تصاعدت التظاهرات المناهضة للحكومة السودانية في الخرطوم الخميس 7 فبراير (شباط) بعد انحسارها خلال الأيام الماضية، واستخدمت الشرطة الغاز المسيّل للدموع والهراوات لتفريق مئات المحتجين المطالبين بتنحّي نظام الرئيس عمر البشير وتشكيل حكومة انتقالية لإدارة البلاد. وخرج المتظاهرون في ثلاثة مواكب من مواقع مختلفة في وسط الخرطوم تلبيةً لدعوة من تجمع المهنيين السودانيين، وثلاثة تحالفات معارضة لتظاهرات من ثلاثة مواقع، باتجاه القصر الرئاسي، بما سمي مواكب "ضحايا التعذيب والاعتقال" للتنديد بمقتل 3 من المتظاهرين داخل المقارّ الأمنية. ورصد مراسل "إندبندت عربية" تجمع مئات المتظاهرين في مواقع بالسوق العربية وشارع الحرية وقرب استاد الخرطوم حيث موقف للحافلات، وسط العاصمة، ورددوا هتافات تطالب بسقوط النظام، منها "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب", و"الشعب يريد إسقاط النظام"، وكان بعض المتظاهرين يرفعون صور العديد من ضحايا الاحتجاجات.
الغاز المسيل للدموع والهراوات بوجه المتظاهرين
وتصدّت الشرطة للمتظاهرين، وغالبيتهم من الشباب والفتيات، بالغاز المسيّل للدموع والهراوات بغية تفريقهم، واعتقلت بعضهم واقتادتهم على متن سيارات مكشوفة. وشهدت طرق جانبية حالات كرّ وفرّ بين المتظاهرين والقوات الأمنية. وأغلقت غالبية المحالّ التجارية في وسط العاصمة الذي تحوّل ثكنةً عسكرية مع انتشار سيارات عسكرية وأخرى مكشوفة على متنها عشرات من القوات الامنية ورجال الشرطة. وتمكن المتظاهرون من الخروج في 5 مواكب من أماكن مختلفة، بينها أماكن غير معلنة للتجمع من قبل المعارضة، وشارك في كل موكب المئات على الرغم من الطوق الأمني الكبير الذي فرضته الشرطة والقوات الأمنية.
نبرة تصالحية للبشير
وتحدث الرئيس عمر البشير أمام رؤساء تحرير الصحف السودانية والكتّاب بنبرة تصالحية، وقال إن عوامل عدة أسهمت في نزول الشباب الى الشارع، منها البطالة والتضخم والغلاء والتضييق عليهم من قبل السلطات، مضيفاً أن الإجراءات الحكومية التراكمية خلقت غبناً وسط الشباب السوداني. وانتقد للمرة الأولى قانون النظام العام الذي يفرض قيوداً مفرطة على مجموعة من السلوكيات الشخصية، ولكنه يستهدف المرأة في المقام الأول. وذهب إلى أبعد من ذلك قائلاً إنه سيطلب من السلطات القضائية والشرطة أن تناقش معهم هذا القانون، لافتاً إلى أن "تطبيقه يخالف بـ 180 درجة الشريعة الإسلامية"، واتهم الشرطة التي تطبق القانون بالابتزاز والتشهير وانتهاك خصوصية المواطنين.
هذا ما تواجهه المرأة السودانية؟
وتواجه المرأة السودانية بسبب هذا القانون الاعتقال والعقاب حتى 40 جلدة إذا ارتدت ملابس "غير محتشمة" أو تتصرف بطريقة "غير لائقة" بحسب تقديرات مطبّقي النص القانوني. كما تفسر شرطة النظام العام القانون بمنع النساء والفتيات من ارتداء "البنطلونات" والتنانير الطويلة، وتعطي نفسها الحقَّ في اقتحام المنازل لمجرد الاشتباه في فعل ما يخالف القانون. وأقر البشير بأن نظامه لا يعفي نفسه "من بعض التقصير في ما يتعلق بالأزمة الراهنة"، التي ذكر أنها بدأت بانفصال جنوب السودان، موضحاً ان الشباب الذين ولدوا خلال فترة حكمه عاشوا مرحلة النفط قبل انفصال جنوب السودان وصدمتهم الازمة الاقتصادية. وافاد بأن الحملة الإعلامية المساندة للاحتجاجات التي تشهدها البلاد، "تم تمويلها بمبالغ مالية كبيرة من جهات معادية" للبلاد، من دون ذكر تلك الجهات أو المبالغ المالية. وتابع البشير أن "من يقودون الاحتجاجات غير معروفين وليس لهم أجسام حقيقة يمكن الرجوع إليها". وكشف عن أن هنالك توجهاً لـ “تكوين لجنة برئاسة شخصية قومية مقبولة لدى كل الناس لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد، مؤكداً أن "باب الحوار مفتوح مع أي جهة لتحقيق السلام وإخراج البلاد من الأزمات السياسية والاقتصادية"، مشيراً الى انه أجرى حواراً في فترات سابقة مع قوى اليسار والحزب الشيوعي وحزب البعث الاشتراكي.
الافراج عن الصحفيين المعتقلين
في سياق آخر، أعلن الرئيس السوداني الإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين حديثاً لتغطيتهم الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وتعتقل الأجهزة الامنية 13 صحفياً، بينهم الصحفي آدم مهدي في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور حيث حكم عليه بالسجن 3 أشهر بموجب قانون الطوارئ الساري المفعول في تلك الولاية.
وقبل أسبوعين، أدانت الولايات المتحدة العنف المتزايد بما في ذلك استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين في السودان. وأشارت واشنطن كذلك إلى أن تطبيع العلاقات الثنائية وإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يتطلبان "إصلاحاً سياسياً ذا مغزى وتقدماً واضحاً ومستمراً في احترام حقوق الإنسان".
وتوصل البلدان في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى تفاهم ينص على مراجعة تصنيف السودان دولةً تدعم الإرهاب، ووفقاً للاتفاق، يتعين على الخرطوم تنفيذ الإصلاحات الديمقراطية قبل إزالتها من القائمة. ومنذ 19 ديسمبر ( كانون الأول) الماضي تشهد البلاد تظاهرات مطالبة بتنحي البشير، صاحبَتها أعمال عنف أسفرت عن سقوط 31 قتيلاً وفق آخر إحصاء حكومي، في حين تقول منظمة العفو الدولية إن عدد القتلى 40، ويقدّر ناشطون وأحزاب معارضة العدد بنحو 50.