سنرى قريبا الكثير من التقارير والتحليلات المفصلة حول خطط إنفاق الأحزاب الرئيسة قُبيل الانتخابات العامة. وقد سارعت "مؤسسة القرار" (ريزوليوشن فاوندَيشن) للدراسات الاستراتيجية إلى إصدار دراسة في وقت مبكر تتوقع فيها أن الدولة في طريقها عازمة على التوسع في الحجم إلى درجة لم يسبق لها مثيل منذ عقد سبعينيات القرن الماضي، وهذا حتى قبل صدور أي برامج انتخابية عن الأحزاب.
كانت الإشارة إلى ذلك العقد، تُستخدَم لتخويف الناخبين الذين يفكرون في التصويت لحزب العمال، فهو يذكّرهم بـ "شتاء السخط" وما إلى ذلك. وقد ظل شتاء 1978-79 ذاك، الذي شهد إضرابات واسعة خلال حكم حزب العمال، أداة أساسية في حملات حزب المحافظين الانتخابية حتى دخل في غياهب التاريخ.
هناك مفارقة طريفة في حزب المحافظين الحالي، الذي تقوده مجموعة من التاتشريين ممن يشعرون بالحنين إلى عصرها، لكنهم في الوقت نفسه يروجون لخطط ستقلب، حسب التقرير، "ثورة تاتشر على التمويل العام" رأسا على عقب، وذلك بتوسيع الدولة إلى حد قد يتجاوز حتى ما كانت عليه خلال حقبة "الأحذية الغليظة النعل" و"موسيقى البانك روك" و"أسبوع العمل لثلاثة أيام"، في سبعينيات القرن الفائت.
مع ذلك، فإن التزام الحزبين الرئيسين بفتح صنابير الإنفاق هو موضع ترحيب واسع. فنتيجة لعقد من التقشف باتت خدمات بريطانيا العامة تتأرجح على حافة الانهيار، وهذا الحال ينطبق على بنيتها التحتية أيضا. كذلك فإن الاقتصاد في وضع مهزوز بسبب بريكست، ويبدو وكأن المحافظين سيدفعونه نحو الأسوأ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن القول إنه مهما يكن لون الإدارة التي ستظهر من الانتخابات، سواء كانت حمراء أو زرقاء أو مختلطة الألوان، فإن اقتصاد المملكة المتحدة سيكون في حاجة إلى دعم كبير من وزير المالية. ومع اقتراب موعد نفاد القواعد المالية التي كانت تقنن الإنفاق الحكومي بقوة، والتي يبدو أن كلا الحزبين لا يعارضان استبدال قواعد جديدة بها، من المرجح أن الاقتصاد يحظى بالدعم اللازم.
يجدر تسليط الضوء على نقطتين أوردهما في التقرير. الأولى هي أن الغموض يكتنف ما يقوله الحزبان عن مصدر المال الذي سيُنفَق على المشاريع العامة التي يتعهدان بإنجازها.
فبوريس جونسون وعد بتقليص كبير للضرائب على الأثرياء من جهة، وبمزيد من الإنفاق من جهة ثانية، إذ لعله عثر على "شجرة المال السحرية" التي قالت تيريزا ماي عنها إنها غير موجودة (إلا في آيرلندا الشمالية حين احتاجت إلى أصوات الحزب الاتحادي الديمقراطي).
أما حزب العمال فقد ظل موقفه ثابتا حول الحاجة إلى زيادة الضرائب، واستهداف الأثرياء والشركات، لتنفيذ خططه الأكثر طموحا. وقد أشار نقّاد هذه الخطط إلى أنها تشكو من الضبابية.
لا مناص من أن ينتهي المطاف بالحزبين إلى استدانة المزيد من المال. وهذا ليس هو الأسوأ في العالم مع هبوط معدلات الفائدة إلى أدنى مستوياتها، ولا يبدو أنها سترتفع كثيرا في وقت قريب. والسؤال حول القدرة على الاستمرار في التمويل سيثار حتما.
أما النقطة الثانية فهي السؤال الذي يجب أن يُطرح على حزب المحافظين: ما هو التبرير لكل التقشف الذي قلتم إننا بحاجة إليه، وما رافقه من تبديد للنمو الاقتصادي خلال عقد بأكمله. هل أنتم حريصون على تقديم إجابة؟ لا؟ لا نظن.
على أية حال، أُدرج فيما يلي النقطة التي أثارها التقرير والتي تستحق التأمل. قد تتوسع الدولة إلى الحد الذي بلغته خلال سبعينيات القرن الماضي تحت حكم أي من الأحزاب الرئيسة التي تختارونها، لكن طبيعة التوسع ستكون مختلفة عن سابقتها.
سيكون هناك إنفاق أكثر على الكبار في السن وعلى الصحة العامة مما كان في ذلك العقد. فالسكان اليوم، وبشكل لافت للنظر، أكبر سنا، وكلما تقدم المرء في عمره زادت حاجته للعناية الصحية.
يقول مركز "مؤسسة القرار" في تقريره إنه "بغياب أي تغيير في المقاربة بما يخص الجوانب الأخرى في الانفاق، فإن الانفاق الحكومي الإجمالي سيحتاج إلى مواصلة ارتفاعه كجزء من الناتج المحلي الإجمالي من أجل تلبية الطلب المتزايد في حقلي الصحة والرواتب التقاعدية.. وهذا حتى قبل حساب تكاليف أي من وعود الإنفاق التي ستطرحها الحكومة المقبلة كجزء من حملتها الانتخابية".
تماماً، لذا هل يمكنكم أن تقولوا لي ما هي التهجئة الصحيحة لعبارة "القنبلة الديمغرافية الموقوتة"؟ وماذا عن عبارة "العدالة ما بين الأجيال" التي ظلت غائبة خلال سنوات التقشف إذ أن عبء خفض الإنفاق الأكبر وقع على عاتق الشباب.
لا يبدو أن أيا من الحزبين مهتم بمواجهة هذه القضايا، أو بتأثيرها على كبار السن. لكن سيكون عليهما في نهاية المطاف أن يبديا مزيداً من الاهتمام بذلك. ولن يستطيعا تجاهل التحذير من مغبة اهمال الأمر.
© The Independent