"عندما عرفت بإصابتي بالمرض صُعقت، لأن النهاية معروفة وهي الموت، ولكني بعد حين، آمنت بأنه موجود وأقنعت نفسي بأني سأتغلب عليه، وبدأتُ مرحلة العلاج الصعبة جداً والغامضة في فصل الشتاء". هكذا، تروي رانيا قصة إصابتها بسرطان الثدي، موضحةً أن رحلة العلاج انطلقت في مستشفى المطّلع في القدس، وهناك كما قالت، كانت لها عائلة ثانية. فبعد عدد من الجلسات الكيماوية، بات المرضى الآخرون رفاق النقاشات والأحاديث الطويلة.
على الرغم من أن الجلسات الكيماوية الأربع الأولى كانت صعبة ومتعبة، ومنعت رانيا من الخروج من منزلها في تلك الفترة، إلاّ أنّها قررت استثمار وقتها بالقراءة خلال الرحلة التي استمرت سنة وثمانية أشهر، لتتناسى نظرة الناس التي كانت دائماً تشير إلى أنها ستموت بعد حين، أو أن شعرها تساقط. الآن، وبعد شفائها التام من المرض، تواظب رانيا على الفحص الدائم للتأكد من خلو جسمها من الخلايا السرطانية، وتعمل على صعيد آخر في مجال تشجيع النساء على الفحص المبكر وعلى زيادة الوعي لديهن وثقتهن بأنفسهن.
رانيا كانت من الناجيات من المرض بسبب الفحص المبكر، وفي الضفة الغربية هناك مراكز عدّة لفحص سرطان الثدي، ولكن أكثرها اختصاصاً هو مركز "دنيا التخصصي لأورام السرطان"، الذي أسسته لجان العمل الصحي عام 2011، كمؤسسة غير ربحية لتوفير خدمات كاملة للسيدات اللواتي يردن إجراء فحص دوري لسرطان الثدي، أو للفحص والحصول على تشخيص للمرض، ثم التواصل مع الأطباء والجراحين لإعلامهم بتفاصيل الحالة، ووضع علامة على مكان الورم قبل بدء العلاج الكيماوي الذي تأخذه السيدة أحياناً قبل العملية الجراحية لتقليل حجم الكتلة السرطانية، وإزالتها بشكل صحيح من دون غيرها، إلاّ أنّ هناك أطباء لا يتبعون بروتوكول الإشارة هذا، ما قد يؤثر في إزالة الورم لاحقاً، كما أوضحت الطبيبة نفوز مسلماني، مديرة المركز.
وعن أهمية الفحوصات الدورية والمبكرة، توضح مسلماني أنه يجري العمل على توعية النساء بإجراء الفحص الذاتي، لأن السيدة تستطيع ملاحظة 70 في المئة من التغيرات على جسدها، إضافة إلى أهمية إجراء فحص الماموغرام في حال تجاوز عمرها الـ40، ثم إلى التصوير بالموجات فوق الصوتية (ألترا ساوند)، للكشف عمّا إذا كانت هناك تغييرات أو أورام حميدة أو غير حميدة. وقد يتم أخذ خزعة بإشراف الألترا ساوند، وهذا أمر ساعد في ارتفاع نسبة الشفاء بين المصابات، ووصل عدد النساء اللواتي أجريْنَ الفحص العام الماضي إلى 2400 سيدة.
التوعية والدعم النفسي
تشير مسلماني إلى أنه يجري العمل في المركز على جانبين آخرين غير العلاج، الأول يتعلق بالتوعية بأهمية الفحص المبكر من خلال المحاضرات والأنشطة المختلفة مع مؤسسات المجتمع المدني وفي المدارس. ففي كل عام، تُنظّم حملة الشهر الوردي في أكتوبر (تشرين الأول)، بشعار معين بالتعاون مع عدد من الدول العربية، وهذا العام كان "لا تستنّي الأعراض افحصي واطمئني"، لتشجيع النساء على الفحص، بدل الخوف من فكرة السرطان ونظرة المجتمع، أو أن يكون التشخيص سلبياً. وبناءً على ذلك، بدأت بعض الشركات والمؤسسات بارتداء الألوان الوردية ووضع شعار سرطان الثدي، واعتماد الخصومات أو الأنشطة المجتمعية، وفي بعض المدارس، شارك أهالي الطلاب بالتبرع لمركز السرطان عبر بيع المعجنات والكعك المصنوع في المنزل، أو تشجيع أطفالهم على توفير مبلغ معين خلال الشهر الوردي. وتشارك في هذه الفعاليات، ناجيات من المرض بالأشغال اليدوية التي تعلمنها كالتطريز أو صناعة حلويات منزلية، وكل سيدة منهن تحمل شعار "أنا قاهرة للسرطان".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الجانب الآخر، فهو يتمثّل في الدعم النفسي للمصابات، غير المتوفّر بشكل كاف في فلسطين، وفق مسلماني، إذ يجب إخبار السيدة بطريقة معينة، وتأمين المساعدة المعنوية للمصابة والعائلة معاً، كما أن وجود الزوج بجانبها ومرافقتها إلى العملية الجراحية وجلسات العلاج أمر ضروري، والأهم هو تقبله لها، حتى بعد أن تخسر شعرها نتيجة الجرعات الكيماوية أو بعد عملية استئصال أحد ثديَيْها.
ويأمل المركز في تنظيم جلسات وتدريبات مشتركة للعائلة ككل في حال توفر الدعم المادي الكافي.
المسبب الأول للوفاة بين أنواع السرطان
أوضحت مديرة السجل الوطني للسرطان في وزارة الصحة هدى اللحام لـ"اندبندنت عربية"، أنه بحسب السجلات، فإن سرطان الثدي هو الأكثر انتشاراً في فلسطين منذ سنوات. ففي عام 2018، كانت نسبة الإصابة به 14.2 في المئة من مجموع حالات السرطان المسجلة عند الجنسين، و28 في المئة من مجموع حالات السرطان بين الإناث، مشيرة إلى أن هذا المرض يُعتبر السبب الأول للوفاة بين النساء المصابات بالسرطان بنسبة 25 في المئة، إذ وصل معدل الوفاة إلى ما يقارب 10 نساء لكل 100,000 فلسطينية.