في جولة التصعيد العسكري الأخيرة على غزّة، كثف جيش إسرائيل من ضرباته الجوية على المنشآت الزراعية، فأغارات الطائرات الحربية والمدفعية حوالى 100 مرة على القطاع الزراعي، وألحقت به خسائر تُقدر بحوالى 600 ألف دولار أميركي. وتضرر من القصف الإسرائيلي كل من القطاع النباتي والحيواني والثروة السمكية، وكذلك نُسف، بشكلٍ كلّي وجزئي، عدد من مزارع الدواجن والحبش، ما أدى إلى نفوق الآلاف من الطيور.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة في غزّة أدهم البسيوني إن حوالى 60 في المئة من الدواجن والحبش في عمر تسويقي، وباتت الطيور ناضجة وجاهزة للبيع، ما يعني أن هناك خسارة مزدوجة ستلحق بالمزارعين.
خسائر كبيرة...
كما أغارت إسرائيل بشكل مباشر على خلايا النحل، وألحقت صواريخها أعطالاً في المخازن الملحقة بالمزارع وخزانات المياه، وخطوط الري الناقلة الرئيسة والفرعية للمزروعات. وفي تفاصيل الخسائر، يوضح البسيوني أن الأضرار في القطاع الحيواني تُقدر بقيمة 400 ألف دولار، انقسمت ما بين مزارع الدواجن والحبش ونفوق الطيور فيها، وقرابة 150 ألف دولار في حقول الخضار، وما يصل إلى 50 ألف دولار في مساحات البستنة والأشجار.
وفي رصد "اندبندنت عربية" للغارات التي طالت الأراضي الزراعية، سبّبت الصواريخ حفراً كبيرة في المساحات المزروعة، وأتلفت مئات الأشجار المثمرة، ما جعل تلك المناطق غير مؤهلة لإعادة زراعتها من جديد على المدى القريب. ويؤكّد البسيوني ذلك، قائلاً إن الخسارة الحقيقية ليست في الأضرار المادية، بل في ما ألحق بالتربة من تدمير، إذ لم تعد الأراضي اليوم صالحة للزراعة وستتأخر عملية حراثتها لسنوات بسبب القذائف. وأشار إلى أن إسرائيل تعمّدت استهداف المنشآت الزراعية لضرب ممتلكات المزارعين وتكبيدهم الخسائر، على اعتبار أنهم خط الدفاع الأول عن شعبهم في توفير السلة الغذائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدمير تربة
لكن الموضوع من وجهة نظر خبراء البيئة يُعدُّ أعمق من ذلك بكثير، فإطلاق الصواريخ والقذائف على الأراضي الزراعية، له أبعاد أخرى تتمثل في قتل التربة لمئات السنين، ما يهدد الأمن الغذائي ويجعل التوازن البيئي هشاً ويلوث المحاصيل وثمارها ويجعلها حاملة للأمراض، إذ سجّلت وزارة الصحة حوالى 15 ألف حالة مرض بالسرطان، وفي كلّ شهر يزداد العدد حوالى 130 حالة بسبب الواقع البيئي.
وبالوقوف عند القطاع الزراعي في غزة، فإنه يشهد تهديداً خطيراً منذ سنوات، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة، التي حذرت أنه مع نهاية العام الجاري سيكون الوضع البيئي في القطاع كارثياً وغير صالح للحياة الآدمية. ويسكن قطاع غزّة حوالى 2،3 مليون نسمة على مساحة تقل عن 356 كيلو متر، في وقت تُشيّد حوالى 18 ألف وحدة سكنية جديدة كل عام، 65 في المئة من الأبنية تكون على حساب الأراضي الزراعية، ما يعني أن المساحات القابلة للزراعة باتت مهددة بالزوال.
والأمر لا يقف عند ذلك فحسب، بل معظم الأراضي الصالحة للزراعة، هي مساحات حدودية مع إسرائيل، ويمنع جيشها المزارعين من دخولها تحت ذريعة المنطقة الآمنة.
إسرائيل "قتلت" 120 ألف دونم
يقول مدير التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة أحمد حلس إن للصواريخ تأثيراً كبيراً على المساحات الزراعية، إذ تعمل على إجهاد التربة، وتصبح الزراعة فيها جائرة، وكذلك تقتل النطاق الحيوي المهم لنمو النباتات. وفي عملية تحليل مكونات الصواريخ والقذائف، يشير إلى أنها تحتوي على مواد كيميائية ثقيلة، إلى جانب اليورانيوم والحديد، وبعض الإشعاعات الأخرى، التي تحتاج التربة إلى مئات السنوات حتى تتخلص من تأثيرها.
ووفقاً للبيانات الأخيرة، فإن إسرائيل شنّت حوالى 100 غارة على الأراضي الزراعية بالصواريخ والقذائف، وبحسب سلطة جودة البيئة، فإن 120 ألف دونم زراعي أُفسدت بشكل كامل وباتت غير صالحة للزراعة، نتيجة استهدافها من قبل إسرائيل، خلال جولات التصعيد على قطاع غزة. ويوضح حلس أن الصواريخ والقذائف، تقتل الحياة في التربة، من خلال تدمير النطاق الزراعي، ما يؤدي بالتالي إلى تصحر الأراضي، لافتاً إلى أنّهم أجروا سلسلة أبحاث، تبين من خلالها أن المناطق التي تُقصف، تحترق فيها كل الكائنات الحية وتموت الحياة في التربة.
وفي دراسة إطلاق الصواريخ وتأثيرها في التربة، فإن درجة حرارة الصاروخ عند سقوطه تصل إلى آلاف الدرجات، ما يؤدي إلى إجهاد التربة وقتل كائنات حية فيها، وهذا يؤثر في خصوبتها وإنتاجيتها.
حتى الصبار لم ينجح
ويشرح حلس أنه في عملية تحليل إطلاق الصواريخ، فإنها تترك حفرة، وتقلب التربة على مسافة تصل إلى سبعة أمتار، فترفع التربة التي لا حياة فيها إلى أعلى، وتنزل التربة الخصبة إلى أسفل، ما يعني أنّ الأراضي باتت متصحرة. ويضيف أن فريقاً من سلطة جودة البيئة قام بزراعة الصبار في الأراضي التي تعرضت للقصف، لكنه لم ينجح، مشيراً إلى أن التربة تحتاج إلى عشرات السنين لتعود الحياة إليها، إضافةً إلى ضرورة مدّها بالأسمدة وتدعيمها بتربة خاصة.
لكن ثمة عقبة أمام خبراء البيئة، تتمثل في عدم وجود أجهزة متطورة لإجراء فحوصات على التربة بغية اكتشاف وجود اليورانيوم المخصب أو الإشعاع الذري، وكذلك لا يتمتّعون بالخبرة الكافية لإصلاح ما دُمّر نتيجة القذائف. ووفقاً لحلس، فإنه تمت مخاطبة هيئة الأمم المتحدة لإرسال لجنة تقصي حقائق بيئية في قطاع غزة، وبعد الحصول على الموافقة، رفضت إسرائيل منح الفريق الأممي تصريح دخول إلى غزة، ما يثير التساؤلات حول محتوى الصواريخ التي تلقيها على سكان القطاع.