ظهرت منظمة الدفاع المدني السوري، المعروفة بشكل أفضل بالزي الموحد لأفرادها وبلقبها "الخوذ البيضاء"، أولا عام 2013 كأول مجموعة من المستجيبين الأوائل المتطوعين في إحدى أكثر مناطق الحروب دموية على المستوى العالمي.
وتأسست المنظمة في تركيا بمساعدة جيمس لوميسورييه، وهو ضابط سابق في الجيش البريطاني ومدير جمعية "ماي رِسْكيو" (إنقاذ المستغيثين) الخيرية، ساعد على تدريب فرق المستجيبين الأوائل هؤلاء.
وعُثر على لوميسورييه، 48 سنة، جثة هامدة بالقرب من شقته في إسطنبول في وقت مبكر من صباح يوم الاثنين الماضي، بعد أيام قليلة على اتهامه بالتجسس من قبل وزارة الخارجية الروسية التي هاجمت أيضا منظمة "الخوذ البيضاء". وتفيد التقارير الأولية عن الحادث أنه قد سقط من شرفة مسكنه.
يذكر أن منظمة "الخوذ البيضاء" رأت النور عام 2013، حين كانت الثورة السورية قد تحولت إلى حرب أهلية فوضوية. ولم يكن هناك إلا عدد محدود من المنظمات الدولية أو المحلية القادرة على الوصول إلى أكثر المناطق تضررا من تلك التي يسيطر عليها المتمردون وكانت تتعرض إلى قصف حاد من من قبل دمشق وحلفائها الروس والإيرانيين.
ومنذ ذلك الوقت، توسعت المنظمة حتى صار عدد أفرادها 2,900 متطوعاً من الذكور والأناث. وقال رائد صلاح، رئيس منظمة " الخوذ البيض" لصحيفة " اندبندنت"، إنها أنقذت حياة ما يزيد على 119,000 شخص وفقدت 270 من أعضائها. وكانت واحدة من قلة من المجموعات التي تمكنت من توثيق هجمات النظام العشوائية على المدنيين، ولذلك ضمنت دعما وتمويلا عالميين من الحكومات الأميركية والأوروبية، بما فيها المملكة المتحدة.
ففي الأسبوع الماضي فقط، التقى أندرو موريسون، وزير الدولة البريطاني لشؤون التنمية الدولية والشرق الأوسط، برئيس "الخوذ البيضاء"، صلاح، لمناقشة الوضع في إدلب، وأشاد بعملها.
وإذ رُشّحت المنظمة لجائزة نوبل عام 2016 فهي مُنحت في العام نفسه "جائزة رايت لايفْلِهُود" (وسائل العيش المستقيمة)، التي تعتبر "جائزة نوبل البديلة"، وذلك جزاءً على جهودها. وبعد عام واحد فاز فيلم وثائقي تناول عمل "الخوذ البيضاء" في حلب بجائزة الأوسكار.
لكن فيما ذاع صيتها على نطاق أوسع ازدادت في الوقت نفسه حملة الانتقادات ضدها من جانب أنصار نظام بشار الأسد وحلفائه ممن اتهموها بدعم المجموعات الإرهابية، وفبركة هجمات بالطائرات والمدفعية لتصويرها بل وحتى تزييف هجمات كيميائية.
وفي هذا السياق، كتب السفير الروسي لدى المملكة المتحدة على صفحته في موقع تويتر، بعد فوز الفيلم الوثائقي بجائزة الأوسكار "هؤلاء ممثلون يخدمون أجندة، وليسوا منقذين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونُشرت على الانترنت بعض الصور والفيديوهات التي كان أغلبها مزيفاً كـ "أدلة" تدين المنظمة. وازداد الوضع تعقيداً مع وصول المقاتلين "الجهاديين" ودخولهم ضمن صفوف المتمردين، خصوصا في إدلب الآن، التي تعتبر جبهة القتال الأخيرة.
لكن "الخوذ البيضاء" تؤكد أن مهمتها هي انقاذ حياة الأفراد وتقديم المساعدة لهم إذا أُصيبوا بغض النظر عمن هم. وقال صلاح لـ " اندبندنت" إن "هذه البروباغاندا تستهدف عملنا الذي لا يحبه النظام. نحن نوثّق جرائم الحرب".
وركزّت ماريا زاخاروفا، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، يوم الجمعة الماضي مرة أخرى على "الخوذ البيضاء" وخصوصاً على لوميسورييه. وقالت إن تعليقاتها هي رد فعل على مزاعم وزير الدولة البريطاني الدكتور موريسون بأن المجموعة ما زالت تتعرض إلى "حملة تضليل هائلة من قبل النظام السوري والحكومة الروسية".
وكان الوزير قد انتقد بشدة دمشق وموسكو بعد لقائه بصلاح. وقال في هذا الصدد إن "هذه التكتيكات المخادعة هي محاولة وقحة لصرف الانتباه عن موجة الهجمات المروعة ضد الشعب السوري، التي اشتملت على استخدام الأسلحة الكيميائية".
واتهمت زاخاروفا الغاضبة لوميسورييه بالعمل مع جهاز الاستخبارات البريطاني "أم آي 6" و"القاعدة". وفي الأثناء، قالت إن متطوعي الخوذ البيضاء "عرضوا استفزازات مفبركة، وساعدوا المجموعات الإرهابية الأكثر خطورة".
غير أن الخبراء في شؤون سوريا ممن يؤيدون عمل "الخوذ البيضاء" أنكروا مرارا صحة المزاعم السورية والروسية. هكذا اعتبر هاميش دوبريتون جوردان، خبير الأسلحة الكيميائية الذي حقق في هجمات النظام من داخل سوريا أن الانتقادات "متعمدة".
وقال الخبير الذي كان يتحدث مع "اندبندنت" إنه "حين يتعرض الناس للقصف يومياً، وأنت تدمر المستشفيات، تكون الخوذ البيضاء هي الوحيدة التي تقدم المساعدة. وهذا هو سبب الهجوم الشرس عليها. إنه جزء من محاولة إحباط وتحطيم جماهير السوريين". وأضاف هم " مستجيبون أوائل فحسب، وأنا أستطيع أن أجزم بذلك".
© The Independent