"كنت أبحث لأغنامي عن مكان مناسب لترتاح فيه، فشاهدت الأميركييْن تيم وويل يتسلقان الجبل القريب من منزلي، فدفعني الفضول إلى سؤالهما عما يفعلانه، وفوجئت بأنهما يتحدثان اللغة العربية، تجرّأت وطلبت منهما تعليمي تجربة التسلق، على الرغم من أن عمري آنذاك لم يتجاوز 13 سنة، ومنذ ذلك الحين وأنا أملك شغف التسلق، واليوم أنا مرشح لأكون لاعباً أساسياً في منتخب فلسطين للتسلق، الذي سيشارك للمرة الأولى في مسابقة الأولمبياد التي ستعقد في طوكيو 2020".
طموح إلى العالمية
"خمس سنوات مضت على معرفتي بالأميركييْن ويل هاريس، وتيموثي بيرنز" يقول توفيق نجادة 19 سنة لـ "اندبندنت عربية" شاهدتهما للمرة الأولى في قريتي عين قينيا قضاء رام الله في الضفة الغربية، يتسلقان جبلاً شاهقاً بالنسبة إلي مستخدمَين المطارق والمسامير للتمكن من تعليق حبال التسلق عليها، تركت أغنامي وحدها، وتعلقت عيناي بهما إلى حين انتهائهما، فطلبت منهما تجربة التسلق، في البداية امتلكني الخوف، لكن سرعان ما تبدد، فكلما حَطت قدماي خطوة إلى الأعلى، قلّ خوفي، حتى تعلقت بهذه الرياضة، على الرغم من خطورتها. " نجادة الذي أنهى دراسته المدرسية عند الصف السادس الابتدائي، يعمل صباحاً في مهنة البناء، وكحارس ليلي لدى إحدى الشركات في رام لله، يتحدث إلى "اندبندنت عربية" كيف انشق عن طبيعة الحياة البدوية التي ترعرع عليها في منطقته عين قينيا، حيث يتزوج الشباب في عمر صغير لا يتخطى 23 سنة، بعد عمل لا يتجاوز خمس أو ست سنوات، ويقبعون تحت ظل الحياة البدوية التقليدية الرتيبة في رعي الأغنام، أو الزراعة، أو المهن التقليدية كالنجارة أو الحدادة أو البناء. نجادة وبعد خمس سنوات من تسلق الجبال، لا زال يعاني من رفض مجتمعه البدوي الفلسطيني هذه الرياضة، إذ يعتبرونها سخيفة غير مجدية، توفيق الذي تحدث حصرياً إلى "اندبندنت عربية" حول منتخب فلسطين للتسلق، الذي سيشارك فيه مع زملائه، للمرة الأولى، في مسابقة الأولمبياد التي ستعقد في طوكيو / اليابان عام 2020".
في الثالث من أغسطس (آب) 2016، علم توفيق ومن معه من متسلقين، أن اللجنة الأولمبية الدولية، أضافت رياضة التسلق إلى برنامج دورة الألعاب الأولمبية الصيفية المقبلة المقررة في طوكيو عام 2020، فباشر نادي التسلق الذي ينتسب إليه بالإجراءات الرسمية للتسجيل لدى اللجنة الأولمبية، التي تتبع لوزارة الشباب والرياضة الفلسطينية، كأول نادٍ للمتسلقين الفلسطينيين، ليتمكنوا قريباً، من إنهاء التسجيلات الرسمية للمشاركة في المسابقة الأولمبية.
بيئة مناسبة للتسلق
نادي "وادي تسلق" الذي ينتسب إليه نجادة منذ 5 سنوات، تأسس على يد شابين أميركيين عام 2014، فبعد زيارة "تيم بيرنز" و "ويل هاريس" فلسطين، اكتشفا أن هناك إمكانية كبيرة للتسلق، فطبيعة القرى الفلسطينية "جبلية" ومع نقص المجالات الترفيهية في الضفة الغربية، انطلقت الفكرة لديهما، لتأسيس أول نادٍ للتسلق في فلسطين، وقررا منذ ذلك الحين مشاركة شغفهما في التسلق مع الجميع.
تيم وويل، قاما آنذاك بتنظيم رحلات تسلق خارجية أسبوعية، وأخرى في عطلة نهاية الأسبوع للفلسطينيين والأجانب، في جبال قريتي يبرود وعين قينيا التابعتين لمدينة رام لله في الضفة الغربية، حيث كانا يقومان بتحديد المسارات مسبقاً، آخذين في الاعتبار، تطوير أماكن جديدة للتسلق، يسهل على الفلسطينيين دخولها، بحيث يتم تجنب الأماكن التابعة لسلطة الحدائق الإسرائيلية المخصصة لاستخدام الإسرائيليين فقط.
الشابان الأميركيان المؤسسان لنادي "وادي تسلق"، يحاولان التواصل مع المشاركين في الرحلات باللغة العربية التي تعلماها في الأردن قبل سنوات عدة، إذ تكلف رحلة التسلق حالياً 90 شيكلاً فقط (25 دولاراً)، وهذا يشمل أيضاً، استئجار أحذية خاصة للتسلق، إضافة إلى الحبال والمعدات الأخرى الخاصة بالتسلق والباهظة الثمن.
في آذار (مارس) من العام 2016، قرر نادي "وادي تسلق" افتتاح أول مدرسة رياضية مغلقة بالضفة الغربية في رام لله، لتعليم رياضة التسلق للفلسطينيين والأجانب، حيث أن المدرسة لا تضع أية شروط للتسجيل فيها، سوى أنها مكان للهواة، بغض النظر عن الجنس أو العمر.
تسلق الجبال ليس فقط للرجال
الشابة الفلسطينية هبة شاهين 30 سنة، التي بدأت العمل كمدربة تسلق في العام الماضي، تتحدث إلى "اندبندنت عربية" حول تجربتها فتقول "رياضة التسلق دخلت حياتي بالمصادفة، عندما كنت أتدرب في النادي الرياضي القريب جداً من نادي "وادي تسلق"، لفت انتباهي المكان والألوان، فدخلت للتجربة وتعلقت بالمكان، وبعد عامين من التسلق، كانت هناك وظيفة شاغرة للعمل كمدرب في النادي، وتم قبولي. شاهين التي تعمل بالأساس مهندسة برمجيات في رام الله، تقول لـ "اندبندنت عربية"، كل من يحضر إلى النادي الداخلي يرى جدراناً قصيرة ملونة، يعتقدون أنها للأطفال الصغار، ولا يعلمون أن التجربة تثبت لهم أنها تحدٍ كبيرٍ وليست مجرد لعبة، وتحتاج إلى عضلات قوية".
خلال العام 2018 تقول هبة، "لم تكن هناك تطورات كبيرة في عمل النادي، ففكرة تسلق الجبال لا تزال غير مستساغة لدى الفلسطينيين، والنادي الداخلي لا يسجل شهرياً أكثر من 20 إلى 30 مشتركاً، نسبة كبيرة منهم من الأجانب، وفي الرحلات الخارجية الأسبوعية، يصل عدد المشتركين إلى 25 شخصاً كحد أقصى، فالرحلة في الصيف أو في الشتاء تستغرق ست ساعات تقريباً، وهي متعبة وشيقة، في الوقت ذاته". الرياضة هذه وفق هبة، ترمز إلى تحديات بدنية وذهنية، وتحتاج إلى شجاعة حقيقة، فهي تهزم الخوف في قلوب المشتركين، وتعزز ثقتهم في أنفسهم، ومع ذلك فهناك من يجرب مرة أو مرتين وينسحب، إذ أغلبية المشاركين في الرحلات الخارجية يأتونها كترفيهية، وليس كرياضة، وهو ما يجعل التسلق محصوراً بأشخاص معينين في فلسطين
التسلق الخارجي يختلف كثيراً عن التسلق الداخلي، تشرح هبة لـ "اندبندنت عربية"، ففي التسلق الداخلي، الأماكن مرسومة والطريق محددة، أما في الخارج فالصخور هي من تحدد مسار التسلق، والحبال دائماً مربوطة ومثبتة بالمتسلقين.
تعود شاهين بذكرياتها ضاحكة "المرة الأولى التي تسلقت فيها الجبل عند منطقة عين قينيا في رام الله، كنت أرتفع عن الأرض قرابة 12 متراً، فشعرت بالخوف، لكن ثقتي بأنني مثبتة بحبل، ساعدتني على الاستمرار في الرحلة ".
التسلق من الطفولة
الطفل عبد الكريم نيروخ من رام الله، الذي لم يتجاوز بعد الـ 14 سنة يتحدث إلى "اندبندنت عربية" عن انخراطه برياضة تسلق الجبال "عندما كنت في العاشرة، دعتني إحدى قريباتي إلى نادي "وادي تسلق" وقابلت تيم، الذي قام باستقبالي ومساعدتي لتخطي الحجارة الملونة، تعلقت بصديقي الأميركي تيم، الذي زرع في قلبي حب التسلق كرياضة وليس كترفيه فقط، ومنذ عامين تقريباً، وأنا أتدرب أسبوعياً بما لا يقل عن 6 ساعات، حتى أصبحت اليوم مرشحاً لأكون وعدداً آخر من زملائي في منتخب فلسطين للتسلق، والذي سيشارك في مسابقة الأولمبياد التي ستعقد في طوكيو عاصمة اليابان 2020، وحتى ذلك الحين، سأتدرب مع توفيق وهبة والآخرين، علّنا نحوز ميدالية ترفع اسم فلسطين عالياً ". نيروخ ابن الصف الثامن في مدرسة أمين الحسيني في مدينة البيرة، يتمنى من خلال دخوله المنتخب الفلسطيني للتسلق، تطوير هذه الرياضة لتصبح أكثر شعبية بين فئتي الأطفال والشباب، فالبيئة الفلسطينية، وفق تعبيره مناسبة جداً للتسلق.