تحوّلت الشوارع الجزائرية إلى ساحة عروض كبرى لفنون عدّة، من موسيقى ورسم ورقص وأعمال فنية أخرى، وباتت ملاذاً لكل الفنانين الذين لم تتح لهم الفرصة لممارسة مواهبهم وتقديم عروضهم الفنية في القاعات المغلقة أو على مسارح المهرجانات، وفضاء لبثّ الفرحة والحيوية ونشر الإبداع للجماهير.
بن الشيخ الحسين عبد الله، واحد من الشباب الموهوبين، الذين لم يجدوا أيّ دعم أو تشجيع على إبراز إبداعاته وتطويرها، فقرر الخروج إلى الشوارع واقتسام فنه وموهبته مع جمهور المارة، بدل إبقائه سجيناً بداخله.
بمحاذاة المركز الثقافي المقابل للجامعة المركزية في الجزائر العاصمة، يجلسُ عبد الله (24 سنة)، على كرسيه، مُطأطئ الرأس، ليرفعهُ بين الفينة والأخرى، قاطعاً بذلك لحظات طويلة من الهدوء والتركيز.
يُداعب بأنامله الذهبية ريشته حتى تتفنّن في رسم وجوه أطفال، نساء، رجال، وشيوخ بتعابير تمتزج بين الحزن تارة والفرح تارة أخرى، يعْرضها هذا الشاب المبدع في لوحات، تخطف أنظار المارة الذين يتوقفون في كل مرة، منبهرين بأعماله.
يقول عبد الله لـ "اندنبندنت عربية"، إن هواية الرسم لازمته منذ نعومة أظافره، فعمل على صقلها وتطويرها مع الوقت إلى غاية التحاقه بمدارس الفنون الجميلة لتُصبح اليوم مهنته ومصدر رزق بالنسبة إليه، إذ تقدر قيمة البورتريه الواحد الذي يرسمهُ لزبائنه بـ 16 دولاراً"، مضيفًا "خرجت الى الشارع لكسب تقدير مادي ومعنوي من هذه المهنة لأنني لم أجد مكاناً آخر".
مواهب مهمشة
يُعدُ بن شيخ الحسين عبد الله، واحداً من عشرات الشباب الذين اتخذوا من الشوارع مسرحاً مفتوحاً لعرض لوحاتهم الفنية، منتشرين على جنبات الطرقات الرئيسة، يعزفُون أحياناً على آلات موسيقية أو يرسمون المارة أو يملأون الشوارع رقصاً وألحاناً، بعدما تجاهلتهم السلطات العمومية، ممثلةً بوزارة الثقافة، وفق تعبير كثيرين منهم.
في السياق ذاته، عبّر عدد من الفنانين ممن ينتشرون في الفضاءات العامة لـ "اندبندنت عربية" عن استيائهم الكبير من الإقصاء الذين يتعرضون له، خصوصاً أنهم محرومون من المشاركة في المناسبات والمهرجانات الوطنية، بداعي أنهم فنانون مغمورون، وليست لديهم التجربة الكافية.
يقول الشاب محمد الفاتح "على مدار سنوات، حاولتُ التودُد لبعض الجمعيات الثقافية لدعمي بالمشاركة في بعض النشاطات الفنية، لكن كل الوعود التي قطعوها، لم يتم الوفاء بها، ما أفقدني الأمل وجعلني أفكر في البحث عن طرق أخرى تحول دون وأد موهبتي وتحقيق أحلامي".
جمهور الشارع
بموازاة التهميش الرسمي الذي نال من بعضهم، لم يتقبل الجزائريون في البداية وجود شباب يحملون عوداً أو قيثارة أو يرقصون على أنغام شعبية وغربية، إلاّ أنه وبمرور الوقت، أصبحت هذه الأنواع من الفنون، تحظى بإعجاب المواطنين، الذين يقفون في الطرقات للاستماع إلى أغانيهم أو التمتع بموهبتهم في الرسم، ما أسهم في تنامي ظاهرة "فناني الشوارع" بشكل ملحوظ في العام الأخير، فتحوّلت أزقة العاصمة اليوم إلى مسارح مفتوحة في الهواء الطلق بحضور جمهور غفير.
وعلى مدار الأسبوع، باتت أنغام الأغاني الشعبية، تنبعث وسط العاصمة، من أنامل شباب وحتى كهول يتخذون من المارة زبائناً لهم. ويقول محمد، القادم من مدينة البويرة، شرق الجزائر، إن زيارته إلى العاصمة لا تحلو دون التوقف عند العم محند، في ساحة "موريس أودان" للتمتع بعزفه على آلة العود.
حيوية المدن
بات لـ"فناني الشوارع"، أهمية كبيرة في حياة المدن، إذ يؤكد رئيس بلدية الجزائر الوسطى عبد الحكيم بطاش، أنهم أسهموا في إعادة بعث الحيوية للعاصمة التي تشهد إقبالاً كبيراً طيلة الأسبوع، وبدرجة أكبر في أيام العطلة.
واعتبر أن هدف السلطات العمومية يبقى المحافظة على وهج الجزائر العاصمة، خصوصاً في أبرز شوارعها وهي العربي بن مهيدي وديدوش مراد وساحتَيْ موريس أودان والبريد المركزي.