حمل معتصمو ساحة التحرير في بغداد ما أطلقوا عليها بـ "السلطة القمعية" مسؤولية التفجير الذي حصل يوم الجمعة 15 نوفمبر (تشرين الثاني)، ووجهوا الدعوة إلى الشعب العراقي للحضور إلى ساحة التحرير والوقوف دقيقة صمت حداداً على أرواح الضحايا، مشيرين إلى أن مستوى القمع الحكومي يتزايد بعد كل خطبة لمرجعية النجف، بينما اتهم ناشطون قوى موالية لإيران بقتلهم.
بيان معتصمي التحرير
وقال معتصمو ساحة التحرير في بيان، إن "الاحتفالات بفوز المنتخب الوطني، والحشود المليونية التي غصت بها ساحة التحرير وبقية ساحات التظاهر، يومي الخميس والجمعة، قد أغضبت السلطة ومن معها، فانتقلوا من مرحلة تخويف الناس بالانفجارات الصوتية، إلى سفك الدماء داخل ساحات الاعتصام السلمي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار البيان إلى أنه "بعد كل خُطبة للمرجعية الدينية العليا، تزداد عمليات قمع المتظاهرين بالرصاص الحي والقنابل المختلفة، فبينما دعت المرجعية الجمعة إلى عدم الاعتداء على المحتجين، وأن معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب هي "معركة وطنية"، مشددة على حُرمة قتل المحتجين شرعاً وقانوناً، جاء رد السلطة القمعية بعد انتهاء الخطبة فوراً، بإطلاق الرصاص الحي في ساحة الخلاني، وقتل أربعة متظاهرين وإصابة العشرات".
ساحات الاعتصام
أضاف أن "السلطة ضربت ساحة التحرير ومحيطها بالعبوات الناسفة والقنابل الصوتية، أدت إحداها إلى مقتل وإصابة العشرات، فضلاً عن الخسائر المادية"، ولفت البيان إلى أن "التراخي الأمني في محيط ساحة التحرير والمداخل المؤدية إليها، يؤشر إلى عدم رغبة الحكومة بتأمين التظاهرات، والذي هو الواجب الأساسي للقوات الأمنية، وما الانفجارات اليومية إلا دليل على ذلك"، وأكد سعي المعتصمين لـ "تأمين ساحات التظاهر ومداخلها، راجين من أحبتنا المتظاهرين التعاون مع اللجان التنظيمية، للحفاظ على سلامتهم".
ووجه معتصمو التحرير الدعوة إلى "العراقيين للحضور إلى ساحات الاعتصام، والوقوف (دقيقة صمت) حداداً على أرواح ضحايا جمعة الصمود، في الساعة السابعة من مساء السبت 16 نوفمبر، وإضاءة الشموع تكريماً لتضحياتهم، ولنعاهدهم، بألا عودة للحياة الطبيعية إلا بعودة الوطن الذي أرادوه".
مطالبات رسمية للأجهزة الأمنية
ودانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان التفجير الذي استهدف المتظاهرين في ساحة التحرير، وطالبت في بيان، القوات الأمنية بتأمين مناطق التظاهرات، وقالت في بيان "المفوضية تدين التفجير الذي استهدف المتظاهرين السلميين، وهذا الفعل بمثابه تهديد خطير لسلامتهم وينعكس سلباً على سلمية التظاهرات والمطالبات الشعبية بالحقوق المشروعة"، وأشارت إلى أن "المفوضية طالبت الجهات الأمنية بتوفير الحماية للمتظاهرين وساحات التظاهر، واقترحت عدداً من الحلول منها أن تكون هناك نقاط تفتيش مشتركة بين القوات الأمنية والمتظاهرين"، وطالبت "الأجهزة الأمنية بحماية المتظاهرين السلميين وتأمين مناطق وجودهم في ساحة التحرير والمناطق القريبة منها والحفاظ على حياتهم".
أيادٍ سياسية "عابثة"
من جهته، قال الخبير الأمني أحمد الشريفي "من المتوقع خلال هذه الفترة مع استمرار العناد المتبادل بين الحكومة والمتظاهرين أن تتنامى دائرة العنف"، وأشار لـ "اندبندنت عربية" إلى أن "الحكومة مارست عنفاً مقنناً وبدأت تضعف وسائلها في فرض إرادتها وتحديداً على الجسور الثلاثة"، وأضاف "من قام بالتفجير ويقوم باستهداف المتظاهرين يد عابثة تابعة لقوى المصالح السياسية، والتي باتت تشعر بالقلق، إذ إنها حصلت على امتيازات وأموال ومناصب، ولا ترغب بالتغيير وهي جزء من التيارات السياسية"، لافتاً إلى أن "تلك القوى لديها قدرة التغلغل بين المتظاهرين وتوجيه ضربات من الداخل"، وقال "تلك القوى غير مسيطر عليها وغير واضحة المعالم، مجرد قوى انتهازية موجودة في كل كيان سياسي وكل حزب".
الطرف الثالث
وأوضح الشريفي أن "الحكومة العراقية توفر الحماية للقوات الرديفة المدعومة سياسياً والتي تضرب المتظاهرين"، وتابع "صار مُدركاً عند الرأي العام العراقي أن بقاء الحكومة الحالية هو برغبة إيرانية وهي تضغط باتجاه عدم سقوطها"، وبين أن "الانتخابات المبكرة في ما لو جرت في ظل جو كهذا، لن يتمكن أي كيان سياسي من الفوز فيها، وهذه القوى تتخوف من احتمالات فتح ملفات فساد وإرهاب قد تطيح حتى بقيادات تلك القوى".
وعن تصريحات وزير الدفاع العراقي حول "الطرف الثالث"، بين أن "تصريحات كهذه تعني إما أنه يعرف هذا الطرف ولا يستطيع الكشف عنه، أو أنه لا يعرف، وفي الحالتين، هذا ينهي دوره الوظيفي، إذ إن واجبه التشخيص والمعالجة وحماية المتظاهرين"، وختم "آن أوان مغادرة الحكومة العراقية لاستيعاب الشارع العراقي، وعدم الدخول في دوامة الانفلات".
إيران... ومحاولات كسر الطوق
وبالتزامن مع ما يحدث في العراق ولبنان، تشهد إيران موجة احتجاجات كبيرة، ويرى خبراء أن هذا الحراك هو جزء من ارتدادات ما يحصل في العراق ولبنان، مرجحين أن طهران ستحاول إعادة السيطرة على بغداد وبيروت أولاً. وقال الباحث والناشط هشام الموزاني "إيران ستحاول كسر الطوق المفروض حولها وإعادة السيطرة في بغداد وبيروت أولاً"، مبيناً أن "التفاعل المتسلسل لهذه الانتفاضات سيكون كفيلاً في إسقاط الأنظمة أو على الأقل تغيير توجهاتها".
وأشار الموزاني لـ "اندبندنت عربية" إلى أن "الداخل الإيراني يسير نحو الهاوية في هذا الشتاء وارتفاع أسعار المحروقات، إضافة إلى الجوع الذي بدأ يصبح ظاهراً للمرة الأولى في إيران الثورة"، ولفت إلى أن "الحكومة العراقية تفكر الآن تماماً باحتواء الاحتجاج وتحويله إلى أشكال مقبولة للسلطة، ولن تدخر نوعاً من أنواع القمع أو الاختراق، فضلاً عن القتل الممنهج والتشويه في محاولة مستمرة للبقاء في السلطة".
وبين أن "السلطة تقاوم من باب أنها باقية، وإن كانت تعرف أنها مهددة، لكنها تعتبر المناخ الإقليمي والموقف الدولي إلى جانبها، على الرغم من إدراكها أنها أصبحت خارج الشرعية تماماً، وهذه سابقة في عراق ما بعد 2003".
كلام سياسي "سخيف"
وعلقت الحكومة العراقية على اتهام عناصر إيرانية بقتل متظاهرين عراقيين في الاحتجاجات المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ووصف الناطق العسكري باسم رئيس الحكومة العراقية عبد الكريم خلف، في مقابلة متلفزة، الاتهامات بأنها "كلام سياسي سخيف"، وتابع "بعض الجهات داخل العراق لطالما روجت لمثل حديث" كهذا، وأشار إلى أنه "في العراق هناك مليون مقاتل، فهل نحتاج الى إيراني واحد يأتي إلى بغداد، وهل من المعقول أن نسمح لقوات تابعة لدول الجوار أن تأتي وتقتل أبناءنا"، لافتاً إلى أنه "لو شاهدنا هذا الأمر لكان لنا موقف تجاهه وتجاه إيران ولن نقبل به مطلقاً".
ويتهم ناشطون وسياسيون مجاميع إيرانية وفصائل عراقية موالية لإيران بقتل المتظاهرين.
ذي قار... جهات موالية لإيران تقتلنا
ويقول ناشط من ذي قار، رفض الكشف عن اسمه أن "انفجار ساحة الحبوبي حصل داخل الساحة خلف الخيم المعدة لخدمة المتظاهرين"، وأضاف "المتظاهرون يتهمون ما تطلق عليه الحكومة بالطرف الثالث، ونطلق عليه اسم الأحزاب والجهات الموالية لإيران"، وأشار إلى أن "عدد المتظاهرين تزايد بعد التفجير كرسالة رد إلى السلطة مفادها بأننا باقون حتى تحقيق مطالبنا ولن تخيفنا أفعالها"، وبين أن "تفتيش القوات الأمنية حول ساحة التظاهر كان ضعيفاً بالأمس، لكنها اليوم شددت قليلاً من إجراءاتها"، ولفت إلى أن "التهديدات بالقتل والاختطاف لا تزال مستمرة لنا، من قبل جهات مجهولة في محاولة لثنينا عن الاستمرار".
قتلى وجرحى وتفجيرات
وكانت سيارة مفخخة، قد انفجرت مساء الجمعة، قرب نفق ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، ما أوقع عدداً من القتلى والجرحى، وأفادت خلية الإعلام الأمني بأن الحصيلة الأولية للانفجار الذي وقع في مدخل حديقة الأمة تشير إلى مقتل متظاهر وإصابة 16 آخرين. وبالتزامن مع ذلك، انفجرت عبوة صوتية وسط جموع المتظاهرين في ذي قار، وبحسب مصادر محلية، أدى التفجير الى إصابة 11 متظاهراً ومقتل أحدهم متأثراً بجروحه.
ويشهد العراق، منذ مطلع أكتوبر الماضي، احتجاجات شعبية في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى، تطالب برحيل حكومة عادل عبد المهدي التي تتولى السلطة منذ أكثر من عام وحل البرلمان وتغيير القانون الانتخابي. ومنذ ذلك الوقت، قتل أكثر من 300 متظاهر، وفق لجنة حقوق الإنسان البرلمانية، وجرح أكثر من 15 ألف آخرين، بحسب مفوضية حقوق الإنسان.
وتستمر القوات الأمنية العراقية باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وأحياناً الرصاص الحي بأعيرة ثقيلة، إضافة إلى القنابل الصوتية، لتفريق المتظاهرين، فضلاً عن قيام مجموعات مسلحة بقتل واختطاف ناشطين.