لم تتوقع القيادة العسكرية الإسرائيلية أن يتصدر جيشها العناوين، بعيداً من حملة الترويج للقدرات العسكرية لجيشها. فبعدما نجحت القيادات السابقة في تحييد موضوع الإعفاء من الخدمة العسكرية بسبب الأمراض النفسية، عاد هذا الملف ليتصدر أبحاث المؤسستين العسكرية والأمنية، بعد ارتفاع نسبة الجنود الذين يعانون مشاكل نفسية بـ30 في المئة، وبلوغ عدد المجندين الذين حصلوا على إعفاء من الخدمة بسببها 4500 جندي، مقابل 3500 عام 2017.
وفي تقرير حول الموضوع، تبين أنه في عام 2018، سُجّل ارتفاع بنسبة 100 في المئة، في الحالات التي وصل فيها شبان إلى مراكز التجنيد وفي حوزتهم وثائق طبية تدل على أنهم يعانون مشاكل نفسية، ومعظمهم يعانون من انفصام الشخصية.
واللافت أن المشاكل النفسية تظهر بين مجندين من جميع فئات المجتمع من متدينين وعلمانيين. وفي المعطيات المتوفرة، هناك ارتفاع في عدد المعفيين العلمانيين على خلفية نفسية من 1625 إلى 2097، خلال السنتين الماضيتين، بينما في الوسط الديني كان الارتفاع من 262 إلى 391 خلال العام الماضي.
ولم يخف الجيش قلقه من هذه المعطيات، خصوصاً أن أكثر من 10 في المئة من خريجي المدارس المتميزة، التي يتعلم فيها طلاب من شرائح اجتماعية – اقتصادية عالية، لا يتجندون لأسباب نفسية.
واعترف قياديون في الجيش أنهم يواجهون صعوبة في تفسير هذا الارتفاع، غير المتوقع، فيما قال ضباط يعملون في أقسام القوى البشرية في الجيش، إن قلقهم يكمن في أن قسماً كبيراً من هذه الحالات يحصل على الإعفاء بسهولة بالغة وحتى من دون وثيقة طبية، ما أثار نقاشاً حول حقيقة دوافع التملص من الخدمة. وقد برز في النقاش، التهرب على خلفية الخوف من تصعيد أمني يلزمهم المشاركة في حرب، بحسب ما يعلن المسؤولون، ستكون قاسية وتختلف بنوعيتها وأبعادها عن الحروب السابقة.
لجنة تحقيق
ضباط في الجيش رفضوا ما أدلى به مسؤولون عن وجود مجندين حصلوا على إعفاء من دون وثيقة طبية. وهناك من اعتبر أن الظاهرة موجودة، لكن ارتفاعها يدل على كسر حاجز الخجل من قبل المجندين وعائلاتهم وتقديم تقارير طبية من أطباء نفسيين تؤكد معاناتهم النفسية.
إزاء هذا النقاش وما تظهره هذه المعطيات من خلل خطير داخل الجيش، تقرر التحقيق في الموضوع مجدداً، على تُستخدم أدوات تحقيق مختلفة إلى جانب التعاون مع جهات أخرى، لمعرفة الأسباب الحقيقية لنسبة الإعفاء المتزايدة، بما في ذلك فحص مدى صحة التقارير الطبية وإذا كانت هناك تقارير مزورة ومخالفة للقانون.
حرب تموز بداية الظاهرة
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذه ليست المرة الأولى التي تعبر فيها قيادة الجيش عن قلقها من ظاهرة الإعفاء من الخدمة العسكرية. وكانت الذروة بعد حرب لبنان الثانية عام 2006. ففي حينها، كُشف عن حالات كثيرة لجنود يعانون مشاكل نفسية بسبب الحرب وآخرين قدموا تقارير طبية يطالبون فيها بإعفائهم من الخدمة بسببها.
ورافقت هذه الظاهرة، بعد سنة من الحرب، ظاهرة انتحار الجنود، إذ كُشف عن انتحار 58 جندياً بعد أشهر عدّة من حرب لبنان الثانية وتنفيذ عددٍ كبير من العمليات الانتحارية من قبل الفلسطينيين.
"أوهام الحرب"
أمام هذا الأرقام وروايات الجنود لوسائل الإعلام، وجدت قيادة الجيش نفسها أمام وضع محرج، مقابل التقارير والصور التي كانت تروج لها تحت عنوان بطولات الجيش الإسرائيلي.
وحتى ينقذ الجيش وضعه ويحافظ على "هيبته" أنشأ سراً، في حينها، قرية خاصة لمعالجة هؤلاء، أطلق عليها اسم "ايزون" وتعني التوازن، وتسجل فيها 900 جندي ممن خدموا في الأراضي الفلسطينية وشاركوا في حرب لبنان الثانية.
وحسب الحالات التي وصلت إلى القرية العلاجية، هناك العشرات ممن حاولوا الانتحار.
إزاء هذا الواقع، تخشى القيادة الإسرائيلية بأن يكون الخوف من أي حرب مقبلة تجاه لبنان أو غزة هو الدافع المركزي لحصول المجندين على إعفاء من الخدمة، خصوصاً أن الموضوع يسيطر على أجندة العسكريين والأمنيين والسياسيين أيضاً، منذ ثلاث سنوات على الأقل.
ويشير البعض إلى أن الخوف الأكبر لدى الجنود ووصولهم إلى حد طلب الإعفاء من الخدمة العسكرية، قد يكون بسبب التهديدات المتبادلة بين إسرائيل وإيران وتقديرات أجهزة الأمن بأن العام المقبل سيكون عام المفاجآت السيئة لإسرائيل، مع ارتفاع احتمالات وقوع حرب مع جبهات قريبة وبعيدة.