاصمة بغداد.
ويؤكد المتظاهرون الذين بدأوا حراكهم منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، بعد توقف دام ثلاثة أسابيع بسبب زيارة الأربعينية، أنهم لن يتركوا الساحات حتى "إسقاط النظام" بأكمله.
وفي بلد يحتل المرتبة 12 في لائحة الدول الأكثر فساداً في العام، وتسود فيه المحاصصة الطائفية والإثنية، يصر المحتجون على ضرورة تعديل النظام السياسي الذي تأسس بعد إطاحة نظام الرئيس صدام حسين في العام 2003.
ولكن حتى الآن، فإن تلك الانقسامات والولاءات المتوزعة بين القوتين المتعاديتين، إيران والولايات المتحدة، هي التي تحدد المسار السياسي للأحداث.
وتبدو الغالبية الحكومية منقسمة. فمن جهة هناك رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي ظهر بين المتظاهرين ويدعو إلى إسقاط الحكومة، ومن جهة أخرى القيادي في الحشد الشعبي وزعيم كتلته النيابية هادي العامري المقرَّب من إيران والذي يعتبر أن "الفراغ" سيؤدي إلى الفوضى.
لكن الأكيد أن استقالة أو إقالة عبد المهدي، المستقل الذي لا ينتمي إلى حزب ولا يمتلك قاعدة شعبية، لا تمر إلا عبر البرلمان الذي يجب أن يسحب الثقة منه أو يختار بديلاً منه.
ومنذ الاثنين، يطالب مجلس النواب بجلسة استجواب لرئيس الحكومة، ويلتئم بشكل يومي. لكن عبد المهدي لم يمثل أمامه حتى الآن.
والخميس، استقبل رئيس الجمهورية في جلسة مغلقة ممثلين عن الأحزاب الرئيسة في البلاد لبحث مصير عبد المهدي، بحسب ما أكد لوكالة فرانس برس مصدر في مكتبه.
وأضاف المصدر "نحن ذاهبون باتجاه حل للقضية"، من دون تحديد الآلية الذي قررها المشاركون.
الشارع
لكن في الشارع، لم تغير تلك الاجتماعات والمناورات بين السياسيين على "تويتر" أي شيء بالنسبة إلى المتظاهرين الذين يؤكدون أن جذور الأزمة أبعد بكثير من الأول من أكتوبر.
قالت سلوى مزهر التي تتظاهر في ساحة التحرير وسط بغداد لوكالة الصحافة الفرنسية "تعبنا من الوضع كله منذ 16 عاماً". وتضيف أن "البلد من سيء إلى أسوأ. قضيتنا ليست مع عادل عبد المهدي فقط، بل مع الكل".
وعلى بعد مئتي كيلومتر جنوباً، خرجت تظاهرات هي الأكبر منذ بداية الاحتجاجات في الديوانية، وأعلن الطلاب والأساتذة والموظفون في المدينة الإضراب العام.
الجنوب
وفي الناصرية والسماوة والعمارة، في الجنوب أيضاً، احتشد المتظاهرون في الساحات مجدداً.
أما في مدينة البصرة النفطية، أقدم متظاهرون في مناسبات عدة على قطع الطرقات المؤدية إلى ميناء أم قصر، ما أثار القلق حيال عمليات استيراد المواد الغذائية، بحسب السلطات.
ومنذ بداية الحراك الشعبي في أكتوبر احتجاجاً على غياب الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وعجز السلطات السياسية عن إيجاد حلول للأزمات المعيشية، قتل أكثر من 250 شخصاً.
فشهدت التظاهرات المطلبية سابقة في العنف بالتعاطي معها، إذ سقط 157 قتيلاً في الموجة الأولى منها بين الأول والسادس من أكتوبر، ومئة قتيل حتى الآن في الجولة الثانية التي بدأت قبل أسبوع.
وليل الأربعاء الخميس، شهدت ساحة التحرير أعمال عنف جديدة. فهناك يحاول المتظاهرون منذ أسبوع كسر حواجز جسر الجمهورية الذي يؤدي إلى المنطقة الخضراء.
وحاول هؤلاء مساء الأربعاء عبور "جسر السنك" المتاخم للتحرير أيضاً، لكن القوات الأمنية تمكنت من تفريقهم بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع.
وفي الوقت نفسه، سقط صاروخ كاتيوشا قرب السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء، ما أسفر عن مقتل عسكري عراقي وجرح ثلاثة آخرين، بحسب مصادر أمنية.
وفي مواجهة الشارع، فإن الصدر والعامري "لديهما مصلحة في إنهاء الأزمة"، بحسب ما قالت ماريا فانتابي من معهد الأزمات الدولية.
وأضافت "لكن احتياجاتهما متناقضة ويعلمان أنه سيكون صعباً الاتفاق على بديل".
وفي حال التوجه إلى خيار التكنوقراط (اختصاصيين) "فالكل يعلم نتيجة المسألة سيكون ذلك أيضاً أسير كتلتي "الصدر" و"العامري" في البرلمان، وفق فانتابي التي أكدت أن ذلك سيؤدي "إلى استياء الشارع مجدداً".