على وقع الاحتجاجات المستمرة في لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) ضدّ فساد الطبقة السياسية، تسود حالة من الفوضى في الأسواق مع إغلاق محطات وقود أبوابها وارتفاع أسعار سلع أساسية وإشكالات في المصارف، فيما لم تحرّك السلطات ساكناً منذ استقالة الحكومة قبل عشرة أيام.
وفي ضوء الأزمة التي تعصف بالبلاد، عقد رئيس الجمهورية ميشال عون، السبت 9 نوفمبر (تشرين الثاني) في قصر بعبدا، اجتماعاً مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ومجلس إدارة جمعية المصارف ووزيري المال علي حسن خليل والاقتصاد منصور بطيش لبحث الوضع المصرفي في البلاد.
وفي مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع، أعلن رئيس جمعية المصارف سليم صفير أن المجتمعين قرّروا تكليف وزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان ورئيس جمعية المصارف مراقبة الأوضاع وإصدار بيانات توضيحية منعاً لانتشار الأخبار غير الصحيحة، وطلبوا من سلامة الاستمرار في اتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقرار النقد.
وطلب من حاكم مصرف لبنان بالتعاون مع جمعية المصارف تيسير الحاجات اللازمة للمودعين ولا سيما صغار المودعين للمحافظة على اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية بالإضافة إلى التسهيلات اللازمة لتأمين ديمومة عمل القطاعات الانتاجية
وأكّد صفير أن "أموال المودعين محفوظة ولا داعي للهلع"، مضيفاً أن ما يحصل مسألة لا علاقة لها بالملاءة. ودعا الناس إلى الهدوء وسحب ما تحتاج إليه من أموال فقط.
سلامة بدوره أكّد للصحافيين أن الاعتمادات مؤمّنة للنفط والطحين والأدوية وأن المصارف ستفتح أبوابها يوم الثلاثاء المقبل عكس ما يشاع.
أمّا وزير المال فطمأن إلى أن رواتب شهري 11 و12 مؤمنة ولا مشكلة فيها، مضيفاً أن لبنان ملتزم بسداد مستحقات سندات الخزينة بالعملات الأجنبية في مواقيتها المحددة، وهذا التزام مؤكد.
ارتفاع الأسعار
صباح السبت، خرج مئات اللبنانيين وعلى رأسهم طلاب المدارس الذين تولوا لليوم الرابع على التوالي زمام المبادرة، إلى شوارع مدن رئيسة عدّة احتجاجاً على الأوضاع المزرية التي وصلت إليها البلاد.
وفي ظلّ وضع اقتصادي متأزّم، تسود حالة من الخوف بين المواطنين غير القادرين على تحصيل ما يريدون من ودائعهم المصرفية مع تشديد المصارف إجراءات الحدّ من بيع الدولار. وفي وقت بات التجار الكبار غير قادرين على الحصول على الدولارات من المصارف، بدأوا بدورهم التلاعب بأسعار السلع، فارتفع ثمن المواد الغذائية، وفق ما يقول رئيس جمعية المستهلك غير الحكومية زهير برو لوكالة الصحافة الفرنسية.
ويوضح برو "نتلقى الكثير من الشكاوى بأن البلد في مرحلة فوضى بالأسعار"، مشيراً إلى أن "التجار الكبار يطلبون من التجار الصغار أن يدفعوا لهم بالدولار، وإن وافقوا على القبض بالليرة اللبنانية، فيفعلون ذلك بسعر الصرف الذي يناسبهم".
ويضيف "من هنا تنطلق المشكلة الأساسية، وبات صغار التجار أيضاً يفعلون الأمر ذاته، وبالتالي تصل الأسعار إلى المستهلك مرتفعة جداً"، مشيراً إلى زيادة أسعار طالت "عدداً كبيراً من المواد من البيض إلى اللحوم والأجبان والألبان والخضار"، وذلك بنسب مختلفة.
مشاكل في القطاع المصرفي
وللمرة الأولى منذ أكثر من عقدين من الزمن، ظهرت خلال الصيف سوق موازية، ووصل الدولار اليوم إلى 1800 ليرة، فيما لا يزال السعر الرسمي للّيرة ثابتاً على 1507.
ويأتي ذلك مع تشديد المصارف اللبنانية إجراءات سحب الودائع بالعملة المحلية والأجنبية خلال أسبوع فتحت فيه أبوابها بعد توقّف دام أسبوعين، جراء الاحتجاجات الشعبية. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصرّاف الآلي، كما تفرض المصارف رسماً إضافياً على عمليات سحب الدولار المحدودة جداً مباشرة من داخل فروعها.
وأعلنت المصارف إغلاق أبوابها يومي السبت والاثنين لمناسبة المولد النبوي على الرغم من أن العطلة الرسمية يوم الاثنين فقط، في خطوة رأى مراقبون أنها تهدف ربما إلى تخفيف الضغط عنها. وتداول مواطنون، خلال الأسبوع الماضي، أشرطة فيديو عدّة تظهرهم يتشاجرون مع موظفين في المصارف، لعدم السماح لهم بسحب ما يريدون من مبالغ بالدولار، أو لعدم قبول المصارف أن يدفعوا مستحقات قروضهم بالليرة اللبنانية.
أزمة محطات الوقود
كذلك، أغلقت محطات وقود عدّة أبوابها، السبت، مع انتهاء المخزون لديها وصعوبة الشراء من المستوردين بالدولار الأميركي، وأبقت أخرى أبوابها مفتوحة ريثما ينتهي مخزونها.
وسط ذلك، أصدرت الشركات المستوردة للنفط، بياناً ردت فيه "على الشائعات التي تتحدث عن أن المستوردين توقفوا عن استيراد مادة البنزين والديزل"، مؤكدة أنه "تم استيراد كميات من المادتين المذكورتين في الأيام القليلة الماضية، وهناك بواخر تفرغ حمولتها في أربع شركات مختلفة اليوم (السبت) وغداً وبعد غد. وهناك بواخر قيد التحميل ومتوقع وصولها في الأيام المقبلة ويعمل على استيرادها بالتنسيق مع المصارف".
وكانت أزمة محطات الوقود بدأت في سبتمبر (أيلول) الماضي مع تذمّر أصحابها من صعوبة الحصول على الدولارات لتسديد فواتيرهم للمستوردين. ويدفع المستهلكون لأصحاب محطات الوقود بالليرة اللبنانية، فيما يتعيّن على هؤلاء الدفع بالدولار للمستوردين والموزعين. وبعد تنفيذهم إضرابات، أصدر المصرف المركزي تعميماً لتسهيل حصولهم على الدولار، لكن ومع تشديد الإجراءات على بيع هذه العملة التي بات الحصول عليها بالغ الصعوبة، عاد أصحاب المحروقات لمواجهة الأزمة ذاتها، وباتوا يضطرون مجدداً لشراء الدولار من السوق الموازية.
المستشفيات تدق ناقوس الخطر
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، هددت المستشفيات اللبنانية بدورها الجمعة بأنها ستتوقّف عن استقبال المرضى، ليوم واحد في منتصف الشهر الحالي كإجراء تحذيري، في حال لم تستجب المصارف خلال مهلة أسبوع لطلبها تسهيل تحويل الأموال بالدولار لشراء مستلزمات طبية.
وكانت التحركات الشعبية، غير المسبوقة في لبنان ضدّ أداء الحكومات المتعاقبة، بدأت مع ازدياد الوضع الاقتصادي سوءاً ومعارضة المواطنين لزيادة الضرائب عليهم، وتخوّفهم من تدهور قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
وتشهد أيام الأسبوع تحركات احتجاجية عدّة، تشمل اعتصامات أمام مؤسسات رسمية ومصارف وإجبارها على إغلاق أبوابها. وصباح السبت، خرج مئات المواطنين، خصوصاً طلاب المدارس الثانوية، إلى شوارع مدن رئيسة عدّة شملت بيروت وصيدا وصور جنوباً وطرابلس شمالاً وعرسال في الشرق.
حكومة متأخّرة
ومنذ استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري في 29 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحت ضغط الشارع، ليست هناك أي بوادر لتشكيل حكومة جديدة، يطالب المتظاهرون بأن تضم اختصاصيين من خارج الأحزاب السياسية التقليدية.
وقال مصدر مصرفي لوكالة الصحافة الفرنسية، محذراً إنه "في حال لم يتم تشكيل حكومة في وقت قريب، فإن الوضع في البلاد سيسوء".
ومساء السبت، ترددت معلومات صحافية تفيد بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والوزير علي حسن خليل ومعاون الأمين العام لحزب الله حسين خليل اجتمعوا في بيت الحريري.
وكشفت الوكالة المركزية أن اللقاء أحرز تقدماً بطيئاً ويستكمل غداً (الأحد).
في سياق آخر، اندلعت في بلدة الدبية في الشوف حرائق أتت على مساحات حرجية واسعة وتعمل فرق الدفاع المدني على إطفائها بمساعدة عناصر الجيش اللبناني. وشهد لبنان الشهر الماضي سلسلة واسعة من الحرائق في مختلف المناطق من الشمال إلى الجنوب، قضت على مساحات كبيرة من الأحراج وخلّفت أضراراً مادية، في وقت عجزت الدولة عن إطفائها في ظل ظروف مناخية صعبة وضعف التجهيزات اللازمة لحالات مماثلة.